النقد بالمحكي: استهجان!

النقد بالمحكي: استهجان!

ربما لاعتماد الشعر المحكي على الشفاهية في التلقي منذ القدم، جعل الناقد في منأى عن قراءة النصوص بشكل أعمق أو بأدوات يستطيع من خلالها التوغل أكثر في النص من الداخل، فكان الناقد هو الشاعر نفسه، ويعتبر أي رأي سلبي تجاه ما يكتب انتقاصا لفكره. وللأسف هذه الفكرة لاتزال مسيطرة على شاعر اللغة العامية، وهي ليست قصرا على الشعراء التقليديين الذين يعيدون إنتاج الشعر القديم بنفس اللغة والشكل، بل نقرأها من خلال شعراء أكثر قدرة على التجديد وأكثر وعيا. لنعد قليلا للشاعر الجميل فهد المساعد من خلال ما كتبه هنا في ولادة هذه الصفحات، فقد كان رأيه في الناقد أنه يقوّم أخطاء الوزن والقافية التي تجاوزها فهد حسبما قال، هذا الكلام هو قناعة الكثير من شعراء المحكي، وكأن فهد قالها بالنيابة عن كم عريض منهم!
ولا عجب عندما تأتي مفردة "نقد" في الذاكرة الشعبية مرادفة لكلمة "استهجان"، فالأب يوصي ابنه "لا ينقدون عليك الرجال" و"لا تنقدنا مع الرجاجيل".. إلخ.. حتى ترسبت في أذهان البعض أن النقد شيء سيئ يمارسه أشرار للتقليل من ذاتك. ويجب ألا تجعل لأحد عليك مدخلا لممارسة نقده، وفي هذا ربما تجاوز للحياة بكل تفاصيلها، ليصبح الكل أفلاطونيا! الناقد بدوره لم تعد تغريه قراءة الشعر، فهو سيقرأ مُنتجا رديئا يُصر مُنتِجه على أن أي محاولة للمساس به تعدٍ على ذاته، لذا لا عجب أن أسمع صوت عواض العصيمي في العدد ذاته وهو يعلن إحباطه وتذمره بل وتصريحه في الشك بنوايا الكثير من الصفحات المهتمة بالشعر العامي!
ولا يخفى على الكثير من قراء ومستمعي الشعر المحكي من فخر الشاعر بنفسه أنه "حَبَك" قصيدته، ولم يجعل للناقد مدخلا، والناقد حسب ما يرمون إليه ما هو إلا كما قالت العرب "ذبابة لا تقع إلا على الجُرح"، وهو كما أسلفنا اجترار لمفهوم الناقد في الذاكرة الشعبية، وكأنه غير معني بالجمال ويقتصر دوره على تقويم أخطاء البدايات. ختاما أتمنى أن "لا ينقد" على أحد، وإن أصر فلينتقد رؤيتي!

الأكثر قراءة