الكتابة عن التنمية ما بين الاحتراف والإجحاف
نقرأ بين وقت وآخر مقالات أو تعليقات في عدد من الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تتناول مشاريع خدمية وإنشاءات تتم على أرض الواقع، بعض هذه التعليقات فيها إجحاف ونظرة سطحية تماما، وأخرى بعيدة عن المهنية والمصداقية وعن الواقع الفعلي. يدهشك فعلا أن تقرأ مقالة طويلة يتحدث فيها كاتبها بعمومية عن مشاريع تكلفنا أكثر من مائة مليون ريال، وستدخل للتشغيل وخدمة المواطن خلال أيام، وهو يستقي معلوماتها من الإنترنت ومن المنتديات، والتي تضلل وتلوي الحقائق كما هو معروف، فيقوم بنقلها حرفيا للقراء. مثل هذا التسطيح وعدم المسؤولية، يحتم على الجهات المتضررة أن تقاضي هؤلاء الكتاب، فإذا لم يستشعر مسؤولية الكلمة، فلا بأس بمن يأخذ على يده ويعطيه دروسا في معنى حرية الكلمة ومسؤوليتها.
التنمية في أي بلد من العالم لها مقاييس وضوابط، ولا يمكن اختزالها في فكر كاتب غير متخصص يتناول التقدم التنموي لبلده بسطحية وإنكار. وعندما يأتي كاتب يحصرها أو يختزلها في مشروع متعثر أو في حالة إنسانية لم تلقَ العناية، فيدعي أن التنمية بأسرها متوقفة أو متعثرة في البلد، ويثير حالة من الإحباط لدى مسؤولي الدولة والمواطنين، فهو إذن بعيد عن مفهومها ومصطلحها ووظيفتها. الموقع العلمي موسوعة ويكيبيديا على شبكة الإنترنت، وضع تعريفا سريعا وسهلا لجميع القراء عن التنمية فقال: "هي عملية توسيع اختيارات الشعوب والمستهدف بهذا هو أن يتمتع الإنسان بمستوى مرتفع من الدخل وبحياة طويلة وصحية بجانب تنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم. وفي عام 1991 صدر تقرير التنمية الذي أكد فيه أن التنمية البشرية لا تؤدي مهامها دون أن يكون هناك نمو اقتصادي مصاحب وإلا لن يكون هناك تحقيق في تحسن في الأحوال البشرية عموما".
عند الحديث عن التنمية أو قياسها لا بد أن نفهم أن هناك مؤشرات لها في أي بلد يجب أن تكون هي المرجع والمعيار للتقييم ومنها مؤشرات التنمية العالمية التي تشمل مجموعة شاملة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستندة إلى بيانات مستقاة من البنك الدولي ومن أكثر من ثلاثين وكالة من الوكالات الشريكة له وتغطي قاعدة البيانات 209 بلدان. العناوين الرئيسة للمؤشرات التنموية لأي بلد تشمل الأيدي العاملة والحماية الاجتماعية، والبنية التحتية، والبيئة، والتعليم والتنمية الاجتماعية والتنمية الحضرية، والزراعة والتنمية الريفية والسياسة الاقتصادية والديون والصحة والطاقة والتعدين والعلم والتكنولوجيا والفقر والقطاع العام والقطاع المالي والمساواة بين الجنسين والتغير المناخي، وكل مؤشر من هذه المؤشرات الرئيسة يحتوي على عشرات ومئات المؤشرات الفرعية، فلو أخذنا على سبيل المثال الفقر فهناك خط الفقر الوطني، وخط الفقر في المناطق الحضرية وخط الفقر في المناطق الريفية والمؤشر للفقر مقارنة بالقوة الشرائية على المستويين المحلي والعالمي ووفق دخل الفرد بالنسبة لكل نسبة من السكان وفجوات الفقر... إلخ. أي لا يوجد كلام عن فقر عام. أيضا في عند الحديث عن الصحة، هناك معايير عالمية لتقييم الوضع الصحي ابتداء من الوفيات والتحصين وصحة الأم والطفل، والمعدلات العالمية للعدوى والإرضاع وأسرة المستشفيات حتى الصرف على الصحة ومشاريعها له علاقة.
ككاتب رأي أنا دوما مع حرية الكلمة والرأي، لكنني أيضا مع المصداقية والحرفية ومسؤولية هذه الكلمة، إن جلد الذات، والتسبب لبلدنا ووطننا بالأذى والنظرة الدونية عند الآخرين، لم تعد مقبولة أو مبررة. هل توجد مشاريع متعثرة ومشاريع تأخر تسليمها؟ نعم توجد، لكن كم نسبتها مقارنة بما تم إنجازه أو بما يتم العمل على الانتهاء منه حاليا وتأثيره في نسب المؤشرات التنموية. ومن الطبيعي أن توجد مشكلات وعقبات وعثرات، ومن الطبيعي أن يحدث تأخر هنا أو هناك بسبب أو بأسباب عدة، وأيضا من الطبيعي أن يتم النشر عن هذه المشاريع المتعثرة وأن نتساءل عن أسباب توقفها أو تعطل تنفيذها أو تأخر تسلمها عن الوقت المحدد في العقود، لكن من غير الطبيعي كل هذا الهجوم على التنمية في المملكة ومن قلة قليلة من أبنائها، في الوقت الذي تجد مشاريعنا كل حفاوة واهتمام من المنظمات العالمية ومنظمات قياس التنمية والتطور البشري. النقد وسيلة للبناء والتقدم وليس هدفا في حد ذاته يمارس بغرض النقد فقط.