تضاؤل فرص اندماج البورصات الأوروبية
بعد فشل المفاوضات حول إقامة ائتلاف بين البورصة الألمانية والبورصة الإيطالية أصبح مراقبو الأسواق المالية أقل تفاؤلا بشأن تحقيق عمليات تثبيت وتوحيد البورصات الأوروبية. صحيح أن البورصة الألمانية ما زالت تطمح إلى تحقيق اندماج مع بورصة يورونيكست لكن الرأي السائد لدى العديد من المحللين في الأوساط المالية في فرانكفورت هو أن البورصة الألمانية تعاني حاليا عزلة متزايدة، ذلك لأن قيادة بورصة يورونيكست اتخذت منذ مدة طويلة قرارا بالاستحواذ عليها من قبل بورصة نيويورك.
وأعلنت البورصة الألمانية أخيرا بصورة مفاجئة وقف المفاوضات مع البورصة الإيطالية حتى إشعار آخر حول إقامة ائتلاف ثلاثي تنضم إليه في وقت لاحق بورصة يورونيكست. وجاء في البيان المقتضب أيضا: "إن التوصل إلى موقف موحد بشأن بعض القضايا الجوهرية لن يتحقق في الأجل القصير".
ومن الجدير بالذكر أن إدارتي البورصتين كانتا في حالة تفاوض حتى بعث ماسيمو كابوانو رئيس البورصة الإيطالية برسالة إلى ريتو فرانكيوني رئيس البورصة الألمانية طالب فيها البورصة الألمانية بالتخلي عن مطلبها بأن تكون لها الصدارة في هذه الأهمية، ويقال إن البورصة الألمانية لا تريد أن توافق على اقتراح البورصة الإيطالية بأن تتساوى حقوق الاقتراع في مجلس إدارة البورصة الثلاثية بين بورصتي يورونيكست وفرانكفورت لأن البورصة الإيطالية في هذه الحالة ستكون بمثابة الحجر الذي يرجح كفة الميزان.
وقد جاء رد فعل ميلانو على وقف المفاوضات غاضبا بعض الشيء, حيث تردد في الأوساط المالية أن اعتبار الألمان الأوائل بين شركاء متساوين لم يحظ بالقبول خصوصا في المرحلة الثانية من المفاوضات عندما يصبح من الضروري إجراء مفاوضات مشتركة مع بورصة يورونيكست. ويقول الجانب الألماني إن رئيس بورصة ميلانو لم يكن جادا في التفاوض منذ البداية, ولهذا تعمد رفع وتيرة مطالبه باستمرار, وتعزو الأوساط المالية في ميلانو سبب ذلك إلى تفضيله إدراج أسهمه في البورصة. ولكن البورصة الإيطالية أجلت في هذه الأثناء عملية الإدراج واضطرت لإنفاق مبالغ طائلة على الاستشارات القانونية, الأمر الذي لم يترك لها مجالا للانغماس في إنجاز مشروع أوروبي للبورصة.
ويرى الإيطاليون أن البورصة الألمانية في فرانكفورت تراهن على خيار الاندماج الأوروبي, وجاء في تقرير أعدته مؤسسة (لاخمان) للبحوث المالية بتكليف من (يوروبليس) الباريسية أن ارتفاع العديد من الأصوات في فرنسا ضد استيلاء بورصة نيويورك على بورصة يورونيكست, يجعل فرانكفورت تعيد التأكيد على عرضها السابق في اتجاه باريس على أمل أن يحظى في النهاية بالقبول كأهون الشرين. أما إذا لم ينجح هذا الرهان, فسيشكل ذلك نوعا من فقدان ماء الوجه بالنسبة إلى فرانكفورت.
وبعد انقطاع المفاوضات أصبح لزاما على البورصة الإيطالية أن تعيد النظر في توجهاتها من جديد. إذ ليس ثمة من مفاوضات مباشرة مع يورونيكست للاتفاق على مسيرة مشتركة, هذا هو على الأقل ما يؤكده رئيس البورصة ماسيمو كابوانو. أما في هذه المرحلة فلا بد لحملة الأسهم من أن يتخذوا قرارا بشأن عمليات إدراج الأسهم في البورصة. هذا ولا تجد البورصة الإيطالية نفسها حاليا تحت ضغوط تجبرها على الاندماج, ففي النهاية لا تشكل نفقات عقد الصفقات في ميلانو سوى جزء بسيط مما تكلفه في باريس أو فرانكفورت. وبالتالي فليس هناك خطر من هجرة الأعمال من ميلانو.
أما في أوساط بورصة يورونيكست, التي لم تتخذ أي موقف رسمي, فلم يفاجئها انقطاع المفاوضات بين البورصة الألمانية والبورصة الإيطالية. وقد أكد هذا تجربة يورونيكست التي تدار من باريس بأن البورصة الألمانية ليست على استعداد كاف للتنازل. ومن المعروف أنه ليس من المستطاع بناء نموذج أوروبي متوازن من دون أن يتوافر الاستعداد لتقديم التنازلات الضرورية.