البحرين تطلق مشاريع عقارية وبنكية وتخطط لمرحلة ما بعد النفط
كانت البحرين من أوائل الدول العربية التي تفجرت ثروتها النفطية، ولعلها تكون أيضا من أوائل الدول التي ينفد مخزونها النفطي لكن البحرين نجحت في أن ترسم لنفسها صورة أخرى موازية تعتمد على كونها منطقة اجتذاب للبنوك لاسيما البنوك التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية أضف إلى هذا أن البحرين تسعى لأن تحقق الصناعة فيها فرصا جديدة للعمل خاصة في مجال صهر الألمنيوم.
وبموازاة ذلك, تنال مملكة نصيبها من ازدهار العقارات في دبي, ولا يجتهد سوى تجّار صغار في معرض المنامة العقاري المتسع. ويُقدّر عبد الجليل الأنصاري، أحد كبار رجال الأعمال في البحرين، الحجم الاستثماري للمشاريع في المعرض كافة بنحو ثمانية مليارات دولار. وقد قامت أجزاء جديدة من المدن على لوحة الرسم الإنشائي حيث ترتفع أبراج المستقبل و المباني والمراكز الجديدة إلى عنان السماء .
ويقول أحد العارضين: "إن أصحاب المصالح والمهتمين، يأتون بدافع الأسعار". ويتطلّع العرب من أنحاء دول الخليج كافة إلى ذلك المعرض ويدفعون في البحرين نصف قيمة ما يدفعونه في دبي للحصول على مسكن. ويستثمر البحرينيون والعرب من دول الخليج كافة في سوق العقارات الجديدة. ويشارك رجال الأعمال من السعودية ودبي بقوة و بصورة واضحة وملموسة في هذه السوق الجديدة. ويقول الأنصاري: "بحجم ومجموع هذه المشاريع العديدة، تأخذ البحرين درجات سلّم جديدة في طريقها نحو الارتقاء".
إن المشروع العقاري الخاص الطموح مخطط له أن يصبح ما يشبه مقاطعة اقتصادية جديدة في شمال العاصمة المنامة، وهناك ربط القطاعات المالية في حزمة واحدة. وفي مؤشر على هذا التحرك, شيدت البحرين برجين سامقين يشقان صفحة السماء فقد استفادت من تجربة الإمارات بأن عليها أن تشيد مباني و منشآت مميزة تتخذها لاحقا رمزا من رموز نهضة الدولة. ويمكن القول إن تجربة دبي ترمي بظلالها بوضوح على البحرين المجاورة.
لقد بدأ دور البحرين كمركز مالي للبنوك في العالم العربي مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، ورغم أن البحرين كانت أول دولة عربية يكتشف فيها النفط في عام 1932 إلا أن النفط لم يكن وفيرا.
و كان على البحرين في الآونة الأخيرة أن تنوّع من أشكال النشاطات الاقتصادية بشكل يشبه ما يجري في دبي. ومع نموها المتواصل تحوّلت البحرين بسرعة إلى مركز للخدمات الإنتاجية وبشكل قد يشكل منافسة مع دبي ذاتها وفق ما يقول الأنصاري. وتعتمد البحرين على استقلال وليبرالية تشريعاتها حيث تمضي الأمور في المنامة بصورة أكثر سلاسة مما يجري في دبي.
ولا تبعد البحرين أكثر من 25 كيلومترا على الطرف الثاني من جسر الملك فهد عن السعودية و تنتج يوميا 188 ألف برميل من النفط الخام ،ورغم هذا فإن النفط الخام و الغاز لا يساهمان إلا بنسبة ضئيلة من حجم الناتج المحلي الإجمالي في الدولة. وتأخذ الدولة على محمل الجد الدراسات التي تحذر من نفاد المخزون النفطي للبحرين في غضون أعوام قليلة . وتسهم الخدمات الإنتاجية بنسبة تزيد على 20 في المائة في النشاطات الاجتماعية أكثر من مساهمة قطاع النفط. أما في مدينة المُحرّق, فتوجد منطقة حرّة.
و يفترض أن يوفر قطاع الصناعة اليوم فرصا للعمل لما يقدر بنحو 100 ألف شاب بحريني يتدفقون على سوق العمل.وتلعب الصناعة دوراً كبيراً في هذه الدولة الصغيرة والتي يعيش فيها اليوم نحو 700 ألف نسمة. وتُعتبر ألبا إحدى أكبر وأحدث مراكز صهر الألمنيوم في العالم وتزود مصانع معالجة الألمنيوم على سبيل المثال خليط معادن الإطارات للشركة الألمانية المصنّعة للسيارات. ويعمل في هذه الشركة وحدها نحو 2600 شخص بينما يوظف القطاع نحو 15 ألف يد عاملة. وتحقق مصفاة بابكو المزيد من فرص العمل, ولكن من المفترض أن تفرض صناعة الألمنيوم هيمنتها في المستقبل. "من المتوقّع أن تصبح هذه الصناعة المجال الصناعي الرئيس في الخليج"، حسبما ورد عن هانز أوبرمان، رجل أعمال ألماني، وهو يعيش في البحرين منذ 18 عاماً. وتعمل ألبا مباشرةً على مضاعفة سعاتها، وتتنافس شركة بالحجم نفسه تقريباً تُدعى دوبال مع شركة ألبا، وتقوم شركات صهر جديدة في عُمان، وقطر، وأبو ظبي. "ومن المتوقّع أن تتضاعف حصّة دول الخليج من إنتاج الألمنيوم حول العالم إلى 40 في المائة خلال الأعوام العشرة المقبلة"، حسب توقعات أوبرمان.
ويقدّر أوبرمان عدد المواطنين الألمان الذين يقطنون في البحرين بنحو 400 ألماني.
وإلى جانب الألمنيوم، تبني البحرين منطقتها الصناعية الثانية، قطاع البنوك الإسلامية. وبالطبع هذا له علاقة بالغرب أيضاً، لأن المسلمين يعيشون في أنحاء العالم كافة، ولأن خدمات ( البنوك الإسلامية) تُقدّم على أساس خدمات إضافية لخدمات البنوك التقليدية، حسبما ورد عن خالد حماد، المدير التنفيذي في البنك المركزي البحريني. ويُسجّل في البحرين نحو 375 بنكا ومؤسسة خدمات مالية، منها 35 بنكا يتوافق مع الشريعة الإسلامية. وإضافة إلى هذا، من البحرين تقدّم أهم خمس شركات بنية تحتية خدماتها للمصارف الإسلامية: وكالة أهلية القروض الإسلامية، ومؤسسة البحث، والتي تجمع البيانات عن هذا القطاع، وتقيّمها، ومؤسسة أخرى تطوّر أساليب المالية، وفحص الحسابات، وكذلك مؤسسة تعمل على وسائل البنوك الجديدة.
ويتدفق رأس المال من الدول النفطية كافة إلى البحرين حيث تعمل الكثير من البنوك الإسلامية أكثر من أي منطقة أخرى. وقد ارتفع العدد في المعدل خلال الأعوام الخمسة الماضية 20 إلى 29 في المائة لكل عام. ونشاطها، حسب تقديرات حماد، يساهم مباشرةً بنحو 20 مليار دولار من نشاط 170 مليار دولار في مؤسسات الخدمات المالية المُسجّلة في البحرين كافة. وبدلاً من العمل بالفوائد، يتم العمل بمساهمات الأرباح، وكقواعد أساسية للقروض لا يعترفون سوى بتجارة السلع.
وأكثر من هذا، تقدّم 19 بنكا تقليديا وسائل مثل قروض الصكوك، وتأمين التكافل, وقد بدأ العمل بالأولى، قروض الصكوك، قبل خمسة أعوام. وقد كانت قوة التأمينات هذه كبيرة، لأن حصص التأمين للفرد الواحد وصلت في الغرب 1400 دولار، ولكن في المنطقة نحو أربعة دولارات فقط، كما ورد عن القطاع. وتقدّم اليوم نحو 17 تأمينا مسجلا خدمات التكافل. وينمو حجم حصصها سنوياً نحو 15 إلى 20 في المائة، حسبما ورد عن عبد الرحمن الباقر، المدير التنفيذي في البنك المركزي لمراقبة الـتأمينات. ومن الأمور التي يعتبرها متطابقة مع متطلبات المستقبل إلى حدٍ كبير، هي الوسائل الجديدة بالأخص التي تتعلّق بـتأمين الأسرة.
ويُعتبر البنك المركزي بنكا مرموقا ورفيع المستوى فيما يتعلّق بالعمليات المصرفية على المستوى الدولي، نظراً لحرفيته في هذا المجال. وبصور مثابرة، عززت البحرين منذ فترة السبعينيات مركزها في السوق في مجال البنوك. وتُدير الدولة منذ عام 1976 بنوكا في الخارج، وفي عام 1977 تدير البنوك الاستثمارية، وفي عام 1979 تجارة البنوك الإسلامية. وفي عام 2002، تُدار مراقبة الخدمات الإنتاجية المالية في البنك المركزي الحالي والذي كان يسمى سابقا مؤسسة النقد.
وبالفعل يرى خالد حماد وجود المتنافسين, القليل منهم في دبي، ولكن الكثير من لندن وسنغافورة. وبهدف التقدّم عليهم، يعمل البنك المركزي على الوسائل الجديدة للبنوك الإسلامية، وفي الوقت الراهن، على المقايضات، والاشتقاقات، وعلى صناديق الأجور التقاعدية، والشروط، والتي من المفترض الإيفاء بها للمتاجرة بقروض الصكوك.