جهود أولمبية ملموسة لمكافحة تعاطي الرياضيين منشطات جينية
تعرّف على "ماراثون ماوس"، (فأر تجارب). يستطيع الجرذ المعدل وراثياً في الولايات المتحدة أن يجري مسافة خمسة كيلو مترات دون توقف في حلقة مفرغة مقارنة بالمتوسط التي تحققه القوارض البرية المشابهة.
وقد أدى ظهور الحيوانات في "ماراثون موس" إلى مخاوف من أن التحسين الوراثي سيقوي قريبا الأداء الرياضي للإنسان. في الواقع سرت شائعات منذ عدة سنوات عن أن الرياضيين يستسلمون لإغراء "تنشيط الجينات".
وفي هذه الأثناء، أكد متهمون مجهولون أن تعاطي المنشطات مع العقاقير التقليدية مثل الستيرويدات لا يزال يسود الأوساط الرياضية الخاصة بالنخبة، وعلى الرغم من أن هناك جهود كبيرة لتخلص من هذه المنشطات قامت بها الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات والهيئات الإدارية للرياضات الفردية.
اكتسبت هذه الشكوك زخما جديدا في دورة الألعاب الأولمبية هذا الأسبوع مع أداء يي تشيوين وهي معجزة السباحة ذات الـ 16عاما والتي أنهت آخر 50 مترا في سباق 400 متر فردي متنوع نساء أسرع من بطل الرجال، مما دفع مدرب أمريكي بشكل واضح إلى وصف أدائها " بأنه لا يصدق". وحتى الآن لقد اجتازت أربعة اختبارات منشطات رسمية خلال الـ 12 شهراً الماضية، بما في ذلك هذا الأسبوع في دورة الألعاب الأولمبية.
وهناك ثرثرة في عالم الرياضة حول الغش على نطاق واسع - على سبيل المثال، حيث يتناول الرياضيون كميات محسوبة بدقة من المخدرات خلال فترات تخضع لرقابة مشددة، وربما إضافة إلى عوامل الإخفاء – وهذا يتناقض مع وجهة نظر المسؤولين من السلطات التي تقوم بالاختبار، حيث إنهم يحرزون تقدما في السباق الذي لن ينتهي لمواكبة عمليات الغش.
يقول البروفيسور توني موفات من كلية الصيدلة في جامعة لندن، الذي يتمتع بأكثر من 40 عاماُ من الخبرة في تحليل المنشطات الرياضية: "تعد الرياضات الأولمبية هي الأنظف في ألعاب لندن على الإطلاق" ويضيف: "لا يعد مختبر مكافحة المنشطات الجديد هو الأكثر تطوراً على الإطلاق، وسيكشف عن أي منشطات محظورة".
تم إنشاء المختبر، الذي بلغت تكلفته 20 مليون جنيه استرليني، من ـ أجل دورة الألعاب الأولمبية 2012 في مركز أبحاث شركة جلاكسو سميث كلاين، نحو 30 ميل شمال لندن، وسيتم تحليل 1,200 من عينات الدم و3,800 من عينات البول خلال دورة الألعاب الأولمبية. كما يعمل ألف موظفا من بينهم 150 عالماً على مدار الساعة لإجراء اختبار لنحو نصف المنافسين، الذين تم اختيارهم عشوائيا لاختبار 240 منشطا محظورا. وعلاوة على ذلك، يتم اختبار جميع الفائزين بالميداليات.
وفي يوم الجمعة، بعد الأسبوع الأول من المسابقة، كان قد تم طرد ما لا يقل عن ثلاثة رياضيين بسبب تهم متعلقة بالمنشطات، فمنهم الألباني الرباع هايسن بوللاكو والذي جاءت نتيجة اختباره إيجابية للعقار ستانوزولول، وهو الستيرويد المنشط الذي حقق سمعة سيئة في عام 1988، عندما تم تجريد العداء الكندي بن جونسون من ميداليته الذهبية بعد ثبوت تعاطيه المنشط نفسه. ومنع لاعبة الجمباز الأوزبكية لويزا جاليولينا من استخدام فوروسيميد، وهو مدر للبول الذي يمكن أن يساعد على تخفيف الوزن ويكون بمثابة عامل إخفاء مما يجعل الأمر أكثر صعوبة للكشف عن العقاقير الأخرى.
ولكن، مع فارق نمطي من ثلاثة إلى ستة أيام بين أخذ العينة والإشهار والفضح، فإنه ليس من المحتمل أن يتم كشف الغش، أعداد أكبر في الأسبوع المقبل وما بعده. ففي بكين عام 2008، فشل مجموعة من 14 رياضي في اجتياز اختبارات المنشطات.
"حتى إذا اعتقد الرياضيون أنهم يتناولون منشطا محظورا لا يمكن الكشف عنه، ينبغي أن يتذكروا أن عيناتهم يتم تجميدها وتخزينها لمدة ثماني سنوات،" كما يقول بروفيسور موفات. ويضيف مستطردا: "يمكن اكتشاف أمرهم من خلال إجراء تحليل بأثر رجعي، إذا كان الاختبار إيجابي، ويتم تجريدهم من أي ألقاب أولمبية". كما تنمو إجراءات مكافحة المنشطات بشكل أكثر تطوراً مع ظهور تقنيات سوء استخدام العقاقير، ويجري استخدام عدة اختبارات لأول مرة في لندن. السلطات الرياضية مسرورة بشكل خاص بتحسين أساليب الكشف عن هرمون النمو البشري، حيث إنه في الآونة الأخيرة فضلت عمليات الغش هرمون النمو البشري الصناعي التي يقوم بها أولئك الذين يريدون بناء قوة العضلات دون الإصابة بالآثار الجانبية الناتجة عن تناول المنشطات، بما في ذلك الأضرار التي تلحق بعملية التمثيل الغذائي. بل إنه أيضا من الصعب اكتشاف الهرمون الصناعي لأنه كيماويا مطابق تقريبا لهرمون ينتج طبيعيا في الجسم. ويقول ريتشارد هولت من جامعة ساوثهامبتون، الذي ساعد في تطوير الاختبار الجديد، إن الاختبار يمكنه الكشف عن المنشط بشكل صحيح، حتى بعد أسابيع قليلة من آخر جرعة.
السيتيرويد – كان يتم الإشراف على تناوله بشكل روتيني من قبل مسؤولي الرياضة في دولة ألمانيا الشرقية وأماكن أخرى في الكتلة السوفيتية - هو عقاقير بناء العضلات الكلاسيكي. اليوم، تبحث السلطات باستمرار عن "السيترويد" الجديد الذي ابتكره كيماويون سريون لتجنب الكشف عنه. تحيط الضجة الكبيرة بمغيري مستقبلات الإندروجين الانتقائية الصناعية، والتي لها آثار جانبية أقل من المنشطات التقليدية. ولقد منعت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، "وادا"، هذه المنشطات ولكنها متاحة على نطاق واسع على مواقع الإنترنت في السوق السوداء. ولم تلق السلطات، على الرغم من توجها إلى الكشف عنهم، القبض حتى الآن على أي شخص.
المنشطات الرياضية هي جزء ضار من الأدوية المشروعة مصممة لعلاج أمراض مثل الهزال العضلي وفقر الدم في. فالأهداف الأساسية للرياضيين الذين يسيئون استخدام مثل هذه المنتجات هو بناء قوة العضلات والجسم وتحسين التمثيل الغذائي للطاقة وزيادة القدرة على حمل الأوكسجين في الدم. إن زيادة تناول المنشطات عن طريق الدم، على سبيل المثال، بدأت بشكل جدي خلال التسعينيات عندما أصبح هرمون إرثروبويتين متاحا كعلاج طبي. العديد من الرياضيين تناوله، وخصوصا في رياضات التحمل مثل ركوب الدراجات، وذلك لإنتاج المزيد من خلايا الدم الحمراء، والذي سيحمل المزيد من الأوكسجين إلى عضلاتهم.
نظرا لدور هذه الصناعة غير المقصود في تطوير المنشطات الرياضية، وكانت وكالة وادا سعيدة العام الماضي عندما اتفق الاتحاد الدولي لمنتجي المستحضرات الصيدلانية ومنظمة صناعة التكنولوجيا الحيوية على أن الشركات الأعضاء يجب أن تطلع على البيانات السرية حول العقاقير في التجارب الإكلينيكية التي من الممكن إساءة استخدامها في مجال الرياضة. وقالت شركة جلاكسو سميث كلاين، على سبيل المثال، لوكالة وادا عن حبة موجودة في بعض منجاتها تعزز إنتاج خلايا الدم الحمراء.
تقوم "وادا" منذ عام 2002 بالإعداد لظهور منشطات الجينات – تعاطي العلاج الجيني، وهو إجراء طبي في التجارب الإكلينيكية المتقدمة لعلاج مجموعة واسعة من الاضطرابات من مرض التليف الكيسي في الدم. ومن ثم يحصل الرياضيون على نسخ إضافية من الجينات والتي تشكل بروتينات تحسين الأداء مثل عوامل النمو في عضلاتهم. لكن على الرغم من تحقيق نتائج مذهلة مع الحيوانات المختبرية مثل "ماراثون ماوس"، الذي ينتج إنزيما يسمى PEPCK-C، يقول العلماء صعوبات هائلة ستواجه أي شخص يحاول نقل التكنولوجيا إلى البشر.
"على الرغم من أننا نعرف أن الرياضيين أو المدربين اقتربوا من بعض خبراء العلاج الجيني من قبل، وهناك شائعات عن تعاطي المنشطات الجينية، لا يوجد دليل ثابت على هذا،" وفقا لما يقوله أوليفييه رابين، عالم كبير في وكالة وادا. وفقا لهيئة مكافحة المنشطات البريطاني، لا يمكن الكشف عن مثل هذه الإساءات بشكل صحيح في الوقت الحالي. ومع ذلك، يأمل العلماء في تطوير اختبارات للجينات المضافة أو الفيروسات المستخدمة لتنفيذها في الخلايا البشرية.
وفي الوقت نفسه، تضع الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات المزيد من التأكيد على "جواز سفر بيولوجي للاعب" - وهي وسيلة لمراقبة شاملة لاكتشاف ذلك. وهذا يؤسس لتمثيل غذائي طويل المدى لكل فرد، مع مستويات الخطوط الرئيسة من الهرمونات وغيرها من المؤشرات الحيوية للبروتين الموجودة في دمه أو دمها. وأي تحسن أدائي مفاجئ يطرأ لا يمكن تبريره بالطرق المشروعة فإن هذا التغير يًعتبر دليلا على تناول المنشطات، حتى وإن لم يكن هناك اكتشاف مباشر لهذه المواد المحرمة.
وعلى الرغم من أنها لا تزال في سن الطفولة، إلا أن جوازات السفر البيولوجية أظهرت بالفعل حالات غش، وقبل بدء الأولمبياد بفترة وجيزة، أعلنت الرابطة الدولية لاتحادات ألعاب القوى أن ستة لاعبين (ثلاثة روسيين وتركي ويوناني ومغربي) قد حرموا من اللعب إما لعامين أو أربعة أعوام بناءً على هذه السجلات.
وفي الوقت ذاته، يذكر علماء الرياضة أن التحسن في الأداء، حتى وإن كان الأداء رائعاً كما هو الحال السباحة الصينية يي، لا ينبغي اعتبارها بذاتها على أنها دليل على الخداع. حيث إن حمامات السباحة للمتنافسين المحتملين تشهد توسعاً ولاسيما في دول العالم النامي وفي البلدان التي تشارك فيها المرأة بفاعلية أكثر. كما أن العلم والتكنولوجيا والاستثمار يعمل على تحسين البنية التحتية على مستوى النخبة - مرافق التغذية والتدريب والمعدات - التي تعمل على تعزيز الأداء ويخلق أرقاما قياسية جديدة في كل مكان. وفي حقيقة الأمر حذر تقرير صادر عن مؤسسة المملكة المتحدة للمهندسين الميكانيكيين من مخاطر "المنشطات التكنولوجية" في السنوات القادمة، وطالب منظمي الألعاب الرياضية بالعمل مع المهندسين للتنبؤ بعواقب التكنولوجيا الجديدة. "لقد كان للهندسة تأثير هائل وأقل مما هو مقدر في مجال الرياضة على مدار 100 عام" حسبما قال الكاتب الرائد فيليبا أولمهام، وأضاف: "تقريباً كل رياضة، بدءا بألعاب القوى إلى سباق الدراجات، قد استفادت من استحداث مواد جديدة، وتقنيات وكذلك أدوات".
ولم تختف بعد إشاعات الخداع التكنولوجي والأدوية. ويقول جراهام آرثر من المملكة المتحدة لمكافحة المنشطات، ساخرا: "نعم هناك خرافات مستمرة حول الرياضيين المتألقين يتم إنتاجهم من البراكين المتفجرة" ويضيف: "لكن الأغلبية الساحقة من الرياضيين يريدون أن يكونوا نقيين، فهم يقدرون قيمة فوائد المنافسة في بيئة رياضية نظيفة".
وحتى مع ذلك فليس من المؤكد أن التكنولوجيا هي التي تقود "ماراثون ماوس" ستظل محبوسة بشكل دائم في قفص مختبر الحيوانات." "إنه أشبه ما يكون بسباق التسلح" على حد قول أندي باركينسون الرئيس التنفيذي لمكافحة المنشطات في المملكة المتحدة. "ويضيف معلقا: "نحن في حاجة إلى مواصلة الضغط ولا نعتقد أننا أوجدنا حلاً لها (حل دائم) وذلك لأنني لا أعتقد أننا سنجد ذلك على الإطلاق".