هل الفقراء أكثر سعادة؟

هل يمكن للفقراء أن يكونوا أكثر سعادة من الأغنياء؟ هذا السؤال الذي طرحه بحث حول السعادة أجري في أكثر من دولة أوروبية قد يغضب البعض الذين يرون فيه محاولة لتجميل الفقر والتخفيف من غضب الفقراء لظروفهم الاجتماعية غير السوية والمتدنية، الشيء الذي يعني اتجاهاً نحو إدخال الشعور بالرضا داخل نفوس الفقراء السعداء، وأنهم أفضل وأكثر سعادة من أولئك الأثرياء المتوحشين الذين لا يتمتعون بالقدر نفسه من السعادة الذي يتمتع به الفقراء.
صحيح أن الناس يبحثون جميعاً عن السعادة بغض النظر عن المستويين المادي والاجتماعي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من هو السعيد في هذه الحياة؟ إن السعادة شيء نسبي لا يتحدد بمعايير ثابتة، فما يسعد إنساناً قد يصيب آخر بالحزن. ورغم الاختلاف بين كل إنسان وآخر إلا أن هناك شيئاً ثابتاً لابد من وجوده حتى يشعر الإنسان بالسعادة، هذا الشيء هو الشعور بالرضا والقناعة الداخلية بحياته وشخصيته ومستوييه الاجتماعي والمادي.
يرتبط الشعور بالرضا بالثقة بالنفس التي تمنح الإنسان ذلك الشعور بالقناعة وبالامتلاء، وعندما يفتقد الإنسان ثقته بنفسه فإنه يتحاشى الاختلاط بالناس باحثاً عن العزلة التي تصيبه بالاكتئاب وعدم الرغبة في الاندماج مع الآخرين وعلى العكس من ذلك تعطي الثقة بالنفس الإنسان الرغبة في التعامل مع الآخرين، وتمنحه كذلك الشعور بالرضا عمّن حوله، لكن ذلك لا يعني أبداً أن حالة الإنسان المادية لا أهمية لها، فهي بالطبع تمثل عاملاً مساعداً لتحقيق حالة الرضا التي تمنحه الشعور بالسعادة. وهناك مَن يرى السعادة في الرفاهية والإنفاق والبذخ أو مَن يراها في الترحال إلى بلاد الدنيا الواسعة. إن أوجه تحقيق السعادة كثيرة، ولكن يظل الرضا والشعور بها القاسم المشترك الأعظم بينها جميعاً.
في إحدى الدراسات التي أجريت حول السعادة في 65 دولة تبين أن أكثر الناس سعادة في العالم هم سكان "نيجيريا"، على الرغم من حالة التوتر والنزاعات والفقر في تلك الدولة، وقد أدهشت هذه النتيجة الباحثين وطرحت في الوقت نفسه الكثير من التساؤلات: كيف يمكن أن تحتل دولة مثل "نيجيريا" المركز الأول في هذه الدراسة، في حين أن دولة مثل "الولايات المتحدة الأمريكية" التي هي أغنى دولة في العالم تمثل المركز السادس عشر في القائمة؟
يرى علماء الاجتماع أن السعادة لها صلة وثيقة بالصحة الشخصية والنفسية ومستوى الدخل، من ناحية أخرى يؤكد علماء الاجتماع أن ذلك لا يعني أن الذين يفتقدون هذه المقومات ليسوا سعداء، موضحين أن السعادة الحقيقية تكمن في الشعور بالرضا الداخلي، وأنه ليس من المهم أن يكون الشخص غنياً غنى فاحشاً حتى يشعر بالسعادة، وإنما المهم ألا يحتاج المرء إلى الآخرين، وأن يستطيع تلبية احتياجاته في الحدود المعقولة، وأنه من الممكن أن يكون الغنى والثراء مصدراً من مصادر فقدان السعادة.
إن السعادة الحقيقية هي الرضا الداخلي الذي يمنح الإنسان السكينة لكي يمارس الحياة برغبة حقيقية وفرح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي