مختصون يقيِّمون لـ الاقتصادية مخاطر الصدمة النفطية على النمو في بريطانيا ومنطقة اليورو

مختصون يقيِّمون لـ الاقتصادية مخاطر الصدمة النفطية على النمو في بريطانيا ومنطقة اليورو

ارتفعت أسعار النفط بنسبة 12 في المائة منذ بداية العام الجاري لتصل إلى أكثر من 125 دولاراً للبرميل الواحد، ويرى بعض المحللين إمكانية ارتفاع سعر البرميل خلال الشهور القليلة القادمة إلى 150 دولارا.
وخيم القلق على الحكومة البريطانية بسبب الآثار السلبية المتوقعة لارتفاع أسعار النفط العالمية في النمو الاقتصادي البريطاني الذي يعاني أصلاً من تباطؤ، إضافة إلى المخاوف من خطر الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية المتوقعة بسبب زيادة أسعار البنزين القياسية، ومن احتمالية زيادة فواتير الطاقة المنزلية وأسعار الغذاء.
يقول البروفيسور جون ورال الباحث في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية لـ(الاقتصادية): "للقفزة الهائلة في أسعار النفط تأثيرات عدة في الاقتصاد البريطاني الذي يواجه بهذه الأزمة رياحا عكسية قد تعصف بآمال الحكومة في الابتعاد عن حالة ركود اقتصادي.
ونظرا للعلاقة بين أسعار البنزين وسعر النفط الخام، فإذا ارتفع سعر البرميل إلى 150 دولارا، يمكن أن نتوقع أن يرتفع سعر لتر البنزين من 1.34 جنيه استرليني للتر الواحد إلى ما يزيد على 1.50 جنيه استرليني وسيكون لذلك تأثير وخيم في التضخم وثقة المستهلك".
ومن الطبيعي أن يؤدي ارتفاع سعر النفط الخام إلى ارتفاع في فواتير الطاقة المنزلية كالغاز و الكهرباء، وإذا واصلت الأسعار الارتفاع، فقد تسرع بريطانيا إلى إيقاف التدفئة المركزية في المؤسسات والشركات الكبرى والمراكز الحكومية والمدارس والجامعات والمستشفيات ووسائل النقل والمواصلات العامة في نهاية فصل الشتاء الحالي، ومن المرجح أيضا أن ترتفع فواتير الطاقة المنزلية بما لا يقل عن 10 في المائة.
ومن الآثار السلبية أيضا لارتفاع أسعار النفط ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة بنسبة 1 في المائة على أقل تقدير لتصل نسبة التضخم مع نهاية العام من 2 إلى 3 في المائة، وهذا بدوره سيعمل على تآكل قيمة المدخرات لانخفاض أسعار الفائدة، وسيكون من الصعب على بنك إنجلترا المركزي دعم النمو الاقتصادي، فإذا ارتفعت نسبة التضخم لأكثر من 3 في المائة، فإنه من غير المحتمل أن يواصل بنك إنجلترا المركزي سياسة التيسير الكمي.
وستمتد الآثار السلبية لارتفاع أسعار النفط إلى تجار التجزئة كمتاجر الملابس والأجهزة الكهربائية والإلكترونية لمعاناة المستهلك من زيادة الإنفاق الناتجة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة المنزلية ووسائل المواصلات العامة، وهي الاحتياجات الأساسية للمواطنين الذين هم بمسيس الحاجة إلى توفير الأموال اللازمة لدفع قيمة طعامهم وتدفئة منازلهم، ومع زيادة الإنفاق على المستلزمات الأساسية للمواطنين سيقل إنفاقهم على الملابس ووسائل الترفيه والسلع الإلكترونية والكهربائية وغيرها.
وسيضرب التضخم النمو الاقتصادي للعلاقة المباشرة بين الاثنين، وكانت الحكومة البريطانية تتوقع انخفاض نسبة التضخم هذا العام ولكن ارتفاع أسعار النفط ذهب بالنمو البريطاني إلى الاتجاه المعاكس وقلل من احتمالية حدوث انتعاش اقتصادي كان متوقعا نهاية العام الحالي وبداية العام الجديد.
وسيؤثر ارتفاع أسعار النفط على البرامج التقشفية للحكومة البريطانية كما ستواجه المالية عبء ارتفاع أسعار الوقود مع تباطؤ الاقتصاد وخفض عائدات الضرائب وزيادة الإنفاق على إعانات البطالة ودعم أسعار الطاقة المنزلية للمسنين إذ من الصعب على الحكومة التخلي عن التزاماتها تجاه المواطنين أو رفع أسعار البنزين بنسبة كبيرة تجنبا لخطر رد فعل الجماهير الغاضبة من سياسة التقشف ولن تتحمل زيادة جديدة في أسعار الوقود, وتخشى الحكومة من وقوع احتجاجات جماهيرية تؤثر في استقرار البلاد وأمن المواطنين، شبيهة بالتي حصلت في لندن وبعض المدن البريطانية في صيف العام الماضي 2011م أدت إلى نهب وإحراق أسواق عامة وممتلكات خاصة.
ويتوقع ارتفاع أسعار المواد الغذائية للعلاقة الوثيقة بين تكاليف توزيع المواد الغذائية وبين كمية الوقود المستهلك لمركبات التوزيع وحاملات الثلاجات، والمركبات الزراعية والمواد الكيميائية النفطية.
ومن جهته دعا جيمس تشابمان المستشار الاقتصادي في منظمة التعاون والتنمية المواطنين البريطانيين إلى توخي الحذر عند استهلاك المواد الغذائية، وأشار إلى أن كل أسرة متوسطة يمكنها توفير ما يصل إلى ثمانية جنيهات على الأقل في الأسبوع من خلال شراء كميات مناسبة من الغذاء وتخفيض النفايات عن طريق خطوات بسيطة مثل تخزين الفواكه والخضروات في الثلاجة لإطالة أمد صلاحيتها.
وأضاف جيمس تشابمان: "يمكن لربات البيوت توفير 420 جنيهاً في السنة عن طريق ترشيد استهلاك الطعام وعدم شراء أغذية تزيد على حاجة الأسرة".
وأكد تقرير صدر قبل أيام عن منظمة التعاون والتنمية البريطانية أن كمية المنتجات التي تهدر يوميا في المملكة المتحدة أكثر من أربعة ملايين طن من الأغذية الصالحة للأكل، محذراً من ارتفاع أسعار الغذاء بمعدل 5 في المائة هذا العام 2012م إذا استمرت أسعار النفط في الصعود. ويضيف تشابمان: "أخشى من تكرار أزمة 2008م التي أدت إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بنسبة 40 في المائة، بعد وصول أسعار النفط إلى 145 دولاراً للبرميل الواحد".
ولتقييم المخاطر التي تشكلها زيادة الأسعار وتأثيرها المحتمل في الاقتصاد البريطاني والأوروبي يقول ألان موور الخبير الاقتصادي في مجلس صناعات الطاقة البريطاني (EIC): "ارتفعت أسعار النفط مرات عدة في السنوات الأربع الماضية حيث ارتفع سعر برميل خام برنت إلى 147 دولاراً في عام 2008م، وفي عام 2011م رفع تعطّل الإمدادات من ليبيا السعر إلى 127 دولاراً، لترتفع أسعار النفط في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2011م بما يقرب من 35 في المائة، والآن ارتفع السعر للمرة الثالثة إلى أكثر من 125 دولارا للبرميل بسبب التوترات مع إيران".
وعلى الرغم من أن بريطانيا دولة مستوردة للنفط، إلا أن لديها موارد كبيرة في بحر الشمال، قد تعوضها جزئيا من أي خسائر، ولكن المستهلك سيتأثر بلا شك خصوصا أن بريطانيا تأمل في أن ترى انتعاشاً اقتصادياً نهاية هذا العام 2012م. واما منطقة اليورو فهي أكثر عرضة للخطر، وذلك لأن معظم الاقتصاديات هي بالفعل في حالة ركود أو تقلص، والأسوأ من ذلك أن أوروبا هي الأخرى من أكبر مستوردي النفط، فاليونان على سبيل المثال تعتمد بشكل كبير على الطاقة المستوردة بنسبة 88 في المائة، وارتفاع الأسعار حتى الآن سيزيد من جراح اليونان وسيؤدي إلى تفاقم الركود في منطقة اليورو. أما تأثيره في الأسواق الناشئة فإن ارتفاع أسعار النفط يشكل أكثر من تهديد لاقتصاديات تلك الدول المستوردة للطاقة، والهند خير مثال على ذلك ولديها عجز كبير في الحساب الجاري والميزانية وتدعم أسعار الكيروسين والديزل، وهي مطالبة للحد من عجزها المالي، وفي الوقت نفسه يجب أن تستجمع الشجاعة لخفض الدعم على الوقود في ميزانيتها. وستعاني أوروبا الشرقية بشدة ليس فقط من ارتفاع أسعار النفط ولكن أيضا من ضعف أسواق التصدير الأوروبية. وعن السبب الرئيس وراء ارتفاع أسعار النفط وتوقعه بين انخفاض أسعار النفط أو ارتفاعها في الأشهر القادمة يقول موور: "أعتقد أن العوامل الأساسية للعرض والطلب دفعت أسعار النفط إلى نحو 118 دولاراً للبرميل أما الزيادة الباقية فهي بسبب المخاوف بشأن إيران وبرنامجها النووي".
ولا يوجد سبب واحد يدعو للتفاؤل بانخفاض الأسعار قريبا وسط مخاوف من اندلاع حرب مع إيران إلى درجة تهديد الأخيرة لإغلاق مضيق هرمز وهو أمر بالغ الخطورة على الاقتصاد العالمي فيما إذا تحقق، وحتى في حال تأكيد سلاح البحرية الأمريكية من أن مثل هذا التهديد إذا حدث فلن يدوم طويلا، فإن احتمال وقوع ارتفاع جنوني في الأسعار أمر غير مستبعد ويجب أن نتذكر حرب الخليج الأولى حيث ارتفعت أسعار النفط بنسبة 80 في المائة في المراحل الأولى من اندلاعها وبلغ سعر البرميل 200 دولار. وتبقى الخشية قائمة من مواجهة عام آخر من اقتصاد عالمي متعثر بفعل الزيادة المتوقعة في أسعار النفط.

الأكثر قراءة