كأس العالم للمشردين تفتح باب الأمل لتوطين اجتماعي جديد
موجة من الفرح وصيحات البهجة تعم المدرجات المغمورة بماء المطر، أطلقتها مجموعة المشجعين الدنماركيين الصغيرة في مباراة منتخب بلادهم أمام المنتخب الألماني، التي انتهت بهزيمة الأخير بنتيجة 6/5 أمام الفريق المرشح للفوز باللقب. لقد كانت هذه أول هزيمة للمنتخب الألماني على الإطلاق في بطولة كأس العالم للمشردين التي تقام لأول مرة في مدينة (كيب تاون) في جنوب إفريقيا. في بطولات كأس العالم السابقة كان وضع المنتخب الألماني مختلفا تماما، فقد كان الألمان المنتخب الأضعف من بين كل المنتخبات، وأفضل مرتبة حصل عليها كانت المرتبة السادسة عشرة.
بطولة العالم الرابعة في كرة القدم للمشردين Worldcup of Homeless لا تجمع كبار النجوم من عالم كرة القدم، ولكنها بطولة تولد في نفوس الـ 500 مشارك من متشردين وأطفال شوارع في 48 دولة حبا واحدا هو حب الفوز وإثبات الذات. وبالدرجة الأولى تلعب أكبر بطولة عالم للمتشردين تقام لحد الآن دورا مهما لكافة اللاعبين المشاركين سواء كانوا من أفغانستان، أو ليتوانيا، أو هونج كونج أو إيطاليـا في توثيق عامل مشترك واحد: فهؤلاء لم يعيشوا في حياتهم العادية أي لحظات فوز حقيقية. والآن هاهم يُحتفل بهم من قبل ألفي مشاهد في الساحة أمام بلدية كيب تاون في جنوب إفريقيا.
في هذه البطولة لا يحتاج لاعبو كرة قدم الشوارع إلى ملاعب رياضية، فالمباريات تقام على ملاعب صغيرة مفروشة بأرضية بلاستيك، وفي شوطين مدة كل منهما ست دقائق يلعب كل فريق بثلاثة لاعبين إضافة إلى حارس مرمى، والفائز بالنقاط هو في النهاية بطل العالم. لقبا البطولتين السابقتين فاز بهما المنتخب الإيطالي.
في الحقيقة، ينبغي على الكثير من المتشردين أن يحصلوا على تلك الفرصة للمشاركة في هذه المسابقة السنوية، ولكن الكثير منهم لا تنطبق عليهم شروط المشاركة عندما يرجعون إلى ديارهم، فكرة القدم أعادت في أنفسهم وازع الرجوع إلى الحياة الطبيعية المنتظمة. فمن يشارك في العادة في هذه البطولة هم أطفال الشوارع بائعو الجرائد الذين لا يجدون مأوى لهم ويعيشون في الشوارع .
ويقول المنظمون إن ثلاثة أرباع اللاعبين المشاركين في البطولة تتغير حياتهم بعدها وبسببها. لكن جو تاين مدير الفريق الألماني والمشرف الاجتماعي والمرشد الديني للفريق لا يبدو واثقا من نتائج استبيانات بطولة العالم، ولهذا السبب يدعو إلى إجراء دراسة في جامعة "كيل" حول فعالية البطولة في إعادة دمج المشاركين في الحياة العادية من الناحية الاجتماعية، إلا أنه من جانب آخر يؤكد أن البطولة تغير بعض الشيء في أنفس المشاركين.
مثال لما نقول هناك شتيفان فوس قائد فريق المشردين الألمان يبلغ من العمر 24 عاما. أراد بعد انتهاء دراسته مواصلة مسيرته في لعب كرة القدم لكنه انحرف عن هذا الطريق وأدمن الخمر والمخدرات. ويقول شتيفان: " "لقد كانت كرة القدم كل حياتي. صحيح أنني انحرفت في البداية لكنني عدت الآن إلى طريق الاستقرار". ويعتزم فوس بعد عودته من جنوب إفريقيا الالتحاق بإحدى ورش الدهان للتدريب على هذه المهنة، وإذا سارت الأمور على ما يرام فسيلتحق بعد سنة بأحد مراكز التدريب المهني لتعلم حرفة. أما اليوم فيلعب فوس كرة القدم بصورة منتظمة مع زميله سليمان بالتا أوغلو. وهذا هو الحال أيضا مع البعض منهم الذي استطاع أن يلتحق ببعض الأندية النظامية أو أن يلعب في فرق المشردين التي أخذ الإقبال عليها يزداد في الآونة الأخيرة.
في هذا العام تجرى المسابقة في الدولة التي انطلقت منها فكرة تنظيم البطولة أصلا و هي جنوب إفريقيا التي حصلت في العام الماضي على معونة مالية من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA بقيمة مليون فرنك سويسري. انطلقت فكرة بطولة كأس العالم لكرة القدم للمشردين في المؤتمر الذي أقيم في عام 2001 للصحف المهتمة بشؤون المشردين في مدينة كيب تاون وأقيمت البطولة لأول مرة في عام 2003 في مدينة جوتنبيرج في السويد.
في ألمانيا تتجه الأفكار إلى استغلال كرة القدم كمشروع يخدم في تحسين الأوضاع الاجتماعية، مبني على أساس ثابت. ويرى تاين أن من الوسائل المجدية تأسيس دوري محلي لمثل هذه الفرق والأندية. ولكن المشكلة التي تواجهها فكرته هي –كالعادة - الأموال والممولون. مشاركة المنتخب الألماني في البطولة مع أسعار تذاكر الطيران كلفت ما يقارب عشرة آلاف يورو، جُمعّت بصعوبة من ممولين ومعونات. فمقارنة بإنجلترا حيث يدعم مانشستر يونايتد المنتخب الإنجليزي، وفي إسبانيا حيث يعمل ريال مدريد على تطوير كرة قدم الشوارع، تفتقر ألمانيا إلى مثل هؤلاء الممولين المهمين على الرغم من جميع المحاولات المبذولة.