الكبار في حضرة الكبار
صورة تغني عن آلاف الكلمات .. تلخص التقاليد والأعراف غير المكتوبة عن احترام الكبار للكبار. تُسكت كل تلك التخرصات وكل مَن في قلبه مرض. تشرح روح الأسرة السعودية المتماسكة قولاً وفعلاً .. إنها الصورة المنشورة، اليوم، على صدر الصفحة الأولى من هذه الصحيفة. كيف وقف الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد في حضرة أخيه الكبير ومليكه خادم الحرمين الشريفين. لم يكن مشهداً جديداً على الإطلاق، إلا أن عفوية الموقف ترسل رسائل للجميع، بأن تماسك واحترام الأسرة السعودية المالكة، صغيرها وكبيرها، منذ عهد مؤسس هذه المملكة، عامل مؤثر في استقرار وثبات مؤسسة الحكم بكاملها. يبتعدون عن بلادنا آلاف الأميال، لا يزورونها إلا نادراً، لا يعرفون عنها إلا ما نعرف عن غابات الأمازون، أو ما يعرف المواطن الألماني عن الخفجي، مثلاً، لكن ما إن يأتي الحديث عن السعودية إلا تباروا في التكهنات والتفنن في نسج القصص الخيالية عن خلافات هنا أو هناك. فعلوها مرات عديدة ولم يزدهم ذلك إلا خسرانا مبينا، غير أنهم لا يزالون مستمرين في تخرصات ما أنزل الله بها من سلطان. عندما حلت المنية بالراحل الكبير الأمير سلطان بن عبد العزيز، سمعنا من التكهنات ما يشيب له الرأس، فكان الانتقال السلس والطبيعي لولاية العهد، ولما رحل الأمير نايف عادت النغمة نفسها مع كثير من وسائل الإعلام الدولية، وبعض من العربية، حتى الخليجية! لكن المعادلة ذاتها لا تتغير، فكان اختيار الملك للأمير سلمان وليا للعهد نموذجاً آخر لاستقرار مؤسسة الحكم السعودية ورسوخها. ليست الأسرة المالكة وحدها مَن تقوم بذلك، بل هو عُرف تربى عليهِ أبناءُ هذا الوطن، بمشاربهم ومناطقهم كافة، فغدا رابطاً مقدساً داخل الأسرة لا يشذُّ عنه إلا القلة، وأصبح احترام الكبار واجباً وفرضاً يتمرس عليه الأبناء منذ صغرهم، حتى إذا كبروا، رأوا فيه عادة لا يعرفون غير الالتزام بها، مهما زادت أعمارهم، وبلغت مناصبهم. قدر المملكة أن تكون المصدر الأكبر للنفط في العالم، كما أن قدرها أن تكون قبلة للمسلمين، كل هذا يجعل منها مادة مهمة لوسائل الإعلام الدولية، أما إذا كان هذا الخبر يتعلق بانتقال الحكم أو بالعلاقة بين قادتها، يصبح كل ما ينشر مثيرا لكل مَن يقرأه أو يطلَّع عليه، على الرغم من أن الموضوعية غالبا ما تكون نادرة في تلك التقارير التي تطبخ في أبعد نقطة جغرافية عن الرياض يمكن لك أن تتخيلها. هذه الصورة لا تمثل موقفاً يمر سريعاً فحسب، بل إنها دستور غير مكتوب بين الكبار في بلادنا، يحكي ويلخص كيف لك أن تكون في أكبر المناصب وأهمها، لكنك لا تتخلى عن ثوابتك واحترامك لمن هو أكبر منك أبداً.