جلسة مصارحة مع هيئة السوق المالية (2 من 2)
<a href="mailto:[email protected]">mjadeed@hotmail.com</a>
تجزئة الأسهم، إلغاء دوام يوم الخميس، توحيد فترتي التداول، تطوير معادلة احتساب المؤشر، تعديل الإجازة الأسبوعية، تقسيم السوق إلى أولية وثانوية، إدراج أوراق مالية جديدة، التحول إلى سوق مالية متكاملة. جميعها قرارات، صدرت أو جار دراسة جدوى إصدارها من قبل هيئة السوق المالية، تهدف في مجملها إلى تنمية واستدامة السوق المالية.
انعكاسات هذه القرارات على منظومة السوق المالية وجميع مكوناتها من مستثمرين، متعاملين، وسطاء، و شركات مدرجة، هو محور الفترة الثانية من جلسة المصارحة مع هيئة السوق المالية.
وركزت الفترة الأولى على محور نظري من خلال قراءة مختصرة لدراسة حديثة حول كفاءة هيئة السوق المالية في أداء دورها المتمثل في تنمية واستدامة السوق المالية في 32 دولة متقدمة وناشئة.
أحد أهم المآخذ على هذه الدراسة أنها أجريت من منظور الأسواق المالية الأمريكية، ومدى تجاوب كل سوق مالية في الدول الـ 32 مع نمو واستدامة الأسواق المالية الأمريكية. بمعنى آخر، أنه لو أجريت الدراسة من منظور ياباني، على سبيل المثال، فإن النتائج ستتباين بتباين طبيعة علاقة الاقتصاد السياسي للدول الـ 32 مع الاقتصاد السياسي الياباني. وبالمثل، لو أجريت الدراسة من منظور السوق السعودية، أعتقد أن الأسواق المالية في أبو ظبي، دبي، و المنامة، سوف تتنافس على المراكز الثلاثة الأولى.
وعلى الرغم من هذا المأخذ، إلا أن النتيجتين الرئيستين للدراسة ستسهمان في معرفة موقع الهيئة من قائمة الكفاءة المذكورة في الدراسة أعلاه. وتقودنا هذه المعرفة إلى مراجعة مختصرة، وشمولية لكفاءة الهيئة في تنمية، واستدامة السوق المالية منذ نشأتها في 2003، وحتى اليوم.
لدي بعض التحفظات على تقييم كفاءة الهيئة لقناعتين. الأولى ضرورة تكافؤ المُقيّم و المَقيّم، والثانية استحالة التقييم بمجرد دراسة منفردة، ناهيك عن مقال. ولكنني مقتنع، أولاً، بضرورة تقييم أداء الماضي بين حين وآخر كأداة فاعلة لتقويم أداء المستقبل. وثانياً، بإمكانية وضع اللمسات الأولية نحو تقييم الأداء، تمهيدا لمبادرة الباحثين المختصين الراغبين في إكمال مهمة التقييم للإسهام في توفير المناخ الاستثماري الملائم للاستثمار في السوق المالية.
سأستخدم، بناء على هذه القناعات، تطور المعدل ربع السنوي لمستوى العمق المالي للسوق، كأحد معايير قياس مستوى السيولة المتوافرة، منذ الربع الأول من 2003، و حتى الربع الثاني من 2006.
وهنا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة أمور. الأمر الأول، نسبة الأسهم المتداولة إلى الأسهم المدرجة. أشار تقرير الزغيبي والقباني للاستشارات المالية، "دليل المساهم"، إلى أن نسبة الأسهم المتداولة في الوقت الراهن لا تتعدى نسبة 15 في المائة من الأسهم المدرجة. وفي المقابل، تشير تقارير "تداول" إلى أن عدد المتداولين نما من أقل من نصف المليون قبل عام 2003 إلى قرابة الثلاثة ملايين العام الجاري. بالنظر إلى هذه الأرقام فإنه من الطبيعي أن ينمو مستوى العمق المالي للسوق بنسب عالية جدا. والأمر الثاني، أن معيار قياس مستوى العمق المالي بدأ منذ بداية الأشهر التسعة التي سبقت إنشاء الهيئة بهدف مشاهدة تأثير إنشاء الهيئة في السوق المالية. والأمر الثالث، الزيادة الكبيرة لعدد الشركات المدرجة منذ إنشاء الهيئة إلى اليوم.
وساترك للقارئ الفاضل مهمة ربط توقيت إصدار اللوائح، والقواعد، والتعليمات المختلفة التي أصدرتها الهيئة منذ نشأتها وحتى اليوم بنمو مستوى العمق المالي للسوق خلال الفترة نفسها.
بمعالجة بيانات حركة تداول الأسهم خلال الفترة أعلاه من واقع تقارير "تداول" الدورية، نلاحظ ملاحظتين: الملاحظة الأولى، أن مستوى العمق المالي سجل اتجاها تصاعديا خلال الفترة أعلاه, حيث بدأ من مستوى 12 في المائة، نهاية تداولات الربع الأول من 2003، و انتهى إلى مستوى 82 في المائة، نهاية تداولات الربع الثالث من 2006.
و الملاحظة الثانية، أن نمو مستوى العمق المالي لم يكن مستديماً طيلة الفترة، ولكن واجهته بعض التحديات مما أجبرته على التباين والدخول في عدة موجات. حيث سجل أقل مستوياته خلال الربع الأول من 2003 عند 12 في المائة، فالربع الرابع من 2003 عند 25 في المائة، ثم الربع الأول من 2005 عند 33 في المائة. وسجل أفضل مستوياته خلال الربع الثالث من 2006 عند 82 في المائة، فالربع الأول من 2006 عند 71 في المائة، ثم الربع الثاني من 2004 عند 70 في المائة.
نخلص من هذه النتيجة إلى تباين استجابة العمق المالي للسوق للوائح، وقواعد، وتعليمات الهيئة خلال الفترة السابقة مما يدعم إيجابيا أحد معايير قياس الكفاءة في الدراسة أعلاه. ولكن، ليس كل هذا ما في الأمر. فهناك معايير أخرى كمستوى الشفافية وتسرب المعلومات الداخلية للشركات المدرجة يجب التوكيد على أهمية الأخذ بها سعيا في تطوير كفاءة الهيئة والسوق المالية، بشكل خاص، والمناخ الاستثماري السعودي، بشكل عام.
ونخلص أيضا من نتيجة المحورين، النظري والتطبيقي، لجلسة المصارحة مع هيئة السوق المالية إلى أهمية مراعاة أربعة عوامل عند إصدار لوائح، وقواعد، وتعليمات جديدة.
العامل الأول، أهمية الموائمة بين اللوائح، والقواعد، والتعليمات الجديدة والقائمة. من الأمثلة على ذلك الموائمة بين قراري تعديل فترة التداول وتجزئة الأسهم، وانعكاسات كلا القرارين على طبيعة قاعدة المتعاملين.
والعامل الثاني، أهمية الموائمة بين اللوائح، والقواعد، والتعليمات الجديدة والأهداف الاقتصادية لجميع أعضاء السوق المالية سواء كانوا شركات مدرجة، أو وسطاء ماليين، أو متعاملين. خير مثال على ذلك تباين انعكاسات تعديل فترة التداول على قاعدة المتعاملين بين سلبية وإيجابية، ومدى تأثر جاذبية السوق المالية بهذه الانعكاسات.
العامل الثالث، أهمية وضع بنود نظام السوق المالية وأهدافه ومصادره نصب العين عند إصدار لوائح، وقواعد، وتعليمات جديدة. على سبيل المثال، يهدف قرار تقسيم السوق المالية إلى أولية وثانوية إلى تحقيق أقصى درجات التوافق بين قنوات تمويل الشركات المدرجة، وقنوات استثمارات المتعاملين، من خلال تنويع الأوراق المالية المتداولة.
والعامل الرابع، أهمية الموائمة بين اللوائح الجديدة وبين ما تصدره هيئة السوق المالية في الأسواق المالية الإقليمية. من الأمثلة على ذلك قرار السماح للشركات بشراء أسهمها في سوق دبي المالية، وقرار إنشاء سوق مالية في دمشق، و انعكاسات كلا القرارين على الحد من التذبذب السعري لأسعار الأسهم المدرجة، محليا، و توسّع منظومة السوق المالية السعودية، إقليميا.
يلوح في أفق المناخ الاستثماري السعودي العديد من الفرص والتحديات. وتسهم جلسات المصارحة بين فترة وأخرى ليس في إخراج مكنونات النفس وتخفيف تراكماتها، وإنما في مراجعة الإنجازات وتقريب وجهات النظر اغتناما للفرص وتفاديا للتحديات، بكل صراحة، وشفافية، مع الحرص على عدم ترك أي من الشوائب النفسية بعد انفضاض الجلسة وانصراف المتصارحين عن طاولة المصارحة.
أنفضت الجلسة الآن، وبدأ المتصارحون لملمة أوراقهم تمهيدا للانصراف بعد تدوين موعد آخر لجلسة مصارحة مشابهة في العام المقبل، وإصدار العديد من القرارات الجذرية، بإذن الله.