"سوني" تصارع من أجل سمعتها بعد بلوغها 60 عاما
على الرغم من احتفال شركة سوني اليابانية العملاقة للإلكترونيات في صيف هذا العام بالذكرى الـ 60 لتأسيس المجموعة، إلا أن مزاج هوارد سترينجر رئيس مجلس الإدارة لم يكن صافيا للاحتفالات والاستقبالات الرسمية فألغى كل ذلك من أجندة المواعيد. هذه المجموعة الضخمة، التي انطلقت في البداية بعد الحرب العالمية الثانية كورشة صغيرة لتصليح الراديو في العاصمة اليابانية المدمرة آنذاك طوكيو، أصبحت اليوم إحدى أكبر شركات العالم في تصنيع الأجهزة الإلكترونية، وها هي الآن تمر في أزمة تلو الأخرى أساءت إلى اسمها بعد سلسلة من العثرات المدوية.
أول هذه التحديات كان حكم المحكمة الأوروبية التي شككت منتصف تموز (يوليو) الماضي في أحقية الترخيص بالاندماج بين قطاع الموسيقى لمجموعة سوني وقطاع التسجيل التابع لمجموعة الإعلام الألمانية بيرتلسمان تحت اسم شركة سوني- بي إم جي Sony-BMG ورداً على ذلك قام التحالف الياباني - الألماني باستئناف الحكم. وبهذا تبقى نهاية هذه القضية مسألة مفتوحة، ومن المحتمل أن يترتب عليها فسخ الاندماج بين الشركتين.
الضربة الثانية جاءت مع بداية آب (أغسطس) الماضي: فقد سحبت شركات الكمبيوتر الكبيرة ديل Dell وتوشيبا وابل – Appl ما يقرب من ستة ملايين جهاز كمبيوتر محمول من السوق، والسبب هو أن البطاريات المستخدمة في هذه الأجهزة والمصنوعة من سوني معرضة للاحتراق. ردة فعل اليابانيين جاءت سريعة، فالشركة تقوم في الوقت الحالي بسحب جميع البطاريات التالفة. ومن أجل تغطية الخسائر الناجمة أمر رئيس مجلس الإدارة سترينجر بتخصيص مبلغ تقدر قيمته مئات الملايين من اليورو يحفظ جانبا.
وفي الوقت نفسه كان سترينجر يواجه المشكلة الثانية. ففي أيلول (سبتمبر) الماضي أرجأت سوني من جديد موعد باكورة طرح نسخة بلاي ستيشن 3 في السوق، والسبب في ذلك هو ظهور بعض المشاكل في الإنتاج. وبهذا تكون سوني قد أضاعت من بين أيديها فرصة اغتنام فترة الأعياد الغربية في أوروبا كفرصة تجارية مربحة جدا. ردة فعل المعجبين في السوق الأوروبية مستاءة من هذا الإجراء، وفي أروقة الشركة اليابانية يقف المبرمجون على قدم وساق، فيما استبق المحللون خط الإنذار: سوني كانت قد أرجأت صدور بلاي ستيشن 3 في ربيع هذا العام لأشهر أخرى، ما اضطرها إلى تسجيل خسائر في حجم المبيعات بمبالغ تجاوزت المليارات.
وحدثت المماطلة في تقديم المنتج الجديد، مع أن لعبة بلاي ستيشن 3 تعتبر منتجا رئيسيا تتعلق به آمال المجموعة سوني في تحقيق غالبية الأرباح. من الناحية التقنية تعتبر اللعبة أفضل من كل ما وجد إلى غاية الآن في الأسواق، حيث يتم التحكم في الجهاز من خلال رقاقة إلكترونية لا توجد حتى في أي جهاز كمبيوتر عالي الكفاءة, كما أن رقاقة التخزين أكثر كفاءة من الرقاقات الإلكترونية الأخرى بخمس مرات. وهو ما يجعل من بلاي ستيشن 3 قادرة على عرض ألعاب فيديو عالية التعقيد والتصميم والبرمجة. لكن إذا ما فشل المنتج في السوق، حينها ستقف سوني أمام ثلاث مشكلات مرة واحدة: المشكلة الأولى هي أنها أهدرت مليارات الاستثمارات في منتج لا جدوى منه، والثانية تكون سوني بذلك فتحت المجال أمام الشركة المنافسة مايكروسوفت لتحتل المرتبة الأولى في قطاع أجهزة ألعاب الفيديو بلعبتها إكس بوكس, أما المشكلة الثالثة فهي تتمثل في خطر تدهور نظام الأعمال لشركة ترويج أجهزة إلكترونية ومحتوياتها.
لكن التكامل في هذا القطاع هو الهدف الإستراتيجي الأول لرئيس الشركة سترينجر وهو أول أجنبي يرأس مجلس إدارة المجموعة اليابانية سوني, فقد أعلن سترينجر عن إجراءات تقليل النفقات بـ 1.5 مليار يورو، وعن هدمه لجميع الحواجز بين قطاعات المجموعة المختلفة. فبعد شراء المجموعة سوني لشركة الموسيقى الأمريكية سي بي اس ريكوردس.
واستديوهات هوليوود من شركة كولومبيا الأمريكية لإنتاج الأفلام أصبحت سوني تمتلك جميع القطاعات الحيوية في عالم الصناعة الترفيهية. لكن ومع ذلك كان هناك الكثير من القطاعات من افتقدت التعاون والعمل الجماعي، أو سجلت عجزا في الميزانيات أو كانت متخلفة نوعا ما من الناحية التكنولوجيـة.
فأجهزة التلفاز الأكثر تطورا وحداثة تصنعها شركة سامسونج الكورية المنافسة و تمتلك مجموعة أبل قاعدة ملفات موسيقى أكثر انتشارا وحيوية من سوني، وبجهازها لتشغيل ملفات الموسيقى iPod فاقت بصورة ملموسة منتج سوني ووكمان - Walkman.
الهدف الأول لشركة سوني في سنة اليوبيل المتمثل في تحقيق فروق في الأرباح بنسبة 10 في المائة وهو ما لم تتمكن المجموعة حتى من الاقتراب منه. لهذا السبب كثّف سترينجر كل جهوده من أجل إعادة هيكلة القوى في الشركة. وأنهى سترينجر العديد من مشاريع الشركة العريقة والخاسرة في آن واحد: فأوقف إنتاج ايبو – Aibo وأغلق الماركة الراقية كواليا – Qualia وأغلق العديد من المصانع واستغنى كذلك عن الكثير من الوظائف، وباع بالإضافة إلى ذلك بعض القطاعات الجانبية وألغى جميع العقود الاستشارية غير المثمرة والمبالغ في أجورها، المبرومة مع قدامى العجائز الذين كانوا يعملون في السابق مع سوني.
بهذا عاد قطاع الأجهزة الإلكترونية الذي يعد من أكبر قطاعات المجموعة في حجم المبيعات إلى دائرة الأرباح من جديد. ولكن في المقابل مازال قطاع الموسيقى والأفلام وألعاب الفيديو يسجلون الخسائر. فبعد أن أنهى سترينجر جميع خطط الإصلاح وتنفيذ إعادة الهيكلة في المجموعة، وأراد أن يعلن الهجوم ظهرت مشكلة بلاي ستيشن 3 وبعدها في قطاع أعمال الموسيقى، وأخيرا مع بطاريات الكمبيوتر المحمول. جواب سترينجر جاء سريعا وبناءً، فقد أطلق حملة في جميع أنحاء العالم لسحب كل البطاريات الموجودة في السوق، وفي مواجهته لقرار المحكمة الأوروبية الأول حول فسخ الاندماج الياباني - الألماني إلى شركة Sony-BMG استأنف سترينجر الحكم. وقبل أسابيع من طرح بلاي ستيشن 3 ألحّ سترينجر علي كوتاراجي مدير ألعاب الفيديو لدى سوني أن يخفض السعر الأساسي للجهاز بنسبة 20 في المائة، - فأولا وأخيرا يجب أن يكون هذا المنتج فخرا لإنتاج لشركة فلربما تجد سوني أخيرا ما تحتفل بـه بعد صيف هذا العام.