لا تسألني عن الأموال المهاجرة فهي أموال مسروقة
تثير شخصية رجل الأعمال المهندس حسين حسن أبو داود رئيس مجلس إدارة شركة محمد أبو داود للصناعة قدراً كبيراً من الخلاف والجدال في المجتمع الجداوي، خاصة مجتمع المال والإعلام، فهو يعرف بشغفه بالسياسة من خلال كتاباته الساخنة، وفي المقابل هناك الكثير أيضا ممن يدركون حسن نواياه وصدقه ووفائه لوطنه.
من السهل أن تنتاب المرء أنواع الهواجس كافة بشأن النشاط السياسي لرجل الأعمال، لكن ثمة رجال أعمال مخلصين يستحقون الالتحاق بالركب السياسي، وإن اختلفت مع أبو داود حول تاريخهم ونمو أعمالهم وأحقيتهم في الدخول في هذا النشاط.
ترتبط صورة رجل الأعمال حديث الدخول في مجتمع المال في مخيلة بعض الصحافيين والكتاب دائما بالفساد والرشوة ونهب أموال البنوك والاعتماد على النفوذ المالي لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية، وإن كانت هذه الصورة تنطبق على قلة من الشخصيات الملوثة من أصحاب الأيدي غير النظيفة، إلا أن هناك الكثير من رجال الأعمال الجادين الذين كانت لهم إسهامات بارزة، لاسيما في المجال الاقتصادي والاجتماعي والتنموي ولا يستطيع أحد إنكار ذلك.
يسعى أبو داود عبر مقالاته (الساخنة) إلى سد الفجوة يرى باتساعها وفق أطروحات تحمل في طياتها مطالب التنمية وضريبة شهرة المنصب للمسؤولين الذين تعتلي صورهم الصحف اليومية على حساب إنجازاتهم.
اكتنـز أبو داود قدراً عظيماً من الثروة والثقافة في خضم صراع البقاء في عالم الأعمال والتجارة فهو يحمل مؤهلا تعليميا عاليا من جامعة تكساس ـ الولايات المتحدة في الهندسة الكيماوية منذ نحو 36 عاما، إضافة إلى تاريخ حافل في البناء الصناعي، فقد شارك في بناء خمسة مشاريع صناعية. كما يعمل أبو داود عضوا في العديد من المناشط الاقتصادية الرسمية دون أجر منها نائبا لرئيس مركز تنمية الصادرات السعودية عام 1980 ميلادية، وكذلك العمل نائبا لرئيس اللجنة الوطنية الصناعية في مركز الغرف في الرياض منذ عام 1978، إضافة إلى عضوية مجلس إدارة الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس. وللمهندس أبو داود نصيب قوي من المساهمة في الخدمات الاجتماعية، فهو عضو مجلس إدارة بورث الإسلامي (مركز إسلامي خيري) في الولايات المتحدة، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أبو داود الخيرية.. مشوار طويل في حياة المهندس حسين أبو داود خرجت منه بالحوار التالي:
أشاهد الآن تستخرج جهاز تسجيل لتسجيل هذا الحوار - رغم أنني حاورت كثيرين لم يتصرفوا مثل تصرفك هذا - ما القصد...!! هل يعني هذا عدم ثقة في الصحافيين؟
أبداً في النهاية أنا وأنت زملاء في مطبوعة واحدة، حتى وإن كنت أعمل رجل أعمال، وأنا ارتضيت بالحوار الصحافي في جريدة "الاقتصادية" ومعك أنت شخصيا، وأنا أتابع الحوارات التي أجريتها مع رجال الأعمال الآخرين، وأثق في هذه الجريدة كثيرا وأعتبرها بيتي، ودائما ما أرغب أن تكون كتاباتي فيها فقط، مع أنني كتبت في صحف أخرى إلا أنني أفضل أن أكتب في "الاقتصادية" لأنها اختصاصي، فلهذا أحببت أن أسمع وأفرح بصوتك بعد النشر، وليس القصد عدم ثقة إطلاقا.
من أين تتصور أن أبدأ بالسؤال مع حسين أبو داود رجل المال السياسي أو رجل المال المشاغب؟
لست صاحب طموح سياسي، أنا رجل أعمال وبسيط، وأحمد الله على ما أعطاني، ولكن تستطيع أن تقول إن لدي اهتماما بالسياسة منذ صغري. ولأن بلدنا لا توجد فيها أحزاب سياسية ولا أحب أن أنتمي لشيء غير رسمي إطلاقا، فكلنا حزب واحد مع الدولة وليس لدي مشكلة في هذه النقطة، حتى ولو وجدت أحزابا أراها غير ناجحة ولننظر إلى الدول المجاورة. وعادة فإن المنتمين للأحزاب لهم أهداف أو تجد رغبة الشخص أن يلمع صورته أمام الآخرين للوصول إلى منصب معين أو لأغراض مادية.
لكن ألاحظ أن لك مشاغبات صحافية أو مناوشات أو اعتراضات، بمعنى آخر أشعر بغضبك تجاه العديد من المؤسسات الحكومية؟
ماذا تعني بكلمة اعتراضات! أنا أحب أن أشارك في خدمة وطني، وحينما أحس أن هذا خطأ فليس عيبا أن أقول إن هذا خطأ، مشكلتنا هي في مستوى فهم الناس. أنا إنسان عادي أعترض على الخطأ وعلى عدم الإدراك والاهتمام بالمسؤولية وخيانة الأمانة والسرقة. لا بد من إعادة استراتيجية التعامل بين الناس حتى بالضريبة أو الرسوم، فليس من المنطق أن أدفع فاتورة ماء ولدي مسبح يستهلك أربعة وايتات ماء وغيري لديه بيت شعبي يدفع قيمة سعر فاتورة الماء مثلي. يجب أن أدفع أنا أربعة أضعاف ما يدفعه الفقير، أو المواطن البسيط، وحينما تختلف موازين المعاملة سأصرخ، ولك أن تفهمها كما تريد. دعني أعود قليلا لكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في ذكرى البيعة أمام مجلس الشورى، لقد حدد ما يريد وهو واضح في العدالة والتسامح والمساواة ومحاربة الفقر، وتنمية المناطق التي تحتاج إلى التنمية والتطوير، وعدم عزلنا عن العالم الخارجي ومحاربة الإرهاب والفكر الإرهابي، وكذلك محاربة الفساد. يجب أن نلتفت حولها ونؤسس منها استراتيجية وطن، وقد تطرق الدكتور عدنان الشيحة في "الاقتصادية" عن حاجتنا إلى استراتيجية وطنية وأنا من المؤيدين لها وأقول هذا الكلام لأهميته.
وماذا تريد بالتحديد؟
أن تخرج هيئة وطنية يعيّنها الملك من جميع الجهات تحاول أن تطبق رؤية الملك واستراتيجيته، وتضع أهدافا للعشرين أو الخمسين سنة المقبلة، وإلى أين نتجه، وأن نتفق على هذا وكل استراتيجية أخرى يجب أن تعدل لتنسجم مع الاستراتيجية الوطنية الملكية، ويكون هناك تناغم وانسجام بدلا من النشاز القائم، ونرى تطوّرا وتقدّما وكل إنسان في موقعه من مواطن ورب أسرة ومسؤول يعرف إلى أين يتجه في أي تخصص كان، وأي منهم يخرج عن هذه الاستراتيجية يحاسب بمعاقبته بالجزاء المناسب، فالآن الدولة تتطوّر بشكل سريع والشباب كثيرون، فلا يمكننا أن نستمر بالطريقة نفسها التي عشتها قبل ثلاثين عاما مضت ولا أحب أن يعيشها أبناؤنا، بل يجب أن نشارك هؤلاء الناس وأن نحيد كل من وصل لمرحلة من عدم الإنتاجية أن نحيده ونأتي بالشباب، فجامعاتنا وبلادنا مليئة بالمثقفين والخبراء، ولكن البعض منهم يحترق في الجامعة، والبعض الآخر يحترق في البيت. ويجب أن تمنح الوزارات والإمارات صلاحيات أخرى كالفصل والتعيين والمحاسبة والتغيير والتعديل، وتوظيف المتخصصين وتدريبهم والذين تحتاج إليهم، وتستغني عما لا تحتاجه إما بالتقاعد أو تحيله إلى جهة أخرى، فلا يمكن أن تكون الدولة "تكية" لموظفيها، وألا يصبح كل من دخل الدولة هو حزب الدولة ويبقى المواطن هو الذي يغلب، فإذا كنت أنا من سكان جدة وأعجز عن الحصول على مياه لمنزلي، وأنا قادر ولله الحمد، فكيف بالذي يعيش في مدينة صغيرة؟ وأيضا أواجه صعوبة في الوصول إلى مكتبي وذلك بعد مروري بـ 25 مطبا تؤثر في سلسلة ظهري وحالتي الصحية، من أقاضي في هذه الحالة؟ هل أطير بهيلوكبتر؟ كيف تتصور المدن الأخرى؟ يا أخي الوطن أمانة في عنق كل مواطن ومسؤول.
ولكنك تعترض على حق التاجر في الطموح والوصول للأضواء ؟
من حق التاجر السياسي الشهرة "كما تفضلت أنت"، ولكن لا بد أن يكون له هدف، ولا بد أن نعلم نحن ما هو الهدف من الحزب أو المركز الذي يسعى إليه، فأنا شخصيا أرى أن الخدمة العامة هي الهدف الأساسي، وذلك يعني أن تضحي من أجل الآخرين، وألا تكون هناك مصلحة شخصية بحيث تستغلها بامتلاك حقوق الآخرين، أو استغلال المركز لصالح قضاء مصالحك الشخصية، فأنا لست مع هذا الشيء، ولست ضده إذا كان حلالا ومستقيما وهدفه هو الخدمة العامة، مثل ما أسلفت، فما دام هدفك الخدمة العامة فهناك طرقها الصحيحة.
وما أفضل الطرق التي تراها؟
هي الانخراط والعمل من خلال الغرف التجارية ومجلس الغرف، وذلك عن طريق تحسين وضع المناخ الاقتصادي، ولهذا السبب تجدني "ملازم" للغرف التجارية والمؤتمرات والندوات لأكثر من ثلاثين عاما، بحيث أصبحت هي راحتي النفسية دونما التزامي بأحد، رغم أن ذلك أفقدني الكثير من العلاقات، حيث يتجنبك البعض أو يقطع علاقته بك لأنه يراك إنسانا "مشاكسا" أو غير مداهن أو لن يستفيد منك ماديا، وأنا ليس لدي أي غرض شخصي للمسؤول، سواء كان وزيرا أم غير ذلك، سوى الخدمة العامة المهم ألا أكون "شلمة" ولا أدخل في شراكات أو مجموعات.
ماذا تقصد بكلمة شلمة؟
"شلمة " كلمة (حجازية) تعني الإنسان عديم القناعة أو الذي لا يشبع.
بالمناسبة يُقال إن لك رأيا آخر في الأموال السعودية المهاجرة؟
هذا السؤال لن أرد عليه ردا سياسيا أو اقتصاديا، ولكن سأرد عليه كمواطن. هناك بعض الأموال المهاجرة هي أموال مسروقة، فتجد أصحابها يمتلكون خارج الوطن الفنادق والقرى والمصحات وناطحات السحاب، وهذه الفئة من هؤلاء الناس لا تستطيع أن تظهر أموالها داخل البلد، ولكن بصفة عامة كل مستثمر سعودي لو وجد فرصة في شيء واحتاج إليه فهو يستطيع أن يأتي بالمال، سواء الموجودة هنا أو من الخارج، لكن تهيئة جو الاستثمار العام هو المشكلة، ولا تسمع لكل ما يكتب في التقارير أننا وصلنا إلى المرتبة 38 في العالم، سواء من البنك الدولي أو أي بنك آخر، أهم شيء هو ما نراه نحن بأعيننا. نعم هناك تطوير ولكنه بسيط، وليست هذه آمالنا وطموحاتنا لأجيالنا. أسمع هناك من يصفني بأنني متشائم وفقدت الأمل وليس مني فائدة, وأن الأمور ينبغي أن تسير خطوة خطوة، ولكن إلى متى؟ فأنا لو اقتنعت بهذا، فأنا أعتبر فقدت وطنيتي وفقدت نفسي.
أود أن توجز لي أبرز المشكلات التي تواجهكم في القطاع الخاص على شكل نقاط رئيسية؟
المشكلات لا حدود لها، ولكن في المقابل كل مشكلة ولها حل، المهم أن تصدق وتخلص النيات، ولا تنتظر أن تحصل على مقابل أو شهرة أو مكافأة من أجل المساندة في الحل، لأن العمل للوطن وليس لمصلحة شخصية، وإذا رجعت لكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ستجدها واضحة في أن الروتين الحكومي والمشكلة ليست في جهة محددة، ولهذا أنا لا أقول إن الصناعة فيها واحد, اثنين, ثلاثة، أستطيع أن أكرر لكن لا فائدة من ذلك، في الأساس المشكلة في تفكير بعض أبناء الوطن وتقديمهم المصالح الخاصة.
كرجل أعمال صناعي هناك من يرى أن مشروع التمدد الصناعي في السعودية قد توقف؟
للأسف، لقد فقدنا خلال السنوات العشر الماضية الكثير من الصناعة الوطنية والفرص الصناعية بسبب عدم وجود المدن الصناعية المؤهلة. وهذا موضوع يطول شرحه، حيث إن الدولة لو استثمرت خلال السنوات العشر الماضية 5 في المائة أو 10 في المائة مما تم صرفه على المعونات الزراعية السنوية، والتي بلغت ثلاثة مليارات ريال سنويا، أي 300 مليون في السنة، بمعنى أنه في السنوات العشر الماضية يكون قد صرف ثلاثة مليارات، أي ما يعادل صرف معونات سنة زراعية، هذا المبلغ كان يمكن أن يضاعف حجم الصناعة في المملكة، ولكن للأسف تخلى الكثير من الناس عن مشاريع كثيرة لعدم وجود الأراضي والكهرباء وغيرهما، وهذا ليس للمدن الصناعية فقط وإنما هو عامل من العوامل المؤثرة. بالنسبة للمدن الصناعية الآن بدأوا في تطويرها من خلال الهيئة الجديدة، ولكنها تظل مشلولة إذا لم يكن لها ميزانية مناسبة، وسمعنا أن مجلس الوزراء وعد بإمداد المدن الصناعية الجديدة والمطورة والمدن القديمة بالكهرباء والمياه والطرق والخدمات الأخرى، وستتحمل الدولة كل ذلك، وما زلنا ننتظر تطبيق هذا الوعد على أرض الواقع.
كان طموحكم أن تكون هناك هيئة إشرافية وهيئة المدن الصناعية، وكنت أحد المطالبين بهيئة مستقلة، فكيف ترى الهيئة الآن بعد إنشائها؟
منذ ثلاث سنوات والهيئة تتفاوض مع وزارة المالية: هل الأراضي الصناعية ملك الهيئة أم ملك للدولة؟ هذه جزء من مشكلاتنا مع البيروقراطية. وللمعلومية فقد استقال مدير عام الهيئة بعد خمس سنوات من الشلل وانعدام الآليات وعدم توافر الموارد، فهنيئا له لأنه كان موظفا مسؤولا عنده كرامة وحب للوطن ولم يسكت ليحتفظ بكرسيه، لذلك أطالب مع باقي الصناعيين بضم هيئة المدن الصناعية إلى الهيئة الملكية للجبيل وينبع وعندئذ ستنجح. والسؤال الذي فرض نفسه هنا: كيف تُدار المدن الاقتصادية الجديدة التي لا تتبع هيئة المدن الصناعية مثل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية؟ والمدن الخمس الأخرى هل ستدار منفصلة عن وزارة التجارة والصناعة؟ هل ستدار منفصلة عن الوزارات الأخرى؟ هل تدار من قبل هيئة الاستثمار وحدها؟ إذا كان الشلل نفسه الموجود والعوائق الموجودة في الوزارات، والتي يعاني منها المواطن في أنحاء المملكة كافة ستواجه هذه المدينة أو المدن الصناعية الجديدة، فإننا نعتبر أنفسنا لم نفعل شيئا. فالمفترض أن نستفيد من هذه بأن تحل من الأساس، وأنا كثيرا ما أشرت في كتاباتي إلى أن المسؤول وهو في منصبه يكون خائفا من أن "يزعل" منه زملاؤه الوزراء الآخرون، لماذا هذه الوزارة لا "تزعل"؟ وهذا "يكوّش" على وزارة، وذلك يفعل مثله، وكأننا في مدرسة نلعب الكرة ونتنافس من سيكون الحارس، الكل يتعارك على شيء واحد - السلطة، هذا شيء غير مقبول، مضت أعمارنا ونحن نتفرج على هذا الضياع، ويروح وزير ويأتي وزير، ويروح وكيل ويأتي غيره، والمشكلة تبقى على حالها، نتكلم عن توظيف الشباب، عن مناهج التعليم وتطويرها وتغييرها وعن المدن الصناعية وعن هيئة تنمية الصادرات، نعم الآن توجد تغييرات مستمرة، ولكن كان من المفترض أن تكون منذ زمن..
ألا تعتقد أن دمج وزارة التجارة مع وزارة الصناعة سهل الإجراءات؟
أنا لست أدرى إذا كان هذا إصلاحا إداريا، ولكن إن كان كذلك فهو إصلاح إداري غير موفق، كان من المفروض أن تكون هناك جهات أخرى هي التي تلغي أو تضم أو تنسق أو تعاد وليس وزارتا التجارة والصناعة، أي أننا تركنا ما يحتاج إلى إصلاح ولكن فكرة الانضمام شعر بعدها الصناعيون بأنهم ضاعوا، فمثلا هناك هيئة استثمار للأجانب أمامها 30 يوما لتعطي الموافقة ولكنها لا تستطيع أن تعمل شيئا إلا بموافقة وزارة التجارة، فإذا كانت إحدى الجهات مشلولة أو غير موقعة على العقد مثلا فلماذا أنشئت الهيئة، أي هناك ازدواجية، فالمفروض أن تكون "للصناعة والاستثمار" وزارة مستقلة لها سجلها التجاري والصناعي، والتجارة وزارتان: "وزارة للتجارة الداخلية" تهتم بالتموين والغش التجاري والعلامات التجارية وخلافه، "ووزارة للتجارة الخارجية" تختص بالصادرات والمعارض والاتفاقيات الدولية ومنظمة التجارة العالمية.
كيف ترى قوة المنتج السعودي هل ضعف المنتج السعودي أم مازال بقوته؟
كنت أحد أعضاء اللجنة الصناعية في جدة، وما زلت نائب رئيس مركز تنمية الصادرات السعودية، ونائب رئيس اللجنة الوطنية الصناعية، وعضوا في لجنة الغش التجاري، أنا مؤمن جدا بقدرة وجودة وتميز الصناعة السعودية، قد يكون البعض منها يحتاج إلى تطوير وإلى تحسين، هذا يوجد في مختلف البلدان، لكن بصفة عامة عندنا منتجات ذات جودة والكثير من المصانع لديها " الأيزو"، لكن الشيء الآخر الموجود لدينا، والذي يصيب الناس بالذهول هو وجود صناعات في البلد نظامية، ولكنها تنتج مواد مغشوشة ومقلدة، والجهات الحكومية عاجزة عن السيطرة عليها إلى الآن.
كيف يتعامل رجل الأعمال السعودي مع العلامتين التجاريتين المحلية والعالمية؟
تحظى العلامات التجارية بصفة عامة في العالم كله بتقدير واحترام، وأقصد هنا بالتقدير من قِبل المؤسسات الرسمية التي تحميها وتحارب مقلديها. وتعاقب الناس الذين يتورّطون فيها. أما احترامها فهذا ناتج من المدارس والبيت والمراكز التجارية من خلال تثقيف الناس بها وبجودتها، وكذلك بمحاربة المقلد منها، وعدم السماح له بالدخول أمام العلامات التجارية التي أنفقت عليها ملايين وأوجدت لها الاتفاقات الدولية، لكن للأسف الشديد هنا حمايتها سيئة ومفهوم الناس حول العلامات التجارية سيئ أيضا. وهذا يعود لمفهوم العلامات التجارية في حياة الناس وضعف مستوى الثقافة العامة، وتساهل المؤسسات الرسمية في تطبيق الأنظمة وجزاءاتها.
هل واجهتكم مشكلات أمام العلامات التجارية التي تسوّقونها في المجتمع؟
أمامك عشرات الأصناف من منتج "كلوركس" الذي نصنعه ونسوّقه في السعودية ونصدّره أيضا، شاهد كم هي الأنواع المقلدة لمنتجنا، فكر فقط في خطورة هذه المنتجات على صحة الأسرة بكاملها، وهي تمنح الثقة للبائع والثقة للموظف فيما يباع في السوق، وما أثرها في الصناعة الوطنية وعلى الاتفاقيات الدولية. وأقولها بصراحة فإن وزير التجارة والصناعة ووكلاءه وأقسام الغش التجاري يسعون إلى محاربة الغش التجاري والتعدي على العلامات التجارية بقدر المستطاع، ولكن قدراتهم محدودة والسوق كبير ومفتوح.
ولكن العلامات التجارية تحارب في كل مكان حتى في الدول المتقدمة، وأيضا ترصد ميزانيات ضخمة لهذه الشركات؟
نعم، لكن ليس بهذه الجرأة التي تشاهدها هنا، ففي الخارج تجد أن المنتجات المقلدة تسوق في الأحياء الشعبية والأماكن الصغيرة والبعيدة عن محيط المدن الرئيية ومخازن التوزيع الكبيرة، إضافة إلى أن هناك متابعات مستمرة وعقوبات صارمة وتجدها تباع في الخفاء وربما تكثر على منتجات محددة مثل الأجهزة والساعات، لكن هنا تطول الصحة العامة بتحد سافر وتسوق وتباع في جميع المراكز الصغيرة والكبيرة وفي الأحياء الراقية وفي كل مكان.
كم تستقطع المنتجات المقلدة من حصتكم في السوق؟
15 في المائة.
ألا تعتقد أن هذا يعود إلى ضعف ثقافة المستهلك؟
لا تتوقع مثلا مني أو من غيري أن ندخل محلا محترما ونرى مثلا ساعة معروفة عالمية ونعتقد أنها مقلدة، فتقول إن هذا غير مثقف. في الحقيقة هي ليست وظيفتي بل هي وظيفة الجهة المسؤولة عن الغش التجاري وحماية المستهلك.
ولكن صدرت عدة أنظمة من شأنها أن تسهم في الحد من خطورة تلك المشكلة.
لا تصدر نظاما مشلولا وتريد مني المشي. فكثير من الأنظمة يساعد على كثير من الفساد، والملك يريد أن يحارب الفساد. ونحن لا نقول إن كل الموظفين عندهم فساد، لكن الأنظمة وعقوباتها لا تطبق، عدم الثقة في المواطن وعدم الثقة في القطاع الخاص. فالمسؤولية تكون على الجميع وموظف الدولة ليس إلا مواطنا (ومن نحن بدون المواطنين قالها الملك).
هل تقصد بحديثك المختبرات الخاصة؟
نعم هذا الموضوع صحيح، نحن طالبنا من أول يوم طلع فيه نظام المختبرات الخاصة، أنه لا يشجع على قيام المختبرات الخاصة بل كأن مَن وضعه يريد أن يبقي الوطن تحت رحمة وقدرة المختبرات الحكومية التي أثبتت عجزها على مرور السنين، ولقد فكرنا كمجموعة بتأسيس شركة مساهمة مغلقة للمختبرات، لكن للأسف لم نتمكن حتى الآن، ولعل السبب يعود إلى تخوّفنا من النظام، وللأسف أن الذي أصدر هذا النظام ليس لديه فكرة عن العمل التجاري، وما الهدف من إنشاء مختبرات خاصة في المملكة.
السعودة ونظام العمل والعمالة المنزلية والتدريب والتأهيل والاستقدام، مواضيع تعرضت إليها في عدة مقالات في "الاقتصادية" ولعدة سنوات، فهل من جديد؟
هذا شغلي الشاغل ولكن قد نحتاج إلى مقابلة أخرى كاملة لتغطية ذلك وفي فمي ماء وأخاف أن أرمى بقصيدة قصيبية من حبيبنا وأستاذنا ومفكرنا وشاعرنا.