فضيحة «شيراتون جيت» دليل على آلام تونس المتنامية
فضيحة «شيراتون جيت» دليل على آلام تونس المتنامية
لقد تم استقبال ألفة الرياحي مثل المشاهير في فندق شيراتون في تونس، وأثار وصولها إلى الفندق ضجة وسط الموظفين الذين أسرعوا لتحيتها، أو للهمس ببساطة: ''شكرًا''.
مثل الآنسة رياحي، انطلقت شهرة الفندق في الأسابيع الأخيرة، بعد مدونة خاصة بها أثارت فضيحة سياسية أطلقت عليها وسائل الإعلام المحلية اسم ''شيراتون جيت''. نشرت رياحي في مدونتها الفواتير الخاصة بفندق شيراتون، التي تظهر إقامة وزير الخارجية التونسي على نفقة الحكومة، وترجيح قيامه بعلاقة غير شرعية. وأحرج ذلك الحكومة التي يقودها الإسلاميون، والتي تفاخر بتمسكها بالأخلاق والقتال ضد فساد النظام القديم. وأسعد ذلك منتقدي الحكومة وبعضهم فيما يبدو من أعضاء فريق العمل في شيراتون.
الوزير رفيق عبد السلام لا ينتمي فقط إلى حركة النهضة، الحزب الإسلامي الذي عانى طويلاً القمع في تونس، والذي برز بوصفه أقوى حزب في البلاد بعد ثورة 2011، لكنه أيضًا صهر راشد الغنوشي، رئيس الحزب.
وسلطت فضيحة ''شيراتون جيت'' الضوء على عملية شد الحبل، في مرحلة ما بعد الثورة، بين النهضة ووسائل الإعلام في البلاد ـــ التي انطلقت منها شرارة الانتفاضات التي هزت العالم العربي على مدى العامين الماضيين.
وأثارت القضية توترات داخل الائتلاف الحاكم، بحصول الآنسة رياحي على دعم حتى من شريكي حزب النهضة في الحكومة، اللذين سعيا إلى إقالة وزير الخارجية.
وحتى الآن، الانتقال السياسي في تونس لم يكن صاخبًا كما هو الحال في مصر. لكن الانقسامات السياسية بين الإسلاميين والليبراليين ـــ كما هو الحال في مصر ـــ تحدد الآن مشهد الاستقطاب السياسي، بينما تزداد المخاوف بشأن التزام الإسلاميين بالديمقراطية.
ووجدت وسائل الإعلام التي تم قمعها طويلاً من قِبَل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، نفسها عالقة في الصراع على السلطة.
وقالت رياحي (30 عامًا) مع ارتياح واضح على وجهها في أثناء مقابلة في الفندق: ''لقد أصبحت فضيحة شيراتون مشكلة كبيرة جدًا''. وتابعت ''لقد اتهموني بالعمل لدى جميع أنواع الناس، بما في ذلك وكالات الاستخبارات الأجنبية''.
ونفى عبد السلام أي سوء استخدام للأموال العامة، واصفًا إقامته في الفندق بالضرورية من أجل أداء واجباته، بينما وصف المرأة التي يزعم أنه متورط معها في علاقة غير شرعية بأنها إحدى قريباته. وقال إن التسريبات تهدف إلى تشويه صورة الحكومة وصورته.
وقدّم الوزير شكوى ضد رياحي التي تم منعها من السفر وتخضع الآن إلى تحقيق من قِبَل النيابة العامة.
وتذوقت وسائل الإعلام التونسية طعم الحرية التي حصلت عليها بمشقة كبيرة منذ تضحية بائع خضراوات شاب بحياته، مفجرًا ثورة أطاحت بــبن علي عام 2011، وخرجت إلى الوجود عشرات من المطبوعات الجديدة وعدد من محطات التلفزيون. لكن وسائل الإعلام تواجه أيضًا حكومة غير قادرة فيما يبدو على التغلب على شكوكها بأن الصحافة تصور الإسلاميين على أنهم كائنات شيطانية منذ عقود.
وتتهم النهضة، الحزب الإسلامي المعتدل وفقًا للمعايير الإقليمية، الصحافة بأنها لا تزال متأثرة بشكل مفرط بالمشاعر المعادية للإسلاميين وأساليب النظام السابق. وحاول الحزب ترويض وسائل الإعلام المملوكة للدولة عن طريق تغيير رؤساء المؤسسات.
لكن بعض إجراءاته أتت بنتائج عكسية مع الصحافيين الذين تمردوا عليها ودخلوا في اعتصامات وإضرابات عن العمل. وفي كثير من الحالات يستمر انتقاد الحكومة بضراوة، وخصوصًا حزب النهضة.
وتقرّ رياحي بأن بعض وسائل الإعلام تخدم قوى معادية للثورة وتسعى من أجل زعزعة استقرار الحكومة. وتضيف: ''لكن كثيرًا من الأشخاص يحاولون أيضًا القيام بعمل جيد وتحاول الحكومة السيطرة عليهم''.
وأشارت إلى أن التحقيقات معها ركزت أيضًا على رجال الأعمال الفاسدين الذين ارتبطوا بنظام بن علي.
ومعروف عن رياحي مؤيدة لواحد من الأحزاب العلمانية المتحالفة مع حزب النهضة، بدلاً من المعارضة. وأدّى ذلك إلى تكهنات بأن شركاء النهضة ربما يكونون وراء تسريب أنباء الفضيحة.
ويقول صحافيون وإعلاميون تونسيون إن حزب النهضة يسيء فهم دور وسائل الإعلام العامة. ويتم انتقاد الحكومة لتباطؤها بشأن الإصلاحات، بما في ذلك القوانين التي تم إقرارها بعد الثورة، والتي تجسد حرية الصحافة وتنص على إنشاء منظمات مستقلة. وبدلاً من ذلك، لا يزال القانون الجنائي والقوانين التي صدرت في ظل النظام القديم مستخدمة لملاحقة الصحافيين.
ويقول كمال العبيدي، الذي ترأس لجنة وطنية لإصلاح الإعلام والاتصالات بعد الثورة: ''قضية الرياحي واضحة وضوح الشمس: بدلاً من تسليط الضوء على هذه القضية والتحقق من الوثائق المنشورة، اتخذوا قرارًا متسرعًا بمنعها من السفر وإرسال رسالة مفادها أن ليس هناك مجال للصحافة الاستقصائية''.
وأضاف: ''بدلاً من استخدام القانون الجديد الذي ينص على أنه لا يمكن محاكمة أي صحافي عن القيام بعمله، استخدموا قانون العقوبات من عهد بن علي''.
ووفقا لرياض جيورفالي، المؤسس المشارك في شبكة المدونات، ناوات، من دون ضمانات قانونية، حرية وسائل الإعلام تواجه خطر أن تكون مجرد سراب.
ويقول: ''لا أعرف إذا كانت الحرية التي لدينا الآن ستكون هنا في غضون خمس سنوات؛ لأنني لا أعرف ما إذا كانت نتاجًا لميزان السلطة بين المجتمع والحكومة، أو إذا كانت ببساطة فترة شهر عسل بعد الثورة''.