900 مليون جنيه استرليني لتطوير شرق لندن
الحكومة البريطانية وعمدة لندن كين ليفينجستون كلاهما لديه نفس الخطط الطموحة. فالألعاب الأولمبية التي ستنظمها بريطانيا في عام 2012 ينبغي أن تساعد في تطوير المنطقة الشرقية من العاصمة لندن، ولاسيما أن المساحات الصناعية البور غير المستفاد منها على امتداد 60 كيلو مترا تقريبا والمناطق السكنية الخربة في أمس الحاجة إلى إعادة التطوير العمراني. وتتحدث الحكومة البريطانية في وصفها للمخطط عن أعظم مشهد في التطوير العمراني لبناء المدن في غرب أوروبا على الإطلاق.
ولكن تطوير مناطق المدينة على ضفاف نهر التايمز الشرقية وبناء المنشآت الرياضية للألعاب الأولمبية هي مشاريع ضخمة جدا لدرجة أن التكاليف ارتقت من الآن إلى سلم الأرقام الفلكية. لهذا السبب فقد يتم إرجاء مشاريع البنية التحتية اللازمة لتطوير تلك المناطق والضواحي، وذلك لأسباب متعلقة بميزانية الدولة. كما أن بناء خط السكة الحديد الجديد ( كروس ريلCrossrail) الذي سيربط ضاحية البنوك (كاناري وورف) مع محطة السكة الحديد النهائية الجديدة الواقعة في الضاحية اللندنية (بادينجتون) لقطار (يورو ستار) الذي يربط بين فرنسا وبريطانيا في قناة تحت بحر المانش - هذا المشروع يجب أن ينتظر حتى فترة الانتهاء من الألعاب الأولمبية في عام 2012.
ومنذ فازت لندن في صيف العام الماضي في سنغافورة على شرف تنظيم مسابقة الألعاب الأولمبية لعام 2012، منذ ذلك الحين وساسة حزب العمال والمعارضة ومجلس بلدية المدينة في نزاع مستمر حول تكاليف الحدث الرياضي. ففي الآونة الأخيرة اضطرت الحكومة البريطانية على مضض للاعتراف بأن تقديراتها المبدئية لمشاريع مهرجان الألعاب الأولمبية والتي بلغت 2.4 مليار جنيه استرليني (ما يعادل 3.6 مليار يورو) كانت قد وضعتها بدرجة أقل من التكلفة الواقعية. وصرّحت وزيرة الثقافة تيسا جوويل بأن المبلغ الموضوع في بادئ الأمر سيزيد الآن على الأقل 900 مليون جنيه استرليني. والسبب هو وجود ثغرات رهيبة في حساب التكلفة تضمنها العرض الذي قدمته الحكومة في سنغافورة. وأضافت الوزيرة أن الحسابات من البداية لم تكن واقعيـة.
من المبلغ الجديد 900 مليون جنيه استرليني ستذهب نحو 500 مليون جنيه لغرض تغطية الزيادة في تكاليف البناء من جرّاء الارتفاع المتواصل في أسعار البناء وأسعار الحديد العالية. بالإضافة إلى ذلك قامت الحكومة بتعديل أسعار النقل والمواصلات والبنية التحتية لتوافق المستوى المتوقع في عام 2012. هذه النقاط لم تكن مشمولة في مخطط تنظيم الألعاب الأولمبية. وعلاوة على ذلك يجب، حسب معلومات أفادت بها الحكومة البريطانية، مضاعفة شدة الإجراءات الأمنية، الأمر الذي لم يكن في الحسبان لحظة المنافسة على نيل حق تنظيم الألعاب الأولمبية قبل اعتداءات لندن في السابع من يوليو عام 2005.
الأمر المحير والذي يثير تساؤلات الشارع اللندني بدهشة هو أن التكاليف المزعومة ستزيد 400 مليون جنيه استرليني فقط لأن الحكومة استعانت بائتلاف من خبراء تطوير المشاريع (سي إل إم CLM) من أجل الإشراف على إنهاء المشروع الأولمبي في الوقت المحدد، ومن أجل أن تضمن الرقابة الصارمة على التكاليف.
ولا يخلو الأمر من العوائق رغم كل الحسابات والاحتياطات الماليـة، فمدينة الضباب( لندن ) اضطرت أخيرا إلى أن تتلقى أولى الضربات: فقد استقال من منصبه مقاول البناء العملاق الأمريكي جاك ليمي الذي كان عليه مهمة الإشراف على مشروع مهرجان الألعاب الأولمبية كرئيس لسلطة التسليم الأولمبية ( أوليمبيك ديليفيري أوثوريتي) وانتقد من الولايات المتحدة الأمريكية الطرق البريطانية قائلاً "لقد أتيت إلى لندن لكي أبني شيئا ما، وليس لأقضي وقتي جالسا أتبادل الأحاديث و الجدل" وردا على هذا التصرف، قال عمدة لندن إنه ربما كان ليمي ذو السبعين عاما لم يكن الاختيار المناسب لهذا الموقع".
وليس فقط وزير المالية لوحده من يراقب انفجار التكاليف إلى هذا الحد بعيون قلقة ومضطربة، بل أيضا سكان مدينة لندن، فمن المتوقع أن يتكبدوا هم حمل جزء كبير من العبء الواقع. فمن مبلغ 2.5 مليار جنيه المخطط من البداية يجب على (هيئة تطوير لندن) أن تسهم بـمبلغ 250 مليون جنيه. كما سيتم تأمين مبلغ 1.5 مليار جنيه استرليني من أرباح اليانصيب الوطني كتمويل للألعاب الأولمبية. وأما الباقي والبالغ 625 مليون جنيه استرليني فيجب أن تتحمله العائلات في لندن من خلال رفع الضرائب المحلية، المسماة بضرائب البلدية ، وبهذا سيتوجّب من الآن على عائلة تتكون من أربعة أفراد، الوالدين وطفلين، أن تدبّر لهذه الضريبة الزائدة مبلغا يتراوح ما بين 150 إلى 200 جنيه تدفعه شهريـا.
ولكن تبقى التساؤلات التي تبحث عن جواب حول كيفية تغطية تلك التكاليف الإضافية بقيمة 900 مليون جنيه والتي انكشفت فجأة. لكن وزيرة الثقافة تيسا جوويل ذكّرت أن هناك اتفاقا مبدئيا مع وزارة المالية يقضي بتغطية أي تكاليف إضافية من خلال إيرادات اليانصيب الوطني وضرائب البلدية المحلية.
وعلى الرغم من أن تكاليف تنظيم الألعاب الأولمبية خرجت عن سيطرة المدينة المنظمة وإشرافها المسؤول، والمواطنون في لندن بدؤوا يغضبون من جراء الارتفاع المترقب لضرائب البلدية، إلا أن مسألة تطوير شرق العاصمة البريطانية عمرانيا تظل مسألة حساسة لا جدال فيهـا. فمباني البنوك الزجاجية الضخمة اللامعة في ضاحية كاناري وورف وذلك المطار الصغير في شرق المدينة، تصرف نظر المتأمل عن تلك المساحات الشاسعة الواقعة مباشرة خلف كاناري وورف والتي أُهملت لسنين طويلة مقارنة بالجهات القطبية الثلاث الأخرى للندن. فمناطق غرب لندن كانت دائما ومازالت تستفيد من المركز الاقتصادي الضخم لمطار هيثرو بينما يستفيد الجنوب من أموال المدينة التي تُستثمر في مصايف نهاية الأسبوع الممتدة حتى الشواطئ الجنوبية و مناطق الشمال فتنعم برغد القرب من جامعتي أوكسفورد وكامبردج. أما بالنسبة للجهة الشرقية فهي تشمل مناطق الموانئ القديمة على طول نهر التايمز، ومستودعات مهجورة وأحياء تسكنها أعلى نسبة من الأقليات في لندن وهي تتبع مشروعا أطلقته الحكومة البريطانية تحت اسم ( لوور لي فالي).
من ناحية أخرى يعتبر هذا المشروع جزءا من المشروع التنموي المسمى "بوابة التايمز" والذي تسعى الحكومة البريطانية من خلاله إلى استغلال النهضة الاقتصادية التي ستحدثها الألعاب الأولمبية من أجل تطوير جميع الجهة الشرقية من لندن. ويهدف المشروع إلى بناء 160 ألف منزل وشقة جديدة خلال الأعوام العشرة المقبلة في هذه المنطقة - سيكون منها 35 في المائة مساكن تملكها البلدية وتخصص للفقراء على أن تكون هذه المساكن الجديدة على درجة من الجودة أعلى من وضع تلك المباني والمساكن التي بنيت في السابق بسرعة وبصورة سيئة.
وتعتّز الحكومة البريطانية بمشروعها، فهي لا تعتزم بناء شقق سكنية فخمة وغالية تطل على نهر التايمز بالقرب من كاناري وورف فحسب ، بل إنها تريد تطوير المنطقة الخلفية النائية بأكملهـا. كما يخطط المشروع كذلك إلى توفير 180 ألف وظيفة جديدة في هذه المنطقة. ففي ضاحية البنوك كاناري وورف وحدها، حيث يعمل حاليا ما يقارب 85 ألف رجل مصرفي، سيزداد عدد العاملين خلال الأعوام العشرة المقبلة إلى الضعف.