هيكل وثورات «تسليم المفتاح»
لو قالها أحد قبل عام من الآن، لربما اتهم بالخيانة والعمالة للغرب، أما أن يقولها ''الأستاذ'' فإنها ولا ريب، وإن كانت صادمة للكثيرين، فإنها تمر مرور الكرام، فالتحليلات السياسية في الحالة العربية لا تبنى بما تحتوي، بل بمن قالها وكيفية قراءتها.. هكذا تحولت قواعد اللعبة في العالم العربي .. مع الأسف. عندما تخرج شخصية كمحمد حسنين هيكل ''ليسحب'' كل كلامه السابق ونظرياته، التي كانت قناة ''الجزيرة'' مسرحاً لمعظمها، ويؤكد أن ما تعيشه الدول العربية ''ليس ربيعاً عربياً''، بل هو ''سايس بيكو جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده''، فإننا لا نملك إلا أن نُصاب بالدهشة. فإذا أضاف، بحسب حواره مع صحيفة ''الأهرام''، أن الثورات ''لا تصنع، ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعلا لا يتم بطريقة تسليم المفتاح''، نضرب رأسنا أكثر من مرة لنتيقن أن مَن يقول هذا الكلام ليس كاتباً من ''الملكيات الخليجية''، التي توقع ''الأستاذ'' أن تصلها رياح التغيير سريعاً. المفاجأة الصادمة هنا أن هيكل لم يجرد ما يسمّى الربيع العربي من أزهاره التي تباهى بها أتباعه المنتشرون من المحيط للخليج فحسب، لكنه خوّن كل من ثار في مصر وتونس وليبيا واليمن.. وطبعاً سورية. أليس ''الربيع العربي'' ما هو إلا مؤامرة غربية؟ بمعنى مقاولة قام بها الغرب وكان مواطنو الدول العربية هم أدوات هذه المقاولة. عجباً من هيكل، فهو من جهة يرى أن رياح التغيير التي تهب على العالم العربي فيما يُعرف بـ ''الربيع العربي'' ستصل للسعودية، لكنه يعتبر الثورات التي تمت ضد أنظمة جمهورية عانى مواطنوها طويلاً موجهة من الخارج، أو كما سمّاها ''تسليم مفتاح''. السعودية ذاتها التي نظّر هيكل عن التغيير فيها يوماً ما ''أنا مش عاوز حاجة متسرعة.. أنا عاوز حاجة عاجلة''. سلام سلام أيها الأستاذ الذي تريد ولا تريد وكأنك ملكت العالم العربي من الخليج للمحيط! يبدو أن ما يسمّى الربيع العربي انحرف عن مساره الذي كان هيكل أكثر المتحمسين له، فلم نسمع هذا التغيير تحت شعارات القومية وغيرها إلا بعد أن اقترب النظام السوري من السقوط، أما قبل ذلك فإن التبشير بتوسع دائرة الربيع كان يأتي في دائرة المحتوم، أما الآن فأصبح ما يحدث في الدول العربية ليس ربيعاً بقدر ما هو ''مشروع قومي يتهاوى''، وأن دول الغرب تقوم على مشروع لتقسيم العالم العربي في نسخة محدثة من ''سايس بيكو''. في أحد تحليلات هيكل عن الربيع العربي على شاشة ''الجزيرة''، التي يُقال إنها استغنت عن خدماته بعد تصريحاته الأخيرة، يسرد كيف كان له الدور الكبير في عروبة البحرين إبّان مطالبة شاه إيران الراحل بالبلد الخليجي، ويمضي بعيداً للقول إنه و''بشكل شخصي'' ساهم في إقناع شاه إيران بضرورة أن تبقى البحرين بلداً عربياً ''فأصبحت بلداً عربيا''.. هكذا فعلها هيكل بكل سهولة .. تخيلوا! مات عبد الناصر الذي دائماً يتحدث هيكل باسمه، ومات الشاه الذي أقنعه ''الأستاذ'' بعروبة البحرين، الكل رحل إلا أوهام الأستاذ لم تمت ولا تزال حاضرة.