الجمعيات التعاونية.. الخطوة ناقصة

لست ممن يتشاءم من أي خطوة إيجابية ولو كانت صغيرة. فالمتشائمون يدفعوننا دفعاً للخلف والوقوف عند حالة من السكون المطلق، وما ''حافز'' و''نطاقات'' و''أبشر'' و''ساهر'' وغيرها عنا ببعيد، لذا سأحاول أن أكون موضوعياً في مشروع وزارة التجارة والصناعة المقبل، بتوجيه الدعم الحكومي للسلع الأساسية وبيعها عن طريق الجمعيات التعاونية. الكل قالها، ومعهم حق، إنها خطوة تأخرت كثيراً، غير أن المهم أنها أتت بعد طول انتظار لتصرف في أبوابها الصحيحة. لماذا خطوة الجمعيات التعاونية ناقصة؟ لأن الاقتصاد السعودي في حاجة إلى توسيع نطاق هذا التوجه ليكون برنامجاً حكومياً متكاملاً يوجه الدعم لمستحقيه، فلا يكفي أن تبادر وزارة التجارة والصناعة لوحدها وتفعلها، بل الصحيح أن تكون ضمن استراتيجية حكومية شاملة تشرك فيها قطاعين رئيسين آخرين يعانيان المشكلة نفسها، وهما الكهرباء والطاقة، فالحكومة تعترف بأن الدعم في أغلبيته يذهب لغير مستحقيه، والتقارير الدولية تتوالى في التحذير من خطورة استمرار الدعم في صورته الحالية، ومع ذلك لا يزال الهدر مستمراً إلى ما شاء الله. عملياً، الحكومة السعودية في مأمن من الدخول في تطبيق الكروت الذكية التي تطبقها دول عدة في العالم، باعتبار أن هذه الوسيلة أثبتت عدم فعاليتها، وتطبيقها لا يخلو من صعوبات تعرقل تنفيذها بنجاح، أما الحل الأفضل والأكثر فعالية، فهو فتح حسابات بنكية للمستحقين وتخصيص مبالغ نقدية محددة شهرياً، تحول إليها كل أشكال الدعم للمواطنين، بعيداً عن التعامل المباشر بين المواطن والدولة، على أن يتم وبالتدريج تحرير الأسعار شيئاً فشيئاً لتتوافق مع الأسعار الدولية. متى ما تمكنت الحكومة من تطبيق الدعم الذكي، فإنها ستجد نفسها أمام جملة من المتغيرات الإيجابية التي ستنعكس على الاقتصاد الوطني، فهي من جهة، ستوقف هدر الطاقة وتضمن استمراره للأجيال القادمة، ومن جهة أخرى، سترفع دخل مواطنيها من ذوي الطبقة الفقيرة بتوجيه الفائض من الدعم لهم، ناهيك عن أنها ستوجه رسالة للعالم بأنها قادرة على ضبط استهلاكها الداخلي وعدم تأثيره على الدور السعودي القوي في استقرار سوق النفط وتوفير الإمدادات، وهو ما تسعى بعض الجهات الدولية إلى النفاذ من خلاله. 163 مليار ريال توجهها الحكومة سنوياً لدعم الكهرباء والوقود، فإذا أضفنا لها ما يقدم من دعم للمواد الغذائية الأساسية، وهو في حدود الخمسة مليارات ، فهذا يعني أن هناك هدراً بالغ الضرر على الاقتصاد السعودي عاماً بعد آخر، وفي أسوأ الأحوال فإن 30 في المائة فقط هم المستحقون الفعليون من الدعم المباشر وغير المباشر، أي أننا نتحدث عن هدر يصل إلى ما يفوق 120 مليارا سنويا تقريباً، وهو رقم ضخم، من المؤكد أن تقنينه سيكون إحدى الوسائل الفعالة في تعزيز الطبقة الوسطى في المجتمع بأقل الخسائر وأقصر الطرق. ما أكثر البرامج والمشاريع في بلادنا، لكن تأثيرها لا يبدو واضحاً.. لماذا؟ لأنها لا ترتبط ببرنامج حكومي متكامل، بقدر ما هي مبادرات هنا وهناك. إذا لم تكن كل برامجنا حزمة من استراتيجية حكومية شاملة، فستكون الاستفادة منها في حدها الأدنى، لا الحكومة راضية عنها، ولا المواطن أيضاً. التكامل بين وزارات الدولة هو الطريق الوحيد لرؤية الأهداف تتحقق على الأرض، وهذا هو دور وزارة الاقتصاد والتخطيط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي