ابتسامة و تفاؤل غفير !
مابين فتاة المانكير وجراءتها المذمومة وتجاوز رجل الهيئة لأدبيات المتاصحة ، تداولت وسائل الإعلام الجديد الأراء وضاع العامة بين مؤيد ومعارض ..وكل حزبٍ بما لديهم فرحون !!
وقد لا يعجب البعض رأيي في شأن المناصحة ورجالها، لكني بدايةً لست أتخيل المجتمع بدونهم ولا بدون جهودهم التي تكفينا شرّ السكوت عن الرذيلة ، ولست أدعو لكفّ أيديهم عن ممارسة النصح .. فترك النهي عن المنكر يجعل المعصية تتفشى وتستعلن.
وفي نفس الوقت يتعين إحياء شعيرة لا يستقيم الحال إلا بها . ولست في مقام يخولني شمولية التقييم والمساءلة (وهو حقي كمواطنة) ، إلا أن بعض الممارسات غير المحمودة تبرز أفراد الهيئة وموظفيها كزمرة من (المتسلطين الأشرار) الذين لا هم لهم إلا تصيد الأخطاء واستباق وقوع الشرّ والدخول في نوايا الناس وسريرتهم ومن ثم التصرف معهم وفق مرتكز السلطوية الدينية والفوقية والجدل لمجرد الاذلال ! وعلى متلقي النصيحة أن يلتقم جمرها بالأمر والزجر علناً أمام الناس مبعثرين ماء وجهه أو وجهها بين (القبائل والعربان) !!
ما أعرفه أن ما كان منكرًا عند بعض العلماء، وليس منكرًا عند البعض الآخر، فالإنكار فيه غير واجب (وهذه واحدة)، وأن النصح باللين والبشاشة واجب الناصح ووسيلته الناجعة (دون ضرورة الاستناد إلى سطوة المشلح ورجل الشرطة !) وعلى المنصوح أو المتلقي التقبل أو الرفض (إن لم يخالف في ذلك النظام والقانون والعرّف الذي يستند كما نعلم إلى شرعنا الحنيف)، فكل إنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره (وهذه الثانية)، أما إن تجاوز المنصوح المدى وكان تصرفه أرعناً مذموماً فلا بد من الأخذ على يديه بالمعروف من أناس ثقات عدول (يعلمون ما يفعلون) حتى يستجاب للدعاء ولا يعم عذاب الله الصالح والطالح (وهذه الثالثة).وما بين الثلاثة أجد الحادثة شاذة لا يجوز فيها التعميم، ولكنها مؤشر يصيب الصمت في مقتل فلا يجوز بعده السكوت.
ما أغضبني أن الرسالة (اليوتوبية) وصلت لنا من مصدر واحد، وذلك يشوه كمالها ومصداقيتها. فلم نرى فتاة المناكير ؟ ولم نكن ندري كيف كانت تمشي ولا ما فعلت بالضبط لتستفز حمية الناصح (على حد قولها: "أتسوق بكيفي، وأنا حرّة!!" ) فما الحرية إن تبعثرت القيمّ !! ما الحريّة ووعي الضرورة يلُزم المرء الفاضل عدم التعدي على حقوق الآخرين ! وأشهد أن هناك بناتاً خرجوا على العرف العام في المظهر والشكل والتبرج بما يفتن خلايا الحجر ! يرتدن الأسواق بلا أم ٍ أو أب (فالأم تخلت والأب مشغول)؟ مراهقات في الأسواق بكامل الماكياج وفي عز الظهيرة! إن تحدثن فالصوت صراخ والهمس مجلجل وكأن كل واحدةِ في وادي سحيق! وإن ضحكت إحداهن سمع السوق وجدرانه صوت الضحكة السمجة التي لا تعبر إلا عن نقص الثقة في النفس والرغبة في جذب الإنتباه !
ما أغضبني كمواطنة تعيش على هذه الأرض الطاهرة أن وتيرة هذه الممارسات غير اللائقة في ازدياد واضح وغريب! فما الذي يحدث ومناهجنا تغرس الدين في العروق منذ الصغر! ماالذي يحدث وهناك هيئة وشرطة ووالدين وأسرة وإعلام ؟ أسئلة أحتاج الإجابة عليها من مشايخناوعقلاءنا ومفكرينا !
وما أحزنني أن رجل الهيئة تجاوز حد النصح مع الفتاة أو المرأة (كانت من كانت) بسبب المناكير وأحمر الشفاه !! لم يجد سوى المناكير وأحمر الشفاه كسبب ليطردها من السوق عقاباً لها وردعاً لأمثالها! فكيف ستؤمن العواقب إن كان منطق الناصح لا يقنع؟ بل ويحرض المتجاوز على المزيد ! وهل في المناكير تجاوز ؟! وما استخدام وسائل الاعلام الجديد (من تويتر وفيس بوك) لنشر ماحدث (وفي ساعتها) إلا سلاح جديد ناجع في يد من يستخدمه للزود عن النفس ومجابهة التشهير بكشف سوء ممارسات استخدام السلطة ، طلباً للثوثيق واستنجاداً بحماية ولي الأمر إن كان الممارس مخطئاً .
نحن بحاجة إلى وقفة محاسبة مع أنفسنا . ياكل أب .. يا كل أم .. لملموا شعثكم .. ضموا البنات تحت جناح المحبة والاهتمام ، يا رجال الحسبة الكرام أرجوكم لا مزيد من التجاوزات، وليخلع (المشلح) ويمشي عادياً بين الناس (بدون حرس) من يريد النصح والأخذ على يد المتجاوز، فالدولة بها نظام وشرطة وحقوق إنسان وما عدنا نريد (يوتيبيات تنشر الغسيل في شرفات الأغراب)!
وعلى قدر الذهول الذي أصابني عند مشاهدة اليوتيوب ، على قدر ما تملتكتني الابتسامة الصادقة والتفاؤل الغفير ! فالمواقف المرفوضة تكون أحياناً (نعماً مستترة) تفتح أعيينا على العثرات والزلات وقد توجه بوصلتنا الرشيدة إلى سبل الاصلاح . فنحن بخير مادام فينا من يستنكر ، ونحن بخير مادام الوعي بالحق يتلازم مع المسؤولية ، وأتفاؤل تماماً كالمسافرين بلا رحلة ... أهاجر من اللامكان إلى الأمل بأن: " أُمَّتِي كَالْمَطَرِ لا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ " كما أخبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
(بصوت عالٍ أقول)
كلنا عن فتاة "المناكير" مسؤولون ؟!!