بصمة ميكروبات الأمعاء للتعرف على الأشخاص

بصمة ميكروبات الأمعاء للتعرف على الأشخاص

تشير أبحاث جديدة إلى أن الحامض النووي للمجموعة الهائلة من الميكروبات، التي تستوطن الأمعاء لها بصمة خاصة يمكن منها معرفة الأشخاص بالطريقة نفسها التي يتم فيها تمييز كل فرد من خلال الحامض النووي الخاص به. وقد نُشِرت دراسة خاصة عن البحث في عددها الخامس من (ديسمبر) الحالي من مجلة Nature (الطبيعة)، تحدث فيها المؤلفون عن دراستهم. ويتألف فريق الباحثين من أطباء من كلية الطب في جامعة واشنطن في سانت لويس، في ولاية ميزوري الأمريكية، وأطباء من المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية في هايدلبرغ في ألمانيا. ويُعتقَد أن هذه الدراسة هي أول بحث يقوم بتصنيف التغيرات الجينية للميكروبات التي تعيش في الأمعاء. بيئة وعالم الميكروبات بدأنا في السنوات الأخيرة بالحصول على فهم أكبر للميكروبات، التي تستوطن كل صغيرة وكبيرة في الجسم البشري. ونحن نعلم الآن أن العالم الميكروبي يشتمل على تريليونات من الكائنات الدقيقة، التي يبلغ عددها عشرة أضعاف خلايا الجسم البشري. وبدأنا كذلك بمعرفة الكيفية، التي تعمل فيها المورثات الميكروبية بصورة مشتركة مع مورثات الإنسان من أجل إبقاء الفرد في حالة صحية جيدة، وفي بعض الحالات التسبب في الأمراض. تستخلص الميكروبات الموجودة في الأمعاء المواد الغذائية من الطعام، وتساعد على تركيب الفيتامينات، وحماية الإنسان من الالتهاب والعدوى، وتصنيع المركبات التي تقلل من الالتهاب. مجموعة متفردة جورج واينستوك هو المدير المشارك لمعهد الجينوم في جامعة واشنطن، وهو المؤلف المشارك في الدراسة التي نشرتها مجلة الطبيعة. وقد تحدث في مؤتمر صحفي عن دهشة العلماء الكبيرة حين علموا أنه يمكن التعرف على الفرد الآن عن طريق الحامض النووي الجماعي لميكروبات الأمعاء التي تعيش في داخله. وقال واينستوك: "هذه المجموعة متفردة، وهي مشابهة تماماً للجينوم البشري. والاختلافات في الطريقة التي يستجيب فيها الأفراد للأدوية المختلفة أو الطريقة التي تُستخدَم فيها مواد غذائية معينة، هذه الاختلافات يمكن اقتفاؤها إلى التنوع الوراثي في جينات الميكروبات الموجودة في جسم الإنسان وفي الجينات البشرية كذلك." التنوع الجيني في مجموعات الجينوم الميكروبي لأغراض الدراسة، قام واينستوك وزملاؤه بتحليل الحامض النووي المأخوذ من 252 عينة براز أخذت من 207 أشخاص في الولايات المتحدة وأوروبا في أحد مشروعين يعملان على تصنيف العالم الميكروبي في الإنسان، وهما مشروع العالم الميكروبي الإنساني، الذي تموله المعاهد القومية للصحة في الولايات المتحدة، ومشروع الجهاز المعوي البشري، الذي تموله المفوضية الأوروبية. لكن لم يقم أي من هذين المشروعين البارزين بالنظر في التنوع الوراثي للجينوم الميكروبي في جسم الإنسان. وقد ركز واينستوك وزملاؤه على مجموعة من أجناس الميكروبات يبلغ عددها 101، من الميكروبات التي توجد في العادة داخل الأمعاء، واستطاعوا التعرف إلى أكثر من عشرة ملايين اختلاف في حرف واحد في الحامض النووي الجماعي. كذلك عثر الباحثون على تغيرات في الحامض النووي، تشتمل على عمليات إدخال وحذف واختلافات في البنية. الحامض النووي للعالم الميكروبي في الجسم يظل مستقراً عبر الزمن، واكتشف الفريق كذلك أن الحامض النووي للميكروبات المعوية يظل مستقراً عبر الزمن. وقد توصلوا إلى هذه الحقيقة لأن 43 شخصاً من المشاركين أعطى كل منهم عينتي براز تفصل بينهما مدة شهر على الأقل (في معظم الحالات كانت العينة الثانية تؤخذ بعد مرور ستة أشهر إلى 12 شهراً على العينة الأولى). ولم يعثر الباحثون في تلك العينات المزدوجة على تغير يذكر في الحامض النووي الميكروبي عبر الزمن، رغم أن أنواع الميكروبات نفسها تعرضت للتقلبات. وقال واينستوك: "حتى بعد مرور عام، كان لا يزال بمقدورنا التمييز بين الأفراد من خلال البصمة الوراثية للحامض النووي الميكروبي في الجسم". وأضاف: "إن الحامض النووي الميكروبي في الأمعاء مستقر بصورة لافتة للنظر، وكأنه يشبه البصمة". تزامن التطور بين العالم الميكروبي والإنسان منذ اليوم الذي نأتي فيه إلى الحياة باعتبارنا من المواليد الجدد، نصبح مستعمَرين بالميكروبات. بعض هذه الميكروبات نرثها من الأمهات أثناء الولادة، وبعضها نأخذه من البيئة. تقول ماكيدونكا ميتريفا، وهي تعمل في منصب أستاذ مساعد للطب في معهد الجينوم التابع لجامعة واشنطن: "إن الحامض النووي للميكروبات، التي تستوطن أجسامنا هو عبارة عن سجل تاريخي للتطور الميكروبي داخل جسم الإنسان. كثير من هذه الكائنات الدقيقة أخذت باستعمارنا في عمر مبكر للغاية وأخذت بالتطور معنا طيلة فترة العمر". لكننا لا نزال حتى الآن في المراحل الأولى من فهم الكيفية، التي تعمل فيها هذه المجموعة الهائلة من الكائنات الدقيقة على تشكيل حياتنا. يشير الباحثون الذين يدرسون العالم الميكروبي في الإنسان إلى أن حدوث اختلال في البكتيريا يمكن أن يؤدي إلى أمراض من قبيل تناذر استثارة وتهيج الأمعاء ومرض كرون (أحد أشكال التهاب الأمعاء الذي يعود إلى أسباب تتعلق باختلال المناعة الذاتية). بل إن بكتيريا الأمعاء يمكن أن تلعب دوراً في البدانة، كما تشير دراسة أجريت على الحيوانات، في تقرير نشر في مجلة أبحاث البروتيوم في عدد شباط (فبراير) 2012. يشار إلى أن العلماء العاملين في المشروع الضخم (العالم الميكروبي الإنساني)، الذي تموله المعاهد القومية للصحة، أتموا رسم الخريطة الجينية لجميع الميكروبات المختلفة، التي تعيش داخل الجسم البشري السليم أو عليه. وفي حزيران (يونيو) 2012 نشروا مجموعة من الأبحاث، منها بحثان في مجلة الطبيعة واثنان في مجلة PLoS ONE، كشفوا فيها النقاب عن عدد من الاكتشافات العجيبة، بما في ذلك وجود أدلة على أن البكتيريا الضارة يمكن أن تعيش في الجسم السليم وتتعايش مع المضيف ومع الميكروبات الأخرى دون أن تتسبب في الأمراض. تقول ميتريفا إن الباحثين يأملون في أن المزيد من الدراسات على العالم الميكروبي في الأمعاء ستساعد العلماء على معرفة كيفية التلاعب في جينات البكتيريا من أجل تحسين صحة الإنسان وإضفاء المزيد من الكفاءة على الأدوية. يشار إلى أن عدة منح تسهم في تمويل هذه الدراسة، منها منح مقدمة من المختبر الأوروبي للبيولوجيا الحيوية، ومن برنامج الإطار السابع للجماعة الأوروبية، ومن المعاهد القومية للصحة في الولايات المتحدة.
إنشرها

أضف تعليق