عظات وعبر من أمثلة مأساوية للفشل

عظات وعبر من أمثلة مأساوية للفشل

النجاح ملهم، لكن قد يكون هناك الكثير كي نتعلمه من الإخفاق التام، ومن كيفية تعامل البلدان، أو المنظمات الناجحة مع أسوأ أخطائها.
عندما قتل أندريس بريفيك 71 شخصاً في حادثي تفجير وإطلاق رصاص خلال مذبحة الصيف الماضي، لم تكن الصدمة في بشاعة الجريمة فحسب، بل كانت في وقوعها في النرويج المسالمة الثرية، التي ينظر إليها غالباً على أنها واحدة من أنجح المجتمعات في العالم. فإذا لم تكن النرويج قادرة على ردع مثل هذه المأساة، فأي أمل لدى غيرها؟
لكن يوم الإثنين الماضي تعلمت النرويج أنه كان بإمكانها إيقافها. فقد ذكرت "لجنة 22 يوليو" التي تولت التحقيق في استعدادات السلطات واستجابتها للهجوم، في تقريرها أنه كان بالإمكان التنبؤ بالحادث وتفاديه، أو تقليل آثاره إلى أقل حد. فقد كان حادث تفجير مقار الحكومة في أوسلو متوقعاً منذ وقت مبكر يرجع إلى عام 2004، عندما تنبأت دراسة سرية بدقة غريبة بآثار تفجير قنبلة في المكان ذاته الذي ترك فيه بريفيك سيارته بحمولتها القاتلة. وبعد سبع سنوات من ذلك التاريخ صدر قرار بغلق الشارع أمام المرور ولم يتم تنفيذه.
وبينما فاقت مذبحة جزيرة أوتويا كل خيال، فإن اللجنة دحضت ادعاء الشرطة أنها فعلت كل ما بوسعها. فقد أبلغ شاهد عن رقم لوحة السيارة التي استخدمها بريفيك في الهرب مباشرة بعد وقوع الانفجار، إلا أنه لم يتم استيقافه من عديد من سيارات الدورية التي مرّ بها. وتقع أوتويا على بُعد 600 متر من الشاطئ حيث تتوافر القوارب، لكن الشرطة استغرقت نصف ساعة لتصل إليها. وجدت اللجنة أنه كان بإمكانها الوصول مبكراً بنحو 25 دقيقة، وهو الوقت الذي كان كافياً ليطلق بريفيك النار على أكثر من 20 صبياً.
لقد بلغ الإخفاق مستوى مأساوياً، إلا أنه أثار السؤال نفسه حول فشل بعض المنظمات ذات النتائج المميتة الأقل، وهو ما يحدث طوال الوقت، بداية من عجز شركة G4S حتى اللحظة الأخيرة عن توفير الأمن خلال أولمبياد لندن حتى تزوير أسعار الفائدة في بنك باركليز وتلاعب بنك ستاندر تشارتر في لوائح العقوبات الأمريكية على إيران. والسؤال هو: هل نلوم النظام أم الأشخاص؟
هناك أسباب جيدة للتركيز على النظام، فالأفراد يتصرفون بصور مختلفة، إلا أن الهيكل التنظيمي الذي يجمعهم هو الذي يحدد المعلومات والموارد المتاحة لهم، والأمر المهم هو كيف يشعرون بالسلوك المنتظر منهم. إن نظريات "التفاحة الفاسدة" وضعت لتتجاهل هذا الأمر، فهي تحمي قادة المنظمات، وهو ما يذكرنا بالمحاولة غير الناجحة التي قام بها بوب دياموند حين تباهى بالثقافة الجيدة لبنك باركليز، مصوراً تزوير أسعار الليبور على أنه عمل صادر من بعض الأفراد الضالين.
ومما لا شك فيه أن بعض أعضاء قوات الشرطة في النرويج أخفقوا في أداء مسؤولياتهم. لكن نظراً لأن النظام معيب، حتى أفضل الخيارات سينتهي إلى الفشل خلال وقت قصير. إن حادثة 22 تموز (يوليو) إنما هي قصة "موارد لم تجد مَن يستخدمها"، وفقاً لما قالته اللجنة. إن التركيز على الأخطاء الفردية أشبه بانتزاع الخشب من الأشجار، فالنتيجة على المدى القصير قد تكون الرضا بوجود كبش فداء، إلا أن هذا سيكون على حساب الإصلاحات اللازمة لإيقاف تكرار الأخطاء نفسها. ومنذ صدور التقرير تركزت تعويذة النرويج على تحسين الأنظمة لا توجيه الاتهامات.
إلا أن التركيز الحصري على مواضع الخلل في جهاز ما يخلق أيضا بعض البقع المبهمة، لأن الأجهزة والمؤسسات تتكون من بشر لا من آلات. ومما لاشك فيه أن التفسيرات النظامية لتلاشي قوات شركة G4S لم تطرح بتركيز إلا بعد فوات الأوان (حتى أتى الجيش للقيام بعملية الإنقاذ). لكن هناك بعض الناس المسؤولين عن توضيح وحل هذه المشاكل التنظيمية، وإلا فمن واجب أولئك الذين على القمة أن يضعوا شخصاً ليضطلع بهذا الأمر.
لذا، في النرويج أيضاً، إخفاقات التنظيم التي ظهرت في تقرير اللجنة كانت معلومة لدى أعلى المستويات الحكومية. والأمر المأساوي هو أن رئيس الوزراء المنتخب عن حزب العمال، الذي يشغل منصبه منذ عام 2005، مسؤول عن عجز الدولة عن حماية شباب حزب العمال من هذه المجزرة. وحتى الآن لا ينادي بإقالته سوى صحيفة واحدة.
ويعكس هذا خصوصية الحساسية النرويجية المفرطة تجاه الحكم على شخصية المرء. إلا أن القيادة أمر يرتبط بالشخصية، وبأن يكون لديك "الرغبة والقدرة على تنفيذ ما تم تقريره (فكريا)"، وهو ما قالت اللجنة إنه مفقود في النرويج. إن الثقافة المؤسسية هي الشخصية القيادية التي ترسم الصورة الأكبر، والنظم هي ما نوجده نحن.
هل نلقي باللائمة على الأفراد أم الأنظمة؟ الإجابة الأكيدة هي: كلاهما. وتتجنب النرويج، وهي محقة في ذلك، البحث عن كبش فداء. إلا أن الأنظمة لم تتطور بحيث لا يمكن للأفراد أن يعترضوا عليها. وعندما يفشل النظام، لن يغني القول إن الجميع قاموا بأفضل ما يمكنهم – على الأقل القادة منهم.