مجموعة تاتا الهندية للحديد تخطط لأبعد من مجرد تحقيق الأرباح

مجموعة تاتا الهندية للحديد تخطط لأبعد من مجرد تحقيق الأرباح

أخيرا نجحت شركة هندية في تحقيق صفقة استحواذ عالمية بهذا الحجم الكبير... إنها شركة تاتا التي نجحت في الاستحواذ على عملاق الصلب الأوروبي شركة كوروس البريطانية الهولندية مقابل 8.1 مليار دولار.
ورغم ما قد يتبادر إلى الذهن حول شركة ستيل ميتال التي يرأسها رجل الأعمال الهندي الأصل لاكشيمي ميتال وصفقة اندماجه مع شركة أرسيلور للحديد والصلب إلا أن مجموعته تبقى مجموعة عالمية يقع مقرها الرئيس في هولندا بعكس مجموعة تاتا ستيل وهي مجموعة هندية صرفة وتمثل أيقونة الصناعة والاقتصاد الهندي.

إذا دخلت منتزه مدينة جمشيدبور مدينة الحديد والصلب الأولى في الهند تجد تمثالا برونزيا لرجل الصناعة جاميستجي نوسيروانجي تاتـا واقفا وكأنما يحرس مصنعه. وبدأ تاتا مشوار حياته في البداية بتأسيس مصانع للغزل والنسيج وفي عام 1907 افتتح أول مصنع لصناعة الحديد والصلب في القارة الآسيوية، ليقوم بعدها بوضع المخططات الأولى على لوحة رسم لبناء مدينة جمشيدبور التي تحتضن حتى يومنا هذا المقر الرئيسي لأكبر مصانع الحديد في الهند. وكان مما أوصى به تاتا أحفاده قبل موته العناية وصون الشركة في تلك المدينة الصناعية. والتزم الأحفاد بالوصية وعملوا على توسعة المجموعة، لتصبح على ما هي عليه اليوم.

لا تقل إن أحدا لم يكن يعرف خطط "تاتا" وخطواتها, فالذي يعرفه الجميع في تلك المجموعة العصامية هو أن (تاتا ستيل) كانت لها خطط طموحة بأن تصبح أحد أكبر مصنعي الحديد والصلب على المستوى العالمي، وذلك إما من خلال بنائها لمصانع جديدة أو من خلال زيادة السعة الإنتاجية في الهند والخارج بصفقات شراء مصانع أخرى، وذلك على النمط الذي تناشد به استراتيجية ونظرة المجموعة منذ زمن طويل. وحتى مطلع القرن الجديد عمل راتان تاتا على إعادة هيكلة المجموعة، ليأخذ بالمجموعة منذ ذلك الحين إلى طريق التوسع والانتشار. في البداية لم تعكس إنجازاته ذلك الأثر الملموس، حيث قام بشراء أعمال متعلقة بتجارة القهوة والشاي سواء في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو جمهورية التشيك. أولى طلائع المجموعة في عالم الصناعة انطلقت حين عمدت شركة تاتا موتورز لشراء شركة دايو الكورية الجنوبية لتصنيع المركبات الثقيلة في عام 2004, وتلتها بعد ذلك الشراكة مع شركة هيسبانو كاروسيرا إس إيه
الإسبانية لتصنيع الباصات. أما اليوم وبعد 138 عاما من تأسيسها، تمتلك مجموعة تاتا الهندية ما يقارب 100 شركة صغيرة، تتنوع مجالاتها من مزارع الشاي إلى قطاع الفنادق وحتى الصناعات الكيماوية والمؤسسات الإعلامية. هذه الشركات متحدة تحت سقف مؤسستين معروفتين بأن هدفهما الوحيد ليس زيادة الأرباح فقط، بل من أهدافهما دفع عجلة التطور في الهند، لاسيما أن ثلث سكان مدينة الفنون جمشيدبور يكسبون قوتهم من خلال العمل في مصانع الحديد والصلب لمجموعة تاتـا.

لكن نمو (تاتا ستيل) فاق من قبل ذلك بكثير حدود مدينة جمشيدبور. ونظرا لسرعة نمو الاقتصاد في الهند بنسبة تزيد على 8 في المائة يتوقع مجلس الإدارة نمو الطلب على الحديد والصلب في السوق المحلية بنسبة 8 في المائة سنويا خلال العام الحالي والمقبل أيضـا. وإذا أردنا المقارنة فنقول إن الصين يُتوقع أن يزداد الطلب على الحديد والصلب فيها خلال هذا العام بنسبة 13 في المائة وفي العام المقبل بنسبة 12 في المائة. ويتوقع محللون لدى "تاتا" أن يزداد استهلاك الحديد والصلب في الهند خاصة بسبب تصاعد طلب قطاع صناعة السيارات وقطاع الإنشاءات ليصل إلى ثلاثة أضعاف حتى عام 2015. وعلى ذلك قامت المجموعة بالرد السريع من خلال برنامج توسعة ضخم، فافتتحت مصنعا لها في إيران وجنوب إفريقيا، واشترت حصصا في منجم للفحم في أستراليا وبنجلادش. كما استحوذت (تاتا ستيل) على شركة الحديد والصلب الحكومية في سنغافورة (ناتستيل) وفي تايلاند على (ميلينيوم ستيل) والآن توجت سلسلة التوسع الشاسعة بالاستحواذ على المنافسة البريطانية "كوروس".

في الوقت نفسه تعمل "تاتا" على توسعة الطاقة الإنتاجية للموقع الرئيسي (جمشيدبور) لتصل حتى عام 2008 إلى سبعة ملايين طن من الحديد والصلب سنويـا. وفي جاركهاند يقام مصنع بطاقة إنتاجية تبلغ 12 مليون طن, وفي الوقت ذاته يتم العمل على مضاعفة الطاقة الإنتاجية للمصنع المقام حاليا إلى عشرة ملايين طن. وفي شاتيسغارة تبني مجموعة تاتا ستيل مصنعا جديدا تصل طاقته الإنتاجية إلى خمسة ملايين طن من الحديد والصلب في السنة، بينما تبني في أوريسا مصنعا آخر ينبغي أن ينتج في السنة ستة ملايين طن إضافة إلى ميناء كبير.

ولتمويل ذلك كله تتوافر لمجموعة تاتا بجانب القروض البنكية، فرصة استغلال فاعلية المؤسسات الكبيرة في المجموعة: فمؤسسة تاتا وأبناؤه تمتلك حصصا بنسبة 79.5 في المائة من مؤسسة الاستشارات الهندية (تي سي إس - TCS)، الأولى في مجال برامج الكمبيوتر في الهند. هذه المؤسسة الرابحة والمقيدة في بورصة نيويورك أيضا تمتلك قيمة رأسمالية تبلغ نحو 24 مليار دولار. ويتوقع المحللون أن تقوم "تاتا" ببيع حصص لها من مؤسسة TCS من أجل تمويل صفقة الاستحواذ على كوروس.

وبهذه الخطوة تكون التكنولوجيا الحديثة قد قامت بتمويل نظيرتها القديمة. فمن مقرها الرئيسي في مبنى المستعمر القديم في المدينة الكبيرة (بومباي) تسعى مجموعة تاتا إلى المساهمة في نمو وبناء هند جديدة. المتطلبات لتحقيق هذا الحلم كبيرة نوعا ما، فعلى هذا، كيف كان في مقدرة (تاتا ستيل) أن تجلب الأيدي العاملة إليها في بداية القرن الماضي ؟ بهذا الشعار الذي يدفع بالمواطن الهندي لخدمة بلده: "في مصانع الحديد والصلب الهندية يضحي بحياتهم من أجل إنتاج الحديد والفولاذ هؤلاء الأشخاص الذين زرعوا وفلحوا بلادهم من قبل. إن مستوى تعليمهم القوي وحبهم لواجباتهم يتمخّض عنه في الهند جيل جديد، هو جيل: رجال من الفولاذ".

الأكثر قراءة