لا شيء ؟!
على طاولة موظفة البنك كنت أحاول انهاء تجديد بطاقة الصرّاف الآلية على عجالة ، وقد خدمتني الموظفة بكل ترحاب ومهنية عالية. وخلال دقائق انتظاري دخلت الكثير من العميلات فكانت تتبسم وتبادر (كيف يمكن أن أخدمك؟) ثم تثنّي بسؤال يجعل العميلة تجلس أو ترتد على عقبيها عائدةً من حيث أتت. السؤال: ما نوع الهوية التي تحملينها ؟ بطاقة عائلة أم هوية وطنية ؟ فإن كانت هوية وطنية جلست وإن كانت بطاقة عائلة عليها إحضار جواز السفر أيضاً أو تعريف معرّف !!
أكثر من 3 مراجعات ونفس السؤال ونفس الابتسامة وأناس تجلس وأناس ترحل ، وأنا يدور بخلدي سؤال يستغرب كيف تتحرك المرأة أو تخرج من بيتها وليس في يدها ما يثبت هويتها ؟! كيف ترغب في مراجعة بنك أو أي دائرة حكومية دون أن تحمل أصل هويتها لتنهي التعاملات ؟ ثقافة المواطنة وقيمة الوجود وتحقيق الذات تتمثل في اهتمام المرأة بحمل الهوية الشخصية في أي بقعةٍ كانت وعدم التنازل عن ذلك. المواطنة تعني ألا يتحكم العائل (من أب أو أخ أو زوج أو إبن) في حق استصدار بطاقة الهوية الوطنية وكأنه بدون ولي الأمر هذا تنتفي حقوق الانتماء للوطن الذي ولدت المرأة فيه ! المواطنة تعني وجود قناعة فكرية وقبول نفسي والتزام أساسي للمشاركة الواعية والفاعلة دون استثناء. هي جوهر التفاعلات التي ينتجها أفراد المجتمع فتحدد سبل طلب الحقوق وتتحدد بناء عليها طرق ممارسة الواجبات !
وكانت صدمتي الكبرى عندما دخلت فتاة في العشرينات وأتاها السؤال صاعقاً من موظفة البنك بعد تأكيدها لحمل الهوية : "ماهي مهنتك، هل لديك عمل ؟ فردت لا . هل أنت طالبة ؟ (لا) ! طيب ربة منزل ؟ سكتت قليلاً وهي تفكر ثم قالت (لا) .. رددت بثقة وبكل معاني اللامبالاة : (لا شيء) !! إنسانة تعرفّ نفسها أمام الجالسات بكلمة (لا شيء) ؟؟ وكأنها عدم بلا أسم أو عنوان ! حالة ذهنية بلا ملامحٍ أو تاريخٍ وتفضل الذوبان .!! تفرست في وجهها بلا طائل.. ملامح غضة ليس بها تعبير ..فأي هوية وأي مواطنة تعبّر عنها تلك المرأة ؟؟
الهوية مرتبطة بالمكان والمواطنة ترتبط بالثقافة التي يشكلّها النظام السياسي، والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية، والقوانين الضابطة للعلاقات. وكل هذا يبنى على معتقدات وقيم ومعايير تنتج الثقافة الحاوية لكل فرد فينا.
المواطنة والهوية كلاهما وجهان لحقيقة واحدة أننا ننتمي ونستحق هذا الانتماء وأيضاً نعلن عن هذا الانتماء، فاقد (الشيء) سيقول (لا شيء) ...فكيف يعبّر البعض عن أنفسهم بكلمة (لا شيء؟).
تساؤل محزن إلى الآن يحيرني !!
أفيدونا أفادكم الله !!