برامج المحادثة الفورية .. بث مباشر للشائعات ورسائل مكررة

برامج المحادثة الفورية .. بث مباشر للشائعات ورسائل مكررة

مئات المرات يصدر الهاتف الذكي لأحدهم ذات الطنين، في إشارة إلى وصول رسالة جديدة على برنامج المحادثة الفورية الذي يستخدمه، لا يكلف نفسه عناء الكشف عن محتواها، بدلا من هذا يقوم بإعادة توجيهها إلى الكل، العملية تبدو أسهل من تكبد مشقة القراءة، والرسائل التي تنقلها الآلة الذكية أصبحت إعادة إرسالها عملا آليا بالنسبة له وواجبا يوميا يشعر معه بالذنب إن قصر، اعتقادا منه أن كثيرا ممن هم في قائمته لا يستطيعون العيش دون رسائله، التي تلخص لهم شأن الحياة.
ولا يتحرج كثير من مستخدمي برامج المحادثة الفورية التي يتصدر قائمتها برنامجا (واتس أب) و(بلاك بيري مسنجر) من تأكيد أنه لا يقرأ إلا النزر اليسير مما يصله يوميا ويكتفي بالرسائل ذات الطابع المثير في محتواها، لكنه رغم هذا ملتزم بعملية التوجيه التي أصبحت بالنسبة له جزءا أهم من الاطلاع بذاته.
ووسط مجموعة تضم عددا من المستخدمين قال سامي الحسن: إنه يقوم بتوجيه الرسائل ذات الطابع الديني بحثا عن الأجر حتى دون أن يطلع عليها، مؤمنا بأن الدال على الخير كفاعله، متجاهلا أنه يأمر بالمعروف وينسى نفسه، وقال: كثير من تلك الرسائل يدفعني أصحابها لإرسالها باستخدامهم أغلظ الأيمان التي تطلب مني إعادة توجيهها إلى جميع من هم في قائمتي، حتى دون أن يعرف إن كان معناها الشرعي صحيحا من عدمه. وهو علاوة على هذا يسارع في إرسال ما يرده من نصائح للمستخدمين، التي تحذرهم غالبا من فيروس جديد يعلن عنه شخص ما مجهول في الكرة الأرضية، دون أن يسأله أي شخص عن دليل على كلامه، المطلوب هو إرسالها إلى الجميع في عملية تدوير لا تحقق أي صدى.
وتواجه برامج المحادثة الفورية معضلة المصداقية والموثوقية فنشر خبر عبر تلك البرامج كفيل بجعلها ذات مصداقية دنيا، فكثير من المستخدمين لا يثقون بما ينشر عبرها من أنباء، وهي بهذا تجدد نفسها كمرتع للشائعات التي تضرب في كل اتجاه، بعضها يأخذ طابعا احترافيا بنسبته إلى صحيفة أو قناة معينة. ويعتبر ''عبد العزيز بقادر ''أن غياب مصادر المعلومات المنشورة عبر هذه البرامج يمثل إشكالية للمستخدمين الذين يسارع بعضهم بحسن نية إلى إعادة نشرها، لتكون ربما مزحة أو شائعة كتبها مستخدم وحيد، كذبة تبلغ الآفاق، تضطر معها أكبر القنوات الرسمية إلى تفنيدها.
وقبل شهر من الآن نشر الدفاع المدني في السعودية نفيا لما نسب إليه من تحذير من تعبئة خزان الوقود بسبب حرارة الشمس المرتفعة، وتضمن التحذير ''الكاذب'' نصيحة بعدم تعبئة خزان الوقود بالكامل لما قد يسببه هذا من انفجار للسيارة، وهذا المعلومات التي انتشرت بداية عبر برامج المحادثة الفورية وأخذت تتصاعد في تويتر وحتى بعض المواقع الإلكترونية، أكد الدفاع المدني أنها لم تصدر عنه مطلقا.. ولا يعد هذا إلا مثالا بسيطا على كثير من الأخبار التي لم يجد بعضها مكذبا له سوى الأيام التي جاءت منبئة بالحقائق.
وقال مستخدم آخر إنه اضطر لحذف هذه البرامج أو قصرها على مقربين فقط لاستخدامها بدلا من رسائل الـ sms كونها بلا تكلفة، مرجعا سبب هذا لكون غالبية ما يرده فيها رسائل مكررة من أصدقائه، مشبها إياها برسائل السبام أو الرسائل الاقتحامية التي تصل إلى هواتفنا برضا كامل منا، وأضاف: يغضب أحدهم حين يستقبل إعلانا دعائيا من الشركات على هاتفه، لكنه لا يجد غضاضة في تلقي آلاف الرسائل التي لا معنى لغالبيتها على نفس الهاتف.
وتبرز معضلة أخرى أيضا عبر نقل الشائعات والمقاطع الخالعة، خصوصا أن غالبية مستخدمي تلك البرامج من الفئات الشابة المراهقة، وحتى صغار السن الذين يخضعون لنظام ''الإرسال للكل'' الذي يشمل الجميع خيرا وشرا.
وقال عبد الله المشعل: إنه فوجئ بوجود معلومات طبية تتناقلها زوجته مع صديقاتها بعضها غير صحيح وبعضها مجرد أدوية شعبية ينسب لجهات معنية أو أطباء معروفين، أثر بعضها سلبا، وأضاف: هذه الموجة من الرسائل تشبه إلى حد كبير شريط الرسائل في القنوات التي تروج لأدوية لا وجود لها إلا في مخيلة أشخاص لا هدف لهم إلا المال، عبر تجارة رخيصة بأرواح الناس.
وحول التجارة أيضا قال مفظي هادي أحد المختصين في هذا المجال: إن حروبا غير شريفة وضربا من تحت الحزام يمارس بشكل واسع عبر هذه البرامج، بعضها يزعم عبر الرسائل التي تنتشر بسرعة البرق أن مطعما ما يستخدم لحوما فاسدة أو أن بعض عامليهم مصابون بفيروس ما معدي، وآخر يعلن وجود مواد مسرطنة في بضاعة منافسه، وهي رسائل تجد طريقها للنشر السريع بين المستخدمين، في مكان لا يبالي أبدا بالبحث عن البينة والدليل.
ولا يمكن إخفاء الوجه الإيجابي لهذه البرامج التي تلعب وفقا لتقدم الزمن دور الواصل بين الأقارب والأصدقاء بتكلفة منخفضة أو مجانية، وتتيح مشاركة الصور والمقاطع بطريقة سهلة، لكن المستخدمين يؤكدون أن حتى البرامج الحديثة تخضع للقاعدة القديمة.. ''الشر يعم والخير يخص''.

الأكثر قراءة