فابيو ديلونجي .. مهندس يتألق تحت الضغط
فابيو ديلونجي .. مهندس يتألق تحت الضغط
السماء ملبدة بالغيوم لأكثر من ساعة، بعد أن تم تحديد موعد للبدء، لكن هذا لم يثبط من حماسة الرئيس التنفيذي لأكبر شركة مصنعة لماكينات القهوة الآلية. فابيو ديلونجي يقف بجانب المدخل الرئيسي لأكبر مصانع شركته في ضواحي مدينة تريفيزو، وخلال دقائق كان يتجول معي بحماسة في الطابق المخصص للتصنيع والإنتاج.
وبعد أن استعرض بعض الآلات التصنيعية ذات الشكل المذهل، أرشدني إلى معمل صغير، وضغط على بعض الأزرار على آلة صناعة قهوة مصنوعة حديثاً. انبعث منها دفق من الحليب الساخن، وأنعم النظر إلى الفقاعات كبداية.
يشرح ديلونجي قائلاً: ''عليك أن تتأكد أن الرغوة ليست رطبة للغاية ولا جافة للغاية، الفارق بين النجاح والفشل ضيق للغاية بحق، لكن بالنظر إلى العلاقة بينهما، يمكنك أن ترى أنه جيد بحق''!
تريفيزو، تلك المدينة الصغيرة المزدهرة في شمال غرب إيطاليا، هي موطن لشركة ديلونجي التي تحمل نفس اسمه، المملوكة بنسبة 68 في المائة لعائلته والباقي مدرج في سوق ميلان للأوراق المالية. إنها مثال بارز لأنموذج الأعمال التجارية التي تعمل في مجال محدد والمدارة من قبل عائلة واحدة وتبلى بلاءً حسناً في معظم أنحاء الشمال الإيطالي.
تم تأسيس شركة ديلونجي كشركة هندسية صغيرة في عام 1902، وانتقلت إلى مجالات مثل النظم الحرارية في السبعينيات وبدأت في صناعة آلات القهوة بعد ذلك بـ 20 عاماً. هذه الأجهزة كانت مسؤولة العام الماضي عن نحو ثلث مبيعاتها البالغة 1.5 مليار يورو، والباقي كان يأتي من مجموعة من الأشياء الأخرى من آلات إعداد الخبز المحمص إلى مكيفات الهواء.
''لدى الإيطاليين عاطفة تجاه القهوة، ولدينا سجل قوي في الابتكار والتكنولوجيا. لذا يبدو من الطبيعي أننا انتقلنا إلى هذا الجزء من الصناعة''. هذا ما قاله ديلونجي البالغ من العمر 45 عاماً الذي لم يجلس لمرة واحدة خلال لقائنا الذي استمر 90 دقيقة. بدلاً من ذلك كان يتحدث وهو يتحرك حيث كنا نتجول في البداية في أرجاء المصنع ثم اتجهنا إلى مجموعة من المكاتب المجاورة.
يعمل في المصنع الواقع في مدينة تريفيزو ألف شخص وينتهي من عمل خمسة آلاف آلة قهوة آلية يومياً. مبيعات الآلات التي قد تكلف ما يصل إلى ألف يورو تزدهر على الرغم من الأزمة الاقتصادية.
''إننا نقوم هنا بما اعتاد عديد من الناس أن يسموه مستحيلا، بإمكاننا صنع وسائل للمستهلكين لعمل قهوة سريعة (إسبريسو) في منازلهم وهي بنفس الجودة التي يمكن توقعها من العامل على تقديم القهوة''، هذا ما قاله ديلونجي، مشيراً إلى خطوط الإنتاج الطنانة للمصنع.
بدأ العمل في الشركة عام 1992، بعد فترة قصيرة من حصوله على شهادة في الاقتصاد من جامعة بوكوني في مدينة ميلان، يعمل بعناية مع والده جويسبي البالغ من العمر 73 عاماً، الذي بدأ في تأسيس الملف العالمي للشركة في السبعينيات وظل رئيساً.
أقل من سدس مبيعاتها في عام 2012 جاء من إيطاليا، ونحو الثلث من أسواق ناشئة من بينها الصين والهند وأقاليم مثل أمريكا الجنوبية وغرب أوروبا.
له أخت تدعى سيلفيا تبلغ من العمر 27 عاماً، عملت أيضاً في الشركة وعضو مجلس إدارتها. يقول ديلونجي: إنه لم يشعر قط بأي ضغط لا مبرر له من والده للالتحاق بالشركة. يقول: ''إذا ما كان هناك أي ضغط فمن المرجح أنه من الجانب العكسي، كانت لدي أفكار في شبابي كي أصبح لاعب كرة قدم محترفا أو أمارس التزلج طوال الوقت''.
''لكن كنت آتي مع والدي إلى مكاتبنا ومصانعنا منذ أن كنت في السادسة. وبدا الأمر ملائماً للغاية أن ألتحق بالشركة مع وجود اسم العائلة فوق بابها''.
ولاحقاً في جولتنا، قابلنا جويسبي وهو ما زال يعمل على مكتبه. فكيف ينسجم الاثنان؟
يقول فابيو: ''يمكنني القول إنني منصت جيد أكثر منه، والدي ليس صبورا للغاية، يقول إنه ينصت لكنه يستمع فقط إلى ما يريده، لكن في المجمل فإننا نعمل معاً كفريق على وجه جيد، إننا نجرب الأفكار مع بعضنا البعض، ويمكنني القول إننا نعامل بعضنا بعضا بكثير من الاحترام''.
وهنا يضحك ديلونجي الكبير، ويقول: ''أتفق، إنني لست جيداً جداً في الإنصات''.
بعد العمل بشكل رئيسي في المبيعات والمناصب التسويقية، مع مهمات رئيسية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة تولى فابيو منصب الرئيس التنفيذي في عام 2005، لكن ظل لوالده الكلمة العليا في معظم القرارات المهمة.
ومنذ ذلك الحين قامت الشركة بثلاث خطوات رئيسية، وضعت كمية أكبر من مواردها في الابتكار بشكل كبير عبر جهود 250 فريق بحث وتطوير قوي كان منقسما بشكل أساسي بين تريفيزو وهونج كونج وألمانيا والمملكة المتحدة.
يقول: ''ليس من الضروري أنك ستشهد منتجات تحقق طفرات كبيرة وجديدة (في صناعة آلات المطبخ الكهربائية)، لكن هناك فرصاً كثيرة لإضافة أفكار تقنية إلى المنتجات لجعلها أذكى وأسهل على المستهلك في استخدامها''.
ويستشهد على سبيل المثال بآلة ''النبريسو'' لكبسولات القهوة التي تعد شركة نيستلة السويسرية رائدة فيها، التي تتضمن تعاونا بين عدد من مصنعي ماكينات القهوة ومن بينهم شركة ديلونجي. هذه الشركة الإيطالية أيضاً كبحت جماح ما بدا منذ عقد مضى تحولاً لا يمكن إيقافه لإنتاج الآلات الكهربائية المحلية الصغيرة إلى الصين. شركة ديلونجي لها ثلاثة مصانع في الصين تصنع أجهزة مثل أنظمة مكيفات الهواء وآلات صنع قهوة غير معقدة نسبياً (التي على سبيل المثال لا تشتمل على آلية تلقائية لطحن حبوب القهوة) وتوظف نحو ثلاثة آلاف من قوى عمل الشركة العالمية التي تبلغ 5.800 فرد.
مع ذلك، فإن التوازن في الاستثمار بمنتج جديد مال مرة أخرى تجاه أوروبا. يقول: ''بدأنا ندرك أن الصين أصبحت أغلى كثيراً، في حين أن الكفاءات التي تستطيع أن تحصل عليها في مصنع جيد في أوروبا مرتفعة للغاية''.
مصنع تريفيزو، الذي يصنع في الأساس أفران المايكروويف وتحول إلى إنتاج آلات القهوة منذ ستة أعوام بمساعدة من استثمار قدره 60 مليون يورو، هو دليل على هذا النهج.
يقول ديلونجي: ''الصين مسؤولة عن نحو 75 في المائة من إنتاجنا لكن في مدة خمسة أعوام من المرجح أنها ستكون قريبة من 50 في المائة''.
يرصد ديلونجي على نحو ثابت التوسع العالمي المستمر. وهذا الجهد ساعده فيه استحواذ الشركة العام الماضي على سلسلة من منتجات الأجهزة الكهربائية المتعلقة بالكي والعناية بالأرضيات من شركة بروكتر آند جامبل، شركة السلع الاستهلاكية سريعة التحرك. وهذا يتضمن حق استخدام علامة ''براون'' التجارية.
يقول: إن هذا من شأنه أن يدفع بالمبيعات السنوية بنحو 200 مليون يورو سنوياً، ويساعد موقف التسويق الاقتصادي بعيد المدى في ألمانيا والشرق الأوسط. ما زال ديلونجي يؤمن بأن آلات القهوة ستظل تمثل على الأرجح أفضل منصة للتوسع. بمساعدة من النمو القوي في هذا الجزء من العمل، يعتقد أن مبيعات الشركة السنوية قد ترتفع بنحو 10 في المائة سنوياً في المتوسط في السنوات القليلة المقبلة، مفترضاً عدم حدوث أي صدمات كبيرة للاقتصاد العالمي.
يقول: ''القهوة هي منتج باعث على الإلهام، إنه شيء يعرف به أناس كثيرون، من المحتمل أن يكون هناك 50 مليون آلة قهوة قد بيعت (من كل الشركات) منذ سنة إلى الآن، وهناك فرصة أن هذا قد يتضاعف في السنوات العشر المقبلة، وستأخذ ''ديلونجي'' حينها النصيب الأكبر من الفرص الجديدة''.
السيرة الذاتية
- المولد: أيلول (سبتمبر) 1967 في مدينة تريفيزو.
- التعليم: حصل في عام 1992 على شهادة في الاقتصاد والتجارة من جامعة بوكوني.
- 1992 التحق بشركة ديلونجي كمساعد لمدير التسويق في المملكة المتحدة.
- 1994 مدير تسويق في الولايات المتحدة.
- 1997 مدير المبيعات والتسويق الدولي.
- 2005 أصبح المدير التنفيذي.
- العائلة: متزوج وله أربعة أطفال.
- الهوايات: التزلج ولعب التنس والركض.