عندما تتحوّل آسيا إلى الثراء لن تفتقر أوروبا
كتاب جديد ظهر في الأسواق الألمانية: المؤلف هو جابور شتاينجارت، والكتاب هو الحرب العالمية على الانتعاش الاقتصادي، وبالطبع لا داعي للسؤال حول حقيقة تغيّر الاقتصاد العالمي خلال الثلاثين عاماً الماضية، ومنذ عشرة أعوام كنت أناقش في إحدى محاضراتي مسألة الاقتصاد العالمي، وكيف يمكن أن يكون تأثيره، وخاصةً عقب سقوط الستار الحديدي في أوروبا، ومشاريع إعادة الهيكلة في الصين إبان فترة حكم الرئيس السابق (دنج زياو بنج) وانفتاح نحو 40 في المائة من السكان في الهند على مجالات العمل الدولية.
وعندما تحقق القارة الآسيوية تنمية وانطلاقا فإن هذه الأمر يبعث على الابتهاج، إضافة إلى أن الصين تنجح في تحقيق معدلات النمو المرتفعة لحجم الناتج المحلي الإجمالي بما يعادل 10 في المائة سنوياً وكذلك فرص العمل الجديدة، وإنقاذ نحو 400 مليون إنسان من الفقر بما يقل عن دولار يومياً. وإن لم تكن هذه إشارة إلى أن الدول الصاعدة على خلاف ما يُخشى من المنظمات غير الحكومية، تحظى بميزة هائلة عن طريق أسواق توزيع العمل الدولي، فما هي إذاً؟
ويبني شتاينجارت على نجاح الصين الاقتصادي حافزه الأساسي للتهديد الذي يحوم حول الشركات الغربية. ولكن يمكن القول إن مثل هذه المشاهد التهديدية ليست جديدة. ففي فترة الستينيات، والسبعينيات، كانت اليابان، وفي السبعينيات كانت كوريا، حيث تم تفسير حجم التصدير المتزايد لديهما بصورة عاصفة على أنه هجوم على المركز الأوروبي والأمريكي. إلا أن هذا التوعد لطالما نُسي أمره منذ أمد. وإذا ما أخذ المرء بعين الاعتبار مقارنة حجم النمو الضخم للتصدير الياباني منذ عام 1955، حينها يتبيّن أن حجم التصدير الصيني الفعلي حتى الآن ليس أقوى من الياباني. وعلى نحوٍ مماثل، تظهر المقارنة مع كوريا منذ عام 1965. أي: سبق أن كانت الحال على هذا الشكل منذ زمن.
ولكن ما يغيب لدى شتاينجارت هو أنه مع النمو الاقتصادي في آسيا تنشأ أسواق جديدة، تُقبل على منتجاتنا التصديرية، وبالأخص السلع الاستثمارية. وبالتالي تنمو بالنسبة لنا ميزة عن طريق توزيع العمل مع تلك الدول، وانتعاشنا ينمو، وإضافة إلى هذا، بالكاد يمكن للنمو الصيني أن يتقدم أكثر ضمن المعدلات الحالية: حيث ستظهر الاختناقات التزويدية، ولا بد من العمل على كبح الأضرار التي تلحق بالبيئة.
وتجري نحو 70 في المائة من التجارة العالمية اليوم ما بين الدول الصناعية. وهذه التجارة لا تقوم على مبدأ التبادل المختلف للسلع ولكن سلعاً متشابهة، فمثلا شركة نيسان اليابانية تتوجّه إلى ألمانيا، وبي إم دبليو- BMW الألمانية إلى اليابان. ويعود نحو 75 في المائة من التجارة الألمانية على هذه الأصناف إلى التجارة المتداخلةً. ويرجع هذا إلى أن الناس يحبون التنويع والتغيير ويمكنهم عن طريق إنتاج بعض الدول الأخرى الحصول على ميزات أكبر بتكاليف أقل. إن هذا النوع من المتاجرة ينمو مع تزايد انتعاشه الاقتصادي. ولكن المهم أنه عند القيام بهذا النوع من المتاجرة، من المفروض ألا يتقلّص قطاعنا، عندما يتوسّع القطاع نفسه في آسيا، حيث يمكن لكلا القطاعين النمو في الوقت نفسه.
لكن الخبراء الاقتصاديين لم يؤكدوا قط، أن كافة مجموعات المجتمع يكسبون من التجارة الخارجية. إن الدولة الواحدة تعيش بنفسها الفوز بالانتعاش الاقتصادي، ولكن أقل من الأيدي العاملة المؤهّلة، والتي تفوز في الصين، ولكنها ترزح تحت الضغط لدينا، إلا إذا تمكنا من تحقيق قطاعات لهم ليست ملموسة من قبل التجارة الخارجية، منها الخدمات الإنتاجية، وتعزيز فرص العمل. وحتى الدولة الواحدة لا يمكنها أن تفوز، عندما تضع يديها في جيوبها. لطالما كان التحوّل الهيكلي شرطاً ضرورياً للاقتصاد المفتوح.
وهنا من المفترض أن ننجح، في تأهيل الناس بصورة أفضل. وأن نتوصّل إلى منتجات جديدة للسوق العالمية عن طريق التحديثات. ولكن للأسف فإن مؤسساتنا ليست مناسبة لهذا، ولا حتى إجراءات اتخاذ القرار في الشركات، ولا أسواق العمل، ولا حتى الجامعات.