الفقر .. لا وطن له!

اهتمت السينما أخيراً بتصوير الأوجه العديدة للفقر في العالم، من خلال إنتاج أفلام تعرض وجوها فقيرة مطحونة ويائسة وربما معدومة، وتغلب عليها أجواء القتامة والحزن والمعاناة .. ففي أحد مهرجانات السينما العالمية التي أقيمت في الفترة الأخيرة، كانت المرأة الحزينة محوراً أساسياً دارت حوله الأحداث، وانعكس عليه شكل الحياة الاجتماعية. يقدم فيلم ''ماريا'' حياة فقيرة مُعدمة تعيش فيها ''ماريا'' وزوجها وأطفالهما، بعد تسريح الزوج من المصنع الذي يعمل فيه بعدما آلت ملكية المصنع إلى رجل أعمال أمريكي، ويضطر الزوج والأب إلى بيع جسده حتى يوفر لقمة العيش لأسرته، وتمضي في الطريق نفسه ''ماريا'' الزوجة والأم داخل مجتمع لا يوفر حياة كريمة لأفراده، في الوقت نفسه الذي يهاجم الرذيلة التي أصبحت مرادفاً للحياة، التي تفقدها ''ماريا'' في نهاية الفيلم من دون أن تنعم بلحظات سعادة. إذا كانت تلك الصورة السينمائية القاتمة لأصل حياة فقيرة مُعدمة في مجتمعات أوروبا الشرقية، حيث يوجد الفقر وتتوافر صعوبات الحياة، فإن الفيلم الفرنسي لعب شاق يعرض أحوال شاب وجد نفسه داخل قوانين صارمة لمجتمع لا يرحم، كذلك يقدم الفيلم البريطاني ''ستة عشر عاماً من الكحول'' مجتمعاً منهاراً أو قائماً على أسرة مفككة تنتج شاباً يجد نفسه في مواجهة أب شرس وقاس يخون زوجته أمام ابنه بلا خجل، الأمر الذي يولد داخل الابن رغبة كبيرة في الانتقام من كل شيء في المجتمع، فيدخل في عصابة خطيرة ويسلك كل طرق الانحراف، ولا يستطيع الحب الذي صادفه أن ينقذه من تلك الحياة، ويكون الموت فقط هو الخلاص والملجأ للأمان، الذي لم يعد بمقدور العالم أن يوفره لهذا الشاب أو لفتاة صغيرة لم تتجاوز الثالثة عشرة في الفيلم الأمريكي، الذي عرض في المهرجان ويصفه أحد النقاد بأنه لكمة شديدة في المعدة، تدير المجتمع الأمريكي وتوثق لنمط من الحياة الاجتماعية في العالم. تغرق فتاة الفيلم الأمريكي في جحيم المشكلات الاجتماعية داخل أسرتها، فتضطر إلى الخروج إلى مجتمع لا يرحم وإلى رفاق السوء، حيث تجرب كل شيء، الخمور والمخدرات والجنس، ولا يستطيع أحد أن ينقذها من الضياع الذي تستمر فيه إلى النهاية. حالة أخرى من الضياع يقدمها الفيلم الإيطالي ''الآن وإما أبداً'' الذي يصور مجموعة من الشباب ينضمون إلى التيار المناهض للعولمة والرأسمالية التي طفت على العالم، وذلك بعد مقتل شاب إيطالي من مناهضي العولمة في التظاهرات التي خرجت ضد اجتماع الدول الثماني الأكثر غنى في العالم في مدينة ''جنوة'' الإيطالية.
طرحت أفلام المهرجان وجوهاً عديدة للفقر والضياع وقضايا مختلفة تدين بشكل أو بآخر المجتمع المعاصر، الذي أصبحت فيه الرأسمالية هي السلطة الأعلى التي تقهر الأفراد، سواء على المستوى النفسي أو الجسدي. كما قدم المهرجان وجوهاً لرجال ونساء مهمشين يبحثون عن هوياتهم بلا جدوى!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي