تطوير المصرفية الإسلامية ضرورة حتمية
مما لاشك فيه أن أرقام المصارف الإسلامية في السنوات الخمس الأخيرة تشير إلى تطور مذهل في معدلات الأداء وقد انعكس هذا التطور على ما يلي:
* زيادة حجم المحفظة الائتمانية ( إجمالي التمويل المصرفي للمصارف الإسلامية) من نحو 58 مليار ريال سعودي في كانون الأول (ديسمبر) 2000 إلى ما يزيد على 250 مليار ريال سعودي (من إجمالي مبلغ 472 مليار تمثل إجمالي المحفظة للبنوك الإسلامية والتقليدية) وفقا لأرقام آذار (مارس) 2006.
* ارتفاع نسبة المحفظة للبنوك الإسلامية بالنسبة إلى إجمالي البنوك العاملة في المملكة من نحو 29 في المائة في نهاية 2000 إلى ما يقرب من نحو 53 في المائة من إجمالي المحفظة الائتمانية للبنوك (الإسلامية والتقليدية).
* بلغ رصيد الصناديق الاستثمارية ما يقرب من 95 مليار ريال من إجمالي مبلغ 138 مليار ريال وبما نسبته نحو 69 في المائة من إجمالي أرصدة الصناديق الاستثمارية في البنوك العاملة في المملكة.
* زاد عدد فروع المصرفية الإسلامية سواء التابعة للمصارف الإسلامية أو أفرع إسلامية لبنوك تقليدية على 800 فرع ومازالت البنوك تتجه إلى زيادة فروعها المطبقة لمعايير الشريعة الإسلامية سواء من خلال فتح فروع جديدة أو تحويل بعض الفروع القائمة المطبقة للمصرفية التقليدية إلى فروع للمصرفية الإسلامية.
ولم يكن هذا التطور بمحض الصدفة وإنما كان نتيجة لعدة أسباب يرجع بعضها إلى الأفراد والشركات ذاتها من خلال قناعاتها أو إلى ضغط الجمعيات العمومية لهذه الشركات للاتجاه إلى المصرفية الإسلامية خاصة في ظل اتجاه الكثير من هذه الشركات إلى طرحها كشركات مساهمه عامة، أيضا كان لتطوير نوعية الخدمة المصرفية في المصارف الإسلامية الدور الكبير في تحسن معدلات الأداء فقد اهتمت إدارات المصارف الإسلامية بإعادة هيكلة إدارات البنك الداخلية واستقطاب الخبرات المصرفية المميزة والاهتمام بالتدريب المتخصص وتطوير أساليب القياس لمعدلات الأداء وفقا لخطط وأهداف محدده على مستوى القطاعات والمسؤولين بها.
ومع ذلك فما زالت المصرفية الإسلامية تحتاج إلى مزيد من التطوير مقارنة بالبنوك التقليدية ليس فقط في أساليب قياس وإدارة المخاطر أو أساليب التسعير وإنما أيضا تتسم البنوك التقليدية بوضوح منتجاتها وتحديدا أنواع التسهيلات الائتمانية الممنوحة لتمويل المشاريع المختلفة (هيكلة التسهيلات) ووضوح تطبيقات هذه الأنواع من التسهيلات الائتمانية مع تسليمنا بتواجد واستقرار وممارسة البنوك التقليدية لعملها منذ مئات السنوات التي تزيد على 300 سنة مقارنة بالبنوك الإسلامية التي بدأت تواجدها وممارستها منذ ما يقرب من 30 عاما فقط (منذ عام 1975).
على الرغم من وضوح صيغ التمويل الإسلامية سواء كانت عقود البيع المختلفة أو عقود المشاركة بأنواعها أو المضاربة إلا أنه من الملاحظ أن المنتجات المصرفية الإسلامية ما زالت تختلف من بنك إلى آخر, وأن التطبيقات العملية للصيغة نفسها قد تختلف كثيرا أيضا من بنك إلى آخر وكذلك المستندات والعقود وعليه فإننا كثيرا ما نجد قبول الهيئة الشرعية ببنك أو بعض البنوك الإسلامية لصيغه تمويلية أو هيكلة تسهيلات ائتمانية بشكل معين ولا تقبل هذه الصيغة وهذه المستندات والعقود في بنك آخر, خاصة في ظل تطور المنتجات وأنواع التسهيلات المصرفية الإسلامية، الأمر الذي أراه – في اعتقادي – مقيدا لدور المصارف الإسلامية في التنمية الاقتصادية وخاصة في المشاريع الكبرى التي قد تتطلب تمويلا مشتركا بين البنوك وهو ما يتطلب في كثير من الأحيان موافقة خاصة لكل مشروع على حده وعلى العقود والمستندات كافة بشكل منفصل لكل بنك وبما يستغرقه هذا من وقت وجهد واختلاف في الرؤى بين بنك وآخر يكون في كثير من الأحيان موضع تساؤل ومقارنة من قبل الشركات وأصحاب المشاريع المطلوب تمويلها.
لذلك فإنني أرى – من وجهة نظري الشخصية – أنه قد آن الأوان لتوحيد الهيئات الشرعية في هيئة عليا واحدة تكون مسؤولة عن المصارف الإسلامية كافة وتكون قراراتها بالأغلبية عملا على توحيد المفاهيم والمنتجات وتطبيقاتها وضوابطها الشرعية وأيضا النواحي الشرعية للمستندات القانونية وتكون قراراتها مرجعا للبنوك الإسلامية كافة ( ولا مانع من أن يتم ذلك بالتنسيق مع وحدة مختصة بمؤسسة النقد العربي السعودي) شريطة أن يكون في كل بنك إدارة داخلية للرقابة الشرعية تكون مهمتها مراجعة تنفيذ المعاملات المصرفية وفقا للقرارات الصادرة من الهيئة لضمان الممارسة السليمة وتكون تابعة إداريا للهيئة وليست تابعة لإدارة البنك.
وأشير في ذلك أن الممارسات المصرفية وغيرها هدفت منذ البداية إلى توحيد المفاهيم وتطبيقاتها, فهناك الأعراف الدولية للاعتمادات المستندية وهناك المعايير المحاسبية الموحدة وهناك أدوات القياس الكمية للمخاطر وفقا لمتطلبات الجهات الرقابية الداخلية أو الخارجية وغير ذلك من معايير.
أتصور أن توحيد الهيئات الشرعية في هيئة عليا واحدة للمصارف والفروع الإسلامية سيسهم بشكل فعال في انطلاقة جديدة للمصرفية الإسلامية وسيسهم في فاعلية مساهمة المصارف الإسلامية في التنمية الاقتصادية وتمويل المشاريع الكبرى وكذلك البحث في منتجات تمويلية جديدة تتطلبها الظروف الراهنة للسوق المصرفية.