انطلاقة فيليبس الجديدة تفتح الباب للاستحواذ أوالاندماج
هناك الكثير من القواسم المشتركة بين شركتي فيليبس وسيمينز فكلتا الشركتين الإلكترونيتين تعيدان هيكلة نشاطاتهما من جديد . كما أن شركة فيليبس الهولندية الأصل وشركة سيمنز الألمانية الأصل لا تريان فرصا واعدة للنمو لا في مجال التكنولوجيا الطبية ولا في مجال صناعة اللمبات الكهربائية. وتمكنت الشركتان أخيرا من تخفيف بعض الأعباء عن كاهليهما عندما تخلتا عن صناعة أشباه الموصلات، فعلت ذلك سيمينز في نهاية التسعينيات ولحقت بها فيليبس في بداية آب ( أغسطس ) الماضي.
غير أن ثمة مساحة تفصل بين الشركتين فيما يتعلق بدرجة النجاح في عملية إعادة هيكلة أعمالهما وإن كانت الكفة تميل حتى الآن إلى صالح الهولنديين .
ففي الوقت الذي لم تحقق فيه الجهود التي تبذلها سيمنز منذ سنوات إلا نجاحا محدودا في عملية إعادة هيكلتها تدخل شركة فيليبس الآن وبعد خمس سنوات من العمل الشاق مرحلة جديدة من حياتها ، فبيع 80 في المائة من أسهم صناعة الشرائح الإلكترونية لشركة كولبيرغ كافيس روبرتس و سيلفر ليك و ألب انفيست شكل نقطة انعطاف حاسمة في حياة هذه الشركة التي ترجع إلى 115 عاما ، مما أكسبها بالتالي شخصية جديدة.
لقد كان من المفروض اتخاذ هذه الخطوة منذ زمن بعيد . غير أن جيرهارد كلايسترلي رئيس شركة فيليبس لم يقدم اقتراحاته بشأن عملية إعادة الهيكلة، وبالتالي لم يبدأ العمل في هذا الاتجاه سوى في العام الماضي ، وذلك لوضح حد للتذبذبات في نتائج أعمال الشركة التي كان سببها في الغالب التجارة الخاسرة في صناعة الشرائح الإلكترونية . ولعل هذا هو ما يميز فيليبس على سيمنز التي ظلت متمسكة بقوة ببعض الأنشطة قليلة المردود مع استمرار التلكؤ في التخلص من هذه الأنشطة التي لم يحالفها النجاح ( كالهواتف المحمولة على سبيل المثال ) مما كلفها الكثير .
أما فيليبس فقد طوت صفحة الجوال منذ زمن بعيد . وكان الفضل في ذلك لكلايسترلي الذي تولى منصبه في شهر أيار ( مايو ) من عام 2001، وباشر على الفور في تحطيم الهياكل الإدارية المتحجرة وسرعان ما تخلت فيليبس عن إنتاج أجهزة التلفزيون التقليدية بعد أن كانت ذات يوم أكبر منتج لها في القارة الأوروبية . وبعد سنة ونصف من توليه زمام الأمور في الشركة ، ألغى رئيس مجلس الإدارة قسم إنتاج قطع الغيار . ومع إلغاء إنتاج أشباه الموصلات انهار عمود آخر من الأعمدة التي كانت تقوم عليها شركة فيليبس .
إن شركة فيليبس الجديدة تجاري اليوم الأنماط المعيشية الحديثة . فبدلا من التكنولوجيا الطبية ، ومستلزمات الإضاءة وأجهزة التسلية الإلكترونية والأجهزة المنزلية لا بد للشركة من أن تسعى لاقتحام الأسواق المستقبلية بمنتجات تتماشى مع هذه الأسواق لتوفير متطلبات الصحة والرخاء ومنتجات توفير الطاقة . ومن خلال تطوير مثل هذه المنتجات يريد الهولنديون أن يميزوا أنفسهم عن منافسيهم من أمثال سوني و سامسونج و سيمنز ، وجنرال إلكتريك ، وهذا بلا شك هدف طموح لم يتحقق بعد .
وما زال أمام فيليبس طريق طويل قبل التمكن من بلوغ نهاية عملية التجديد. وما زالت أنظار كلايسترلي متجهة صوب النمو الذي يحقق له أرباحا مجزية . لقد كان حجم أعمال فيليبس ، لدى تسلمه مهام منصبه ، 30 مليار يورو في السنة، وهو ما يوازي حجم الأعمال لعام 2005 . غير أن آثار التخلي عن إنتاج أشباه الموصلات ستظهر للعيان في السنة القادمة، من خلال النمو الداخلي وعمليات الاستحواذ. ولكن هذا ليس كافيا. فالهدف هو تحقيق بعد جديد يتجاوز بكثير حدود الثلاثين مليار يورو.
ومن أجل هذا لا بد من شراء شركات كبيرة ، وهو ما يخفي في طياته بعض المخاطر الناجمة عن التسرع والتصرف بتسرع أو طيش . ومما لا شك فيه أن مجال التكنولوجيا الطبية مليء بالمزالق على ضوء الأسعار الفلكية التي تسود هذا القطاع . وقد سبق لشركة فيليبس أن دفعت ثمن تعلمها دروسا في هذا السياق . فشركة ميد كويست التي اشترتها فيليبس عام 2001 كلفت فيليبس الغالي والنفيس عند تصفيتها لدى اكتشافها تلاعبا في أرقام الميزانية.
إن الضغوط للسير في طريق الابتكار والتجديد تتطلب استثمارات مرتفعة سواء بالنسبة إلى شاشات التلفزيون المسطحة أو الأقراص الصلبة المستخدمة في مسجلات ( دي في دي ) وكلاهما من ذوي الدورات الإنتاجية التي تزداد قصرا مع مرور الأيام . ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى أدوات الحلاقة وفرش الأسنان ، وأجهزة إعداد القهوة . وهذا بحد ذاته يشكل تحديا لا يمكن السيطرة عليه إلا بالسيطرة على التكاليف .
ولكن ما زال ثمة خطر آخر مبهم يتربص الآن بالشركة. حيث من الممكن أن تستهدف فيليبس من قبل بعض المستثمرين الماليين . وفي الواقع أن ثمة تكهنات من هذا القبيل . فمن المعروف أن المزيد من الشركات القابضة تدخل في ائتلافات مع بعضها البعض لمواكبة التوجهات الجديدة في إبرام الصفقات التي تجعل منها شركات ذات حجم كبير . وقد أصبحت شركة فيليبس محط الأنظار رغم قيمتها في البورصة البالغة 35 مليار يورو ، وذلك لأن لديها فائضا في السيولة بدلا من المديونية الصافية . ففي هذه الأثناء تم التخلص من قسم أشباه الموصلات الذي كان مصدرا للإرباك و الخسائر. كما أنه أصبح من السهل على الشركة أن تنقي نفسها من الشوائب حيث استطاعت أن تجد مشترين ممن لديهم الملاءة المالية اللازمة لشراء أقسام التكنولوجيا الطبية ، وأجهزة الإضاءة . وظلت ماركة فيليبس في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية محط تقدير وإعزاز .
ويمكن لكلايسترلي البالغ من العمر 59 عاما و الذي تم تمديد عقده قبل انتهائه بأكثر من عام حتى أيلول ( سبتمبر ) 2008 – يمكن له أن يفخر بأنه أنقذ شركة كانت تعاني من أزمات متكررة . أما المهمة المركزية الملقاة على عاتقه الآن فهي إقناع البورصة بهذا الانجاز بعد أن فقد سهم الشركة 28 في المائة من قيمته ولا يزال حتى الآن دون المستوى المطلوب رغم التحسن الملحوظ الذي طرأ عليه في الآونة الأخيرة .
لقد كان قسم صناعة أشباه الموصلات هو المسؤول في معظم الأحوال عن إرباك عملية تخطيط العائدات وهو الأمر الذي كان يتسبب في تعرض أسهم الشركة للضربات في البورصة، ووسط عمليات إعادة الهيكلة كان كلايسترلي يسعى لتعويض هذه الخسائر التي كانت شركة فيليبس تمنى بها في قسم صناعة الشرائح الإلكترونية حتى عام 2004 من خلال زيادة أرباح الأنشطة الأخرى . وحتى ذلك الحين كانت البورصات لا تزال تشكك في هذه الإستراتيجية. أما الآن فإن أمام رئيس الشركة فرصة مواتية لإظهار القوة الجديدة التي اكتسبتها شركة فيليبس في هذه الأثناء. وإذا نجح في عملية الإقناع فسيكون بوسعه أن يحقق الصمود المستدام اللازم في البورصة، وعندها لن يكون كلايسترلي بحاجة إلى الرد على الهجمات التي يوجهها الطامعون بالاستحواذ على شركته.