جاذبية سويسرا تستقطب المهاجرين الألمان

جاذبية سويسرا تستقطب المهاجرين الألمان

حتى السويسريون يتدافعون، يرغبون في أن تكون دولتهم ذات جاذبية كبيرة لاستقطاب المهاجرين، بينما يشتكي آخرون من وجود الكثير من المهاجرين، ويتنازعون بشدة حول اللاجئين المجرمين، ويتحدثون بغضب عن الاستغلال الاقتصادي للمهاجرين. وهنا لا تزال سويسرا معتمدةً أكثر من ألمانيا على الوافدين الأجانب، حيث لا تكفي القدرة المحلية الكامنة من الأيدي العاملة لشغل فرص العمل المتاحة كافة.
لم يكن بالإمكان أن تصبح هذه الدولة الصغيرة قوة اقتصادية متوسطة، لو لم يتم سحب "هنري نستلة" مثلاً من فرانكفورت إلى بحر جنيف، أو لو كان يملك اليوم نحو ربع كافة الموظفين جوازاً أجنبياً، هذه النسبة، التي لم يتم تجاوزها إلا لدى لوكسمبورج، وليخنشتاين.

من الصعب الحصول على الجواز السويسري

وحتى حجم الأجانب، قياساً بالمواطنين، بما يعادل 20.4 في المائة، يُعتبر مرتفعاً جداً قياساً بالمسطرة الدولية. وهنا على المرء أن يؤكّد أن الجواز السويسري باهظ جداً، وليس من السهل الحصول عليه. والبعض لا يريدون الحصول عليه برغم إقامتهم على مدار أعوام طوال هناك، لأن جواز الاتحاد الأوروبي يقدّم مميزات أكبر لدى السفر إلى الخارج.

ولطالما اكترث السويسريون بميزاتهم الاقتصادية عند الفرض الضريبي لدى هجرة الأجانب بصورة غيرة متحيّزة، أكثر من الألمان. وفي السابق، استقطب المرء هناك العاملين كأيد عاملة موسمية للعمل في الإنشاءات، والمطاعم والفنادق، بالأخص من إيطاليا، ومن البرتغال، ومن دول البلقان. ولمثل هذه المناصب المؤقتة، وكذلك لفترات الإقامة الأطول، كان هناك حالات من التقسيم، لمنع "ارتشاح الأجانب" وخلخلتهم مع المجتمع.

الحرية لمواطني الاتحاد الأوروبي

إن هذا النوع من السياسة المتعلّقة بالأجانب بدا وكأنه ذو بصيرة اقتصادية قصيرة، خاصة عندما لم يكن بإمكان المرء إعادة إرسال الأيدي العاملة الأجنبية إلى الوطن بسهولة بسبب المتطلبات الاجتماعية المكتسبة. فقد كانت مؤهلاتهم متدنية، وبالأخص الأيدي العاملة الوافدة من صربيا، وكرواتيا، وكوسوفو، فقد بدا تداخلهم مع المجتمع سيئاً جداً، ولهذا تظهر معدلات البطالة بين أفرادهم الآن مرتفعة.

وما قبل بضعة أعوام، تم تغيير سياسة الهجرة، حيث يوجد اليوم نظام ثنائي، والذي يرفض غير المؤهلين، ومن المفترض أن يجتذب الأجانب المتعلمين. وإضافة إلى هذا، عملت الجهات الخارجية لسويسرا على السير بمحاذاة أوروبا إلى حدٍ ما، وعقدت ميثاقاً ثنائياً مع الاتحاد الأوروبي، الذي يطبّق تشريع الليبرالية المتبادلة للأفراد والصادر في عام 2002 بصورة تدريجية، والذي ينطبق اليوم على دول الاتحاد الأوروبي الـ 25.

ما يزيد على 50 % من المهاجرين ألمان

من يعود أصله إلى إحدى تلك الدول، الدول المشتركة في منظمة التجارة الحرة الأوروبية – Efta، يمكنه أن يتقدّم للحصول على فرصة عمل في سويسرا. بينما الأجانب القادمون من دول العالم الثالث، على سبيل المثال، من يوغسلافيا السابقة، يواجهون صعوبة أكبر في الحصول على إذن إقامة للعمل هناك، ذلك لأن تلاؤمهم مع هذا نسبياً قليل، ومتطلبات المؤهلات عالية.

ويمكن لكل شخص أن يرى ويسمع نتائج سياسة الهجرة الجديدة في كل قطار في زيورخ: حيث تشهد اللهجة الألمانية الفصحى رواجاً كبيراً. فمنذ الليبرالية، وفد نحو 40.000 ألماني، وليس الأطباء فحسب، ولكن المصرفيون، والتقنيون، وغيرهم من الأيدي العاملة المؤهّلة بدرجات علمية عالية. وبلغت نسبة المهاجرين من الألمان العام الماضي نحو 56 في المائة من حجم الهجرة الوافدة الصافية. وتتمركز المجموعة الأكبر من المهاجرين في زيوريخ، بينما يحتلون المرتبة الرابعة على نطاق سويسرا بأكملها بما يعادل 161564 شخصاً، بعد الإيطاليين، ومواطني صربيا - ومونتينجيرو، والبرتغال.

نُدُل من ميكلينبورج

لقد كانت العيادات بالأخص تحت قبضة الألمان، حيث خضع فيها السويسريون بصورة متكررة لأيدي ألمان، بينما يجد المرء الألمان في الوقت الراهن في القطاعات كافة تقريباً. وقد كان المهاجرون لا بد منهم في قطاع المطاعم والفنادق بالنسبة للسويسريين: ولكن استبدل الألمان سريعاً الندل القادمين من يوغسلافيا السابقة، حيث أصبح هؤلاء غير مرغوبين تماماً، بسبب عجزهم اللغوي وأمور أخرى. وفي الغالب تتم الخدمة بصورة جلية الآن في المقاطعات السويسرية نفسها من قبل شباب شرقي ألمانيا، الذين يثنون على الأجور الجيدة، وتشريعات العمل الأفضل هناك.

ولا تأتي الأمور بصورة تقديرية لدى أصحاب الفنادق السويسرية، حيث يستقدمون بالأخص الشباب من ميكلينبورج، وبراندينبورج: إن أفراد شرقي ألمانيا مرغوبون لدى السويسريين، لأن المرء لا يراهم مغرورين مثل القادمين من غرب ألمانيا. ولكن أولئك أيضاً، خاصةً عندما يكونون سليطين، ويبرزون براعتهم اللغوية باللهجة الألمانية الفصحى، عندها لا يكونون مرغوبين إلى حدٍ كبير لدى السويسريين، وهذا ما يؤكّد عليه بعض المهاجرين الشباب الآن. وفي كرة القدم يشجّع المرء الإيطاليين بصورة خاصة، برغم أن السويسريين سابقاً لطالما عاملوا الأيدي العاملة الإيطالية بفوقية، وكانوا يدعونهم باشمئزاز "تشينجيه" وهي مفردة للاستهزاء بهم.

الخوف من البطالة العمالية

لقد كانت مسألة لبرلة التوظيف مع الاتحاد الأوروبي مسألة نزاعية في البداية. فقد خشي المرء، من أن يعمل الأجانب على الاستيلاء على فرص العمل الخاصة بالسويسريين، والعمل على الضغط على الأجور، ورفع معدلات البطالة العمالية. لقد كان الخوف كبيراً بصورة خاصة، عندما تراجعت أولوية المحليين في عام 2004 عقب عامين من العمل بالعقد. بينما كان توظيف الأجانب في السابق لا يُسمح إلا عندما لم يكن يوجد مواطن محلي يتلاءم مع المنصب.

وقد كان الخوف بصورة عامة غير مبرر، كما أشار التقرير الدوري الثاني الأخير للأمين العام الحكومي للاقتصاد (سيكو – Seco)، ودائرة الاتحاد للهجرة. ويُعزى ذلك، إلى أن الدولة عملت على زيادة حدة الضوابط ضد هبوط الأجور. وإلا لحاربت المجتمعات المهنية بمذكرة شعبية استعلامية لبرلة التوظيف.

الهجرة حسب متطلبات الاقتصاد

لقد ارتفعت نسبة البطالة العمالية عقب الهبوط الأكبر في الوضع الاقتصادي عام 1999/2000 حتى عام 2004 إلى قيمة عادلت نحو 4 في المائة. ومنذ ذلك الحين إلى الآن انخفضت إلى نحو 3.1 في المائة. لقد بدا التراجع أبطأ مما كان في الدورات الاقتصادية الماضية، ولكن لا يزال من غير الواضح، فيما إذا كان هذا يعود إلى هجرة الأجانب، أو خصائص الازدهار الحالي. ولكن يمكن القول إن البطالة العمالية بين المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي مرتفعة.

وتتطوّر الهجرة قياساً بمتطلبات الاقتصاد: يفد المزيد من الأيدي العاملة المؤهّلة، بينما ينخفض عدد غير المؤهلين. وارتفعت هجرة مواطني الاتحاد الأوروبي بقوة بناءً على هذا، ولكنها ضعُفت من جديد لاحقاً. وفي المقابل يتدفق دوماً مهاجرون أقل من دول العالم الثالث، ولهذا انخفض معدل هجرة الأجانب إجمالاً منذ عام 2002. والمجموعات الإقليمية، التي توجد لفترة انتقالية، يتم استغلالها بالكامل فقط لدى الأجانب الذين يملكون فترة إقامة تستمر حتى خمسة أعوام، ولكن ليس لدى الأجانب الذين يُقيمون ما يقل عن عام واحد.

لا رفض للأيدي العاملة السويسرية

لم تشهد سويسرا حتى هذا اليوم رفضا للأيدي العاملة السويسرية. ففي كل نشاط عملي، الذي تم توظيف المزيد من الأجانب فيه، ارتفع معدل التوظيف المحلي بصورة عامة. وهنا كان يدور الأمر حول التحوّل أكثر إلى نشاطات العمل ذات المؤهلات العلمية المرتفعة. وبهذا فقد انخفض عدد السويسريين وأجانب الاتحاد الأوروبي في مجموعات المؤهلات المتدنية في الفترة ما بين عامي 2003 و 2005 مثل الأيدي العاملة المساعدة، وموظفي المكاتب، أو في الأقاليم الزراعية.

وفي المقابل، كان هناك نمو قوي مواز في المهن التقنية، خاصةً لدى فرص العمل الأكاديمية فقد ارتفع عدد السويسريين العاملين نحو 27 ألفا، وأجانب الاتحاد الأوروبي نحو تسعة آلاف. ولكن حتى الآن لم تتمكن القوى العاملة الأجنبية من اقتحام دائرة القوى الإدارية الرئاسية: المناصب الـ 1000 الإضافية في هذه المجالات تُستغل لصالح السويسريين وحدهم. وفي الوقت نفسه، فإن سويسرا تشهد عدداً كبيراً من الأجانب لدى مديري المجموعات: حيث يُدير مجموعة نستلة النمساوي بيتر برابيك، وبنك كريديت سويس الألماني أوسفالد جروبل.

معدلات نمو أعلى من ألمانيا

لقد حققت سويسرا، التي كانت لا تزال في فترة التسعينيات تمثّل ضوءا خلفيا في أوروبا، منذ عامين معدلات نمو مرتفعة أكثر من ألمانيا. ويتوقّع المتفائلون لعام 2006 نمواً فعلياً يُقدّر بنحو 3 في المائة. وحتى الآن بالكاد برزت المناقشات حول فما إذا ساعدت هجرة الأجانب المؤهلين جيداً، إضافة إلى النقلة في الحجم التصديري إلى تحقيق هذا النمو. والتحفظ مفهوم: بالتأكيد سيُحبط السويسريون إذا ما عمل المرء على إثبات أن الألمان طبعاً هم من عملوا على جعل الاقتصاد أكثر إنتاجاً.

ويؤمن الخبير الاقتصادي هانس بيتر هواشير، من البنك الكبير، يو بي إس - UBS ، بأن العلاقة ما بين المؤهلات الأعلى للمهاجرين، والنمو المرتفع أكثر على أنها معقولة. "من وجهة نظر اقتصادية، فأنا أعتقد أن العلاقة منطقية تماماً"، بينما يشير الخبير الاقتصادي المسؤول في السكرتارية الحكومية للاقتصاد السويسري، أيمو برونتي، إلى أن الوقت لا يزال مبكراً، لإثبات مثل هذه العلاقة بطريقة علمية. "ولكنني أفترض، أن لبرلة التوظيف كانت أحد أهم الإجراءات، التي اتخذتها الحكومة في النمو"، حسبما ورد عن برونتي.

الأكثر قراءة