في كل يوم يتغير مالك إحدى شركات الحديد والصلب في العالم

في كل يوم يتغير مالك إحدى شركات الحديد والصلب في العالم

من هو تاتا؟

لم يكن أحد في أوروبا يكاد يسمع شيئا عن هذا الشخص أو هذه الشركة، إلا بعد أن نجحت أخيرا في الفوز بصفقة الاستحواذ على شركة كوروس البريطانية – الهولندية لصناعة الحديد والصلب. وتتفجر الحيوية في هذا القطاع بالتحديد في كل أنحاء العالم ، ففي هذه السنة ويوما بعد يوم تنتقل ملكية إحدى شركات الحديد والصلب من مالك إلى آخر ومنذ أن تمكن لاكشيمي ميتال - الهندي الذي يعيش في لندن - من ابتلاع شركة أرسيلور الأوروبية في الصيف الماضي بعد صراع طويل، لم يعد ثمة ما هو مستحيل فيما يتعلق بالترتيبات بين من يبيعون ومن يشترون .
وفي الحقيقة فإن هناك عملية تركز هائلة يمكن ملاحظتها، وإن كان من الممكن أيضا ملاحظة التغيرات الحادثة في الاستراتيجية. وقد بدأ المشهد الأول في عمليات التركز قبل نحو عقدين من الزمن كنوع من أنواع صراع البقاء في أسواق الحديد والصلب الأوروبية التي كانت الحرب قد غمرها الفساد. ففي ألمانيا مثلا تم في أواخر الثمانينيات اندمج منتجو الصلب الرئيسيين الثلاثة: تيسن وهويش وكروب تحت مظلة شركة كروب.

أما في المشهد الثاني فكان يجري السعي من أجل العثور على إجابة لتطور طلبات القطاعات الشريكة في العمل. فصناعة السيارات و صناعات التعبئة والتغليف في أمس الحاجة إلى الصفائح المعدنية المجهزة والصافية. وكان من بين طالبي منتجات صناعة الصلب شركات كبرى ذات وحدات إنتاجية في أمريكا الشمالية, وآسيا وأوروبا الغربية، وهي في حاجة إلى تزويد مصانعها المنتشرة في جميع أنحاء العالم بالصفائح الفولاذية من أقل عدد ممكن من المنتجين. وكان هنالك أيضا تركز أقوى وسيطرة أشد على السوق في مجال المواد الخام. فالسوق العالمية لخامات الحديد كانت تسيطر على أكثر من 75 في المائة من ثلاث شركات من شركات المناجم، بينما كانت حصة أكبر ثلاث من الشركات المنتجة للصلب إلى ما قبل استحواذ شركة ميتال ستيل على أرسيلور لا تتجاوز 10 في المائة من الإنتاج العالمي من الصلب. وهكذا فقد كانت عملية التركز في صناعة الحديد والصلب متوقعة في السنوات الماضية، وقد اكتسبت بعض الشركات الكبرى أبعادا دولية من خلال استحواذها على شركات صلب أخرى صغيرة ومتوسطة، بحيث استطاعت كل منها أن تزيد من حصتها في السوق إلى نحو 10 في المائة.
وقد كان الهدف آنذاك هو التفاوض مع المشترين والموردين على أساس من الندية والمساواة. وعدد الشركات المرشحة لهذا الدور يمكن حصره في الشركات التي تتوافر لديها أفضل المعارف الفنية والقادرة على تصنيع منتجات ذات جودة عالية، ففي أوروبا كانت هناك شركة أرسيلور التي نشأت عام 2002 نتيجة اندماج ثلاث شركات، وشركة ميتال ستيل التي نشأت بجهود لاكشيمي ميتال خلال سنوات قليلة و ذلك بفضل عمليات استحواذ على شركات كانت في حاجة إلى عمليات إعادة هيكلة في غرب أوروبا وشرقها وفي الولايات المتحدة . أما في آسيا فهناك شركات الصلب الثلاث الرئيسية في اليابان، إضافة إلى شركة بوسكو في كوريا الجنوبية ، وربما شركة واحدة أو اثنتان من شركات الصلب التي نمت في ظل حماية الدولة في الصين ، وهناك في الولايات المتحدة أيضا شركة ( يو إس ستيل ) .
غير أنه لم تعد ثمة أية قيمة لمثل هذا السيناريو. فالإنتاج العالمي من الصلب الذي تطور بخطى واسعة منذ بضع سنوات، وما صاحب ذلك من أرباح طائلة وزيادة هائلة في الطلب على الصلب قد أدى إلى تغير كلي في المنطلقات. فالشركات التي كانت حتى الآن هي اللاعب الرئيسي في مجال إنتاج الصلب أصبحت تخشى على نفسها من الهجمات الناجحة التي شنتها شركة ميتال بهدف الاستحواذ على شركة أرسيلور الأقوى منها فيما تحققه من عوائد ومن مبيعات. ولهذا تحاول الشركات اليابانية والشركات الكورية أن تحمي نفسها من مصير مشابه من خلال الالتزامات المتبادلة والشراكات المتشابكة بين بعضها البعض.
وتأخذ هذه الشركات مثل غيرها من شركات الصلب في الحسبان أن شركة ميتال قد تقوم بضربتها الكبرى القادمة في عام 2008 ، حيث إن القدرات التي تتوافر في شركة أرسيلور – ميتال الجديدة هي قدرات هائلة ، كما أنها تحتل الآن مكانة مرموقة في أكبر أسواق الاستهلاك. وهي تمتلك إضافة إلى ذلك قاعدة تزودها بما تحتاج إليه من المواد الخام وقاعدة إمداد جيدة. أما إذا نجحت عملية الاندماج بين الشركتين اللتين لكل منهما خلفية ثقافية مختلفة، فسيكون باستطاعة أرسيلور – ميتال أن تحقق هدفها المرسوم بمضاعفة طاقتها الإنتاجية ليس في عام 2025، وإنما في أقل من عشر سنوات من الآن.
وهناك أيضا لاعبون آخرون لم يكن أحد يعيرهم أي انتباه إلى ما قبل ثلاث أو أربع سنوات، يتحينون الآن الفرص. ومن هؤلاء على سبيل المثال الشركتان الروسيتان الرائدتان في السوق:
إفراتس وسيفير ستال أو شركات مثل شركة تاتا الهندية. ولم يعد العامل الحاسم في ذلك المنتجات الممتازة وإنما الأسعار المنخفضة للمواد الخام. فمن لم يتكبد في الآونة الأخيرة أعباء إضافية نتيجة لارتفاع أسعار خامات الحديد إلى أكثر من الضعف يستطيع أن يضمن لنفسه أرباحا طائلة، تمكنه من استخدام أفضل أنواع التكنولوجيا في المصانع الجديدة التي قد ينشئها ، أو تمكنه من الاستحواذ على الشركات المنافسة المعروفة بالنوعية الجيدة لمنتجاتها وبسعيها الدائب للتجديد والابتكار .
يضاف إلى ذلك أن صناعة الحديد والصلب التي ظلت أسواق المال لعشرات السنين تعتبرها أحد القطاعات المأزومة، أصبحت الآن جذابة جدا للمستثمرين، وصار بإمكان أي شركة عامة، بالتعاون مع البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط، أن تستحوذ على شركات أخرى طالما كان ثمن عملية الاستحواذ مغريا بما فيه الكفاية. ولأن مجمعات صناعة الحديد والصلب تحقق أسعارا مرتفعة الآن، فقد أصبح هذا المستثمر أو ذاك من المستثمرين الكبار أو هذه الشركة العائلية أو تلك أضعف من أن ترتفع إلى مستوى الأحداث. وهكذا فإن صناعة الحديد والصلب تمر حاليا بمرحلة مخاض. أما إلى أي مدى ستصل هذه الرحلة، فهو ما زال حتى الآن موضع خلاف حتى بين ذوي الاختصاص.

الأكثر قراءة