51 مليارا خسائر المضاربين على أسهم قطاع التأمين
يعيش المضاربون في السوق المالية السعودية TASI بين متعة المضاربة التي تستفيد منها نسبة قليلة من المضاربين المحترفين، وبين الخسارة التي يتعلق بها المضاربون الهواة.
وفي السوق المالية السعودية يعد قطاع التأمين سيد المضاربة، والأكثر استحواذاً على قيمة التداولات والأسهم المتداولة فيها، كما أن له النصيب الأكبر من نسبة المتعلقين بالأسهم في السوق السعودية.
وتقدر الأسهم المصدرة في قطاع التأمين بـ 893.166 مليون سهم، الأسهم الحرة منها تصل إلى 462.5 مليون سهم، ومع ذلك تصل تداولات أسهم القطاع إلى أكثر من 290 مليون سهم أسبوعياً وبقيمة تداولات تتجاوز 1.9 مليار ريال في الأسبوع الواحد، أما خسارة المضاربين والمتعلقين بأسهم قطاع التأمين فتصل إلى 51.6 مليار ريال، مقارنة بمعدل أعلى قيمة سوقية وصلت إليها أسهم القطاع نتيجة المضاربة والتي تقدر بـ 108.14 ريال، بينما يقدر معدل القيمة السوقية لأسهم التأمين حسب إغلاق الأربعاء الماضي الأول من آب (أغسطس) بـ 50.33 ريال، أي أن معدل الخسارة يصل 57.8 ريال للسهم الواحد في قطاع التأمين عند مقارنة معدل القيمة السوقية الأعلى لأسهم القطاع ومعدل آخر سعر إغلاق لها.
وتتجه نحو قطاع التأمين، في الغالب، السيولة التي تستهوي المخاطرة العالية بحثاً عن العوائد المرتفعة دون حساب لأية خسارة محتملة، وتتجاهل العلاقة الطردية بين العائد والمخاطرة التي ترتفع في الاستثمار المالي بشكل خاص.
#2#
وعلى الرغم من خسارة المضاربين في قطاع التأمين لأكثر من 51.6 مليار ريال، إلا أن القطاع لا يزال من أسوأ قطاعات السوق المالية السعودية من حيث البيئة الاستثمارية، حيث يحتوي القطاع على 33 شركة، منها 11 شركة لا تزال محافظة على رأسمالها، بينما أظهرت القيمة الدفترية لـ 22 شركة تأمين تآكلا في رأسمالها.
وعلى مستوى الأرباح حققت 12 شركة تأمين خسارة في النصف الأول من العام الجاري، تمثل نصف الشركات الخاسرة في السوق المالية السعودية والتي تصل إلى 27 شركة خاسرة حسب إعلانات الأرباح للنصف الأول من عام 2012، بينما لا يتجاوز معدل أرباح شركات القطاع 72 هللة في السهم الواحد.
كما أن أسهم قطاع التأمين تعد من أكثر الأسهم مبالغة في قيمتها السوقية، حيث يصل مكرر الربحية في بعض الشركات إلى مستويات قياسية كسهم "الاتحاد التجاري" الذي يبلغ مكرر ربحيته 1.718 ريال و"أليانز الفرنسية" التي يصل مكرر ربحها إلى 109 ريالات، فضلاَ عن الشركات الخاسرة التي تعطي مكررات ربحية سالبة.
ويشجع على المضاربة في قطاع التأمين غياب الوعي الاستثماري، ورغبة بعض المتداولين الحصول على الربح السريع والعالي من خلال الفرق في القيمة السوقية للأسهم، على الرغم من أن المستفيدين من هذه الأرباح لا يتجاوزون 10 في المائة من المضاربين.
#3#
#4#
كما يشجع على المضاربة في قطاع التأمين انخفاض عدد أسهم معظم شركات القطاع، حيث يلاحظ ارتفاع القيمة السوقية كلما انخفض عدد أسهم الشركة، فعلى سبيل المثال تصل القيمة السوقية لـ "سهم الوطنية" إلى 104.5 ريال و"أيس" إلى 158.25 ريال. وهي شركات تتكون من رأسمال يقدر بعشرة ملايين سهم، وهو الأقل في شركات قطاع التأمين، بينما نجد القيمة السوقية في الشركات الكبرى في القطاع، "كسهم إعادة" التي يصل رأسمالها إلى 100 مليون سهم، لا تتجاوز قيمتها السوقية 12.4 ريال ومثلها "ميدغلف" التي يبلغ رأسمالها 80 مليون سهم، بينما لا تتجاوز قيمة السهم السوقية 24.7 ريال.
ومما يشجع على المضاربة في قطاع التأمين الخسائر المتتالية لشركات المتداولة في القطاع، والتي يترتب عليها هلاك النسبة الكبرى من رأس المال حتى وصلت القيمة الدفترية في بعض الشركات إلى 1.30 ريال، كما هي الحال في "أسيج" التي فقدت 87 في المائة من رأسمالها، وقيمتها السوقية تصل إلى 54 ريالا، ومثلها "الأهلية" التي فقدت 66 في المائة من رأسمالها، ويتم تداولها عند 46 ريالا، و"وفا" التي فقدت 57 في المائة من رأسمالها وتتداول عند 42.6 ريال.
وفي تموز (يوليو) الماضي قللت المضاربة في قطاع التأمين من خسائر المضاربة في القطاع وذلك بعد ارتفاع معدل القيمة السوقية لأسهم التأمين. حيث أعادت تداولات شهر حزيران (يونيو) الماضي الكرة إلى المضاربين في قطاع التأمين، المحترفين والهواة، المتعلقين والضيوف الجدد، بإغراءات جديدة كالتي ظهرت في سهم "أسيج" الذي ارتفع بأكثر من عشر نسب متتالية وقفز من سعر 25 ريالا إلى 66 ريالا، قبل أن يعود بالمتعلقين بخسارة 20 في المائة بنهاية تداولات الأربعاء الماضي.
#5#
وفي الشهر نفسه بلغت قيمة تداولات السوق 139 مليار ريال، احتل قطاع التأمين منها أكثر من 39.5 مليار ريال، أي ما يمثل 28.4 في المائة منها، أما الأسهم المتداولة في قطاع التأمين التي بلغت 1.08 مليار سهم فقد شكلت ما نسبته 16.3 في المائة من كمية الأسهم المتداولة في شهر تموز (يوليو) الماضي.
ولا يزال قطاع التأمين يستحوذ على النصيب الأكبر من قيمة التداولات، حتى تداولات الأسبوع الماضي الذي بلغت قيمة تداولاته 34.7 مليار ريال، كان نصيب قطاع التأمين 34.4 في المائة منها.
إن خسارة أكثر من 51.6 مليار ريال نتيجة المضاربة في قطاع التأمين تمثل خطورة على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى السوق المالية السعودية بشكل خاص، حيث يفترض أن توجه مدخرات المواطنين نحو استثمارات آمنة ومنتجة.
إن 51.6 مليار ريال يمكن أن تؤسس شركتين بحجم "سابك" التي تعطي عائداً استثمارياً يصل إلى ثمانية ريالات في السنة، أو أربع شركات بحجم "الراجحي" التي تعطي عائداً سنوياً يزيد على خمسة ريالات في السنة، كما يمكنها أن تؤسس أكثر من 20 شركة بحجم "سافكو" التي تعطي عائداً سنوياً يزيد على 16 ريالا، بل يمكن أن تؤسس 25 شركة بحجم "اتحاد الاتصالات" التي تعطي عائداً سنوياً يصل إلى ثمانية ريالات.
إن خسارة أكثر من 51.6 مليار ريال نتيجة المضاربة في قطاع التأمين يمكن معالجته من قبل هيئة سوق المال، فالهيئة التي استطاعت نقل السوق المالية من المرتبة 64 في تنظيم الأوراق المالية في عام 2009 إلى المرتبة الـ 16 على مستوى العالم في 2011 قادرة على توجيه مدخرات المواطنين والمتداولين نحو استثمارات جيدة، وذلك بخطوات بسيطة كإيقاف التداول على الشركات التي تحقق خسائر لثلاث سنوات متتالية، أو تلك الشركات التي تقل فيها القيمة الدفترية عن سبع ريالات، ويكون الإيقاف مرهونا بالعودة إذا أثبت مجلس إدارة شركات المضاربة رغبتهم الجادة في خدمة الاقتصاد الوطني من خلال الحرص على الأموال التي ائتمنهم عليها المساهمون ووضعوا الثقة فيهم لإدارة الشركات التي يساهمون فيها.
أما الموافقة من قبل هيئة السوق على زيادة رأسمال الشركات الخاسرة فباعتقادي أنه لم ولن يخدم الاقتصاد السعودي، إذ قد تعود الشركات للخسائر المتجددة إذا كان من يدير الأموال الجديدة هم المتسببون في الخسائر القديمة، ولكن يمكن لهيئة السوق أن تضع شرطاً للشركات الخاسرة الراغبة في زيادة رأسمالها تغيير مجلس الإدارة الذي تسبب في هلاك رأس المال السابق، وقديماً قالت العرب "تجربة المجرب من السفه"، والهيئة لديها من الحكمة ما يمكن بها معالجة السبب وليست النتيجة عند زيادة رأسمال الشركات الخاسرة.