العجز التجاري لم يقلّص الطلب على السلع المستوردة

العجز التجاري لم يقلّص الطلب على السلع المستوردة

لم يعد تيتو مبويني يعرف كيف يمكن له أن ينشر رسالته بين الناس فقد قال رئيس البنك المركزي لجنوب إفريقيا قبل فترة قصيرة من الزمن متعجبا من قدرة أبناء جلدته على مقاومة النصيحة في القضايا الفنية المالية : " هم بكل بساطة لا يريدون أن يسمعوا". وفي هذه الأثناء بلغت مبويني أنباء مستجدة سيئة حيث فقد الراند - وهو عملة البلاد الرسمية - نحو 40 في المائة من قيمته خلال الأسابيع الماضية وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو العجز في الميزان التجاري الذي يبلغ أكثر من 6 في المائة ، مما أدى في موجة من المضاربات إلى الهروب من الراند إلى العملات الأخرى.. ومن المعروف وفقا للمعايير الدولية أن عجزا في الميزان التجاري يزيد على 3 في المائة من شأنه أن يعرض استقرار العملة للخطر .
ومع ذلك تستمر جنوب إفريقيا في استهلاك المزيد من السلع المستوردة في هذه السنوات العجاف. كما أن إقرار زيادتين متواضعتين في سعر الفائدة الأساسي بنسبة 0.5 في المائة لكل منهما في حزيران ( يونيو ) و آب ( أغسطس ) لم تنجحا في إفساد شهية المستهلكين وحبهم للتفاخر ، ففي النصف الأول من العام الحالي ازدادت عقود القروض المبرمة بنسبة 25 في المائة، بعدما كانت قد ازدادت في السنة السابقة بالنسبة نفسها. وهكذا أصبح على الأسرة المتوسطة أن تخصص 70 في المائة من دخلها الصافي لخدمة الدين. ويقول مبوفيني تأكيدا لذلك: "إنني أرى العديد من الأسر التي ستعود إلى السوق، كما أرى العديد من سيارات الدفع الرباعي غالية الثمن التي يعيدها أصحابها إلى التجار".

إن الفتورالذي ألم باقتصاد جنوب إفريقيا بعد فترة من النشاط الزائد يمكن تلمسه الآن بوضوح من أسعار العقارات. إذ مع أن الطلب على المساكن التي يصل ثمنها إلى 35000 يورو ما زال كبيرا، بسبب انتقال طبقة الأفارقة السود المتوسطة الجديدة للسكن في ضواحي المدن الكبرى، فإن سوق العقارات الباذخة التي يصل ثمنها إلى ما يزيد أو يقل قليلا عن 100 ألف يورو يعاني من الركود. هذا وقد بلغ متوسط الزيادة في قيمة العقارات في أيلول (سبتمبر) الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي 2 في المائة فقط وهذه هي أقل زيادة تسجل حتى الآن.

ويحاول البنك المركزي التصدي للتضخم من خلال إقرار زيادات أخرى في سعر الفائدة، وفي الوقت نفسه الحد من الاستهلاك وذلك للتخفيف من العجز في الميزان التجاري على الأقل بنسبة 1 في المائة خلال الفترة حتى نهاية العام، وإن كان الحديث داخليا يدور حول 4 في المائة وهي النسبة الضرورية لرد المستهلكين إلى صوابهم. ومن الجدير بالذكر أن جنوب إفريقيا كانت حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي تتعايش مع نسبة تضخم من خانتين عشريتين، وكان من أهم الإنجازات التي حققها مبويني، محافظ البنك المركزي، وتريفور مانيويل، وزير المالية، هو حصر التضخم منذ عام 1998 في نسبة تراوح بين 3 و6 في المائة، ولكن من الممكن الآن أن تعود نسبة التضخم إلى ما يزيد على 10 في المائة. أما ضحية التدهور الاقتصادي الحالي فمعروفة بكل تأكيد، فنسبة النمو الاقتصادي المستهدفة لعام 2006، وهي النسبة التي لا غنى عن تحقيقها لمحاربة الفقر ، قد تخلت عنها الحكومة في هذه الأثناء بكل سرية وهدوء .

الأكثر قراءة