فعاليات خليجية تنتقد "الهرولة" الثنائية لتوقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة

فعاليات خليجية تنتقد "الهرولة" الثنائية لتوقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة

فعاليات خليجية تنتقد "الهرولة" الثنائية لتوقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة

انتقدت فعاليات اقتصادية وتجارية خليجية شاركت في الندوة الرمضانية السنوية التي نظمتها جريدة "الاقتصادية" تحت رعاية الفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي ما وصفته بـ "هرولة" بعض دول الخليج للتفاوض مع الولايات المتحدة بشكل ثنائي بشأن إقامة منطقة تجارة حرة، واعتبرت أن الاتفاقية تحمل خسائر عديدة لدول مجلس التعاون أكثر من فوائدها بعدما نجح الطرف الأمريكي في اختراق صفوف دول المجلس، ويحاول فرض شروط سياسية وصفوها بالقاسية.
ودعت الفعاليات، التي ضمت مسؤولين حكوميين ورجال أعمال واقتصاديين، وفود دول المجلس المفاوضة (الإمارات، البحرين، وسلطنة عمان) إلى الضغط لإدخال منتجات مشتقات البترول في الاتفاقية، باعتبارها ركيزة الصادرات الخليجية، بعدما تسربت أنباء عن أن الطرف الأمريكي يسعى لاستبعادها من الاتفاق.
وطالبت بإعداد فرق للتفاوض على قدر كبير من الاحترافية والمهنية، والاستعانة بالخبرات الخليجية الشابة التي تلقت تعليمها في الجامعات الأمريكية وعلى دراية بالعقلية الأمريكية، إضافة إلى أهمية إشراك رجال الأعمال والتجار في المفاوضات.
بدأت الندوة بتساؤل حول المغزى من الإصرار الأمريكي على التفاوض المنفرد وليس الجماعي مع دول الخليج، رد عليه الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي بالقول: إن الولايات المتحدة تبحث عن مصالحها، وهي في ذلك تلجأ إلى فن التفاوض وليس "الهرولة" كما "يهرول" لها الآخرون، في محاولة لتحقيق النتائج والأهداف التي تسعى إليها، ومن هذا المنطلق أصرّت على التفاوض الثنائي مع كل دولة خليجية على حدة حتى تكون بمنأى عن التكتلات التي يمكن أن تقف حجر عثرة أمام مصلحة رجل الأعمال الأمريكي.
ومن حق الولايات المتحدة أن تلجأ إلى هذا الأسلوب في التفاوض، لكن نحن كخليجيين سنكون الخاسرين باتباع التفاوض الثنائي، وربما لهذا السبب احتجّت السعودية، على اعتبار أن الاتفاقيات الثنائية ليست من مصلحتنا كخليجيين، وإن لم يحل وللبعض هذا العتب، لكن الحقيقة أن المملكة محقة في عتابها برؤيتها أن الثنائية والانفرادية تحمل خسائر لدول الخليج، فالمفاوض الأمريكي يستخدم أدوات التفاوض السليمة كافة للحصول على أكبر قدر من المكاسب، بعكس فريق كل دولة خليجية مفاوضة، والذي غالبا ما تنقصه الخبرة والاحترافية، بل كثير من أعضاء هذه الفرق لا يمتلك لغة إنجليزية جيدة تمكنه من فهم تكتيكات المفاوض الأمريكي. ولهذا السبب أدعو إلى أن تكون الفرق المفاوضة متخصصة ومرت بدورات تدريبية كافية تؤهلها لفهم التكتيكات التي يلجأ إليها المفاوض الأمريكي والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. وهنا يمكن الاستعانة بالشباب الخليجي الدارس في الجامعات الأمريكية، والقادر على فهم العقلية الأمريكية وليس العقول القديمة، وكما أقول دوما فإن مجلس التعاون بحاجة إلى "انتفاضة شبابية" تقود مسيرة المجلس، فهي الأقدر في الفترة الحالية على فهم التغيرات التي تمرّ بها المنطقة والعالم.
من هنا أعتقد أن الولايات المتحدة استطاعت بإصرارها على التفاوض الثنائي أن تخترق صفوف اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي من العمق، المتمثل في الاقتصاد الذي هو ركيزة التنمية. ولو كان هناك إصرار خليجي في المقابل على التكتل واتخاذ موقف خليجي جماعي، لكان موقفنا أقوى بكثير في نظر المفاوض الأمريكي، لأن هذه النوعية من الاتفاقيات ليست من مصلحتنا، بدليل ما يُقال عن أن صادراتنا الأساسية من منتجات البترول ومشتقاته خارج الاتفاقية وهو ما يؤكد أن الولايات المتحدة تحمي أسواقها عكس ما تردده دوما من أنها حامية السوق المفتوحة وراعية التجارة الحرة، فهي على العكس تفرض ضمانات وشروط لحماية مصالح تجارها ورجال أعمالها. وهنا أيضا أتساءل: هل الاتفاقية تنص على السماح للبضائع والسلع الإسرائيلية بدخول أسواقنا الخليجية كما يُقال؟!
كل هذه المعطيات تدعونا للتشديد على أهمية التكتل الاقتصادي والسياسي الخليجي في عالم لا مكان فيه للانفرادية والضعفاء، فالدول الأوروبية رغم قوة كل دولة فيها منفردة، إلا أنها نجحت في تكوين تكتل سياسي واقتصادي واحد. لذلك ندعو إلى وضع أسس لتكتل اقتصادي خليجي قوي ومناقشة وضعية الدول الأعضاء في الاتحاد والتي لديها ظروف تدفعها لتوقيع اتفاقيات منفردة مثل وضعية دولتي البحرين وعمان في مفاوضتهما مع الولايات المتحدة بشأن إقامة اتفاقية تجارة حرة شريطة، أن يتم النقاش داخل مجلس التعاون، وأن يتفهم المجلس ظروف كل دولة ويرخص لها بالتفاوض أو السير في المسار الذي تختاره بعد فهم ظروفها، لكن لا مجال لأن تسلك أية دول مسلكا منفردا من دون التشاور مع بقية الدول الأعضاء.

تكبيل خطط التنمية لـ 10 سنوات مقبلة
الشيخ خالد بن زايد بن صقر آل نهيان رئيس مجلس إدارة شركتي "سلامة" وتمويل "بدأ حديثه بطرح مجموعة من التساؤلات منها: ما الفوائد التي ستجنيها دولة الإمارات ودول الخليج الأخرى من اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة؟ هل أعدت دول الخليج دراسات وافية قبل الدخول في التفاوض؟ وهل دخلت التفاوض بشكل سليم؟
لا خلاف على أن الدخول في اتفاقيات مع الشركاء التجاريين الرئيسين أمر مهم لتسريع وتيرة نمو الاقتصاد، لكن للأسف عندما بدأنا التفاوض للتوصل إلى مثل هذه الاتفاقيات بدأناها مع الولايات المتحدة، صاحبة أكبر وأقوى اقتصاد في العالم، ولم نبدأها مع أستراليا مثلا، ثم هل قمنا بتقييم وتحديد أهدافنا من المفاوضات، ذلك أن القدرة التنافسية لصادراتنا تنحصر إما في الطاقة أو في منتجات البتروكيماويات التي تستفيد من الطاقة، مثل الألمنيوم، وللأسف هذه المنتجات خارج دائرة التفاوض مع الجانب الأمريكي. ولذلك أتساءل: ما الذي سنكسبه إذاً من الاتفاقية إذا استبعدت صادراتنا الأساسية التي لنا فيها قدرة تنافسية؟ وما الفائدة من الاتفاقية؟ إن دولا عديدة ومنها الهند والبرازيل تصر على إدخال المنتجات الزراعية في مفاوضاتها لأنها أساس اقتصادياتها.
من هنا يجب النظر إلى ميزان التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، ووضع خطة لما ينبغي عمله للسنوات العشر أو العشرين المقبلة، لأن هذه المفاوضات تعتبر تكبيلا لخطط التنمية للسنوات العشر المقبلة على الأقل، لأننا لم نراع في التفاوض آفاق صادراتنا لسنوات مقبلة.
ثمة نقطة أخرى تتعلق بدور رجال الأعمال، وأعتقد أن مشاركتهم كانت محدودة للغاية ولم تتعد آراءهم في وسائل الإعلام، وهو ما يشير إلى أننا لم نستخدم كل أدوات الضغط في التفاوض على الرغم من أننا سنفتح أهم القطاعات الاقتصادية أمام التجار ورجال الأعمال الأمريكيين، مثل قطاعات الخدمات والمصارف والاتصالات. بالتأكيد تراجعت "الهرولة" التي كانت سمة المفاوضات في البداية مع مجيء الشيخة لبنى القاسمي وزيرة الاقتصاد، وإن كنت أعتبر أن السبب في تراجع وتيرة السرعة في التفاوض إلى ما أسميه بـ "الصفعة الأمريكية" في صفقة "بي آند أو" التي اشترتها موانئ دبي، والتي جعلتنا نعيد النظر في التفاوض ونتريث كثيرا بدلا من الهرولة التي كانت قبل عام.
أما القول إن الإمارات ودول الخليج ستحصل على فوائد جمة قياسا بدول وقعت اتفاقيات مشابهة مثل الأردن التي ارتفعت صادراتها من 100 إلى 500 مليون دولار، فهو كلام ينقصه الدقة لأن السؤال: ما القيمة المضافة التي استفادت منها الأردن؟ في الحقيقة لا تتجاوز 10 في المائة، بل فرض عليها أن تكون القيمة المضافة أقل من إسرائيل. والأكثر من ذلك أن شركات هندية عاملة في مجال تصنيع الملابس نقلت مصانعها من الإمارات إلى إسرائيل، ودخلت الأردن بهدف الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة لدخول السوق الأمريكية. ومع ذلك وضعنا في الإمارات مختلف تماما عن وضعية الأردن، لأن اقتصادنا لا ينتظر الاستثمارات الأمريكية مثل الاقتصاد الأردني، بل على العكس نحن دول مصدّرة للاستثمارات إلى الولايات المتحدة، وهنا السؤال: ما الذي سنستفيده من الاتفاقية؟ هل وضعنا القوانين والتشريعات التي تحمي الصناعات الوطنية في حال واجهت إغراقا من الشركات الأمريكية وما أكثرها؟ لقد أغلقت شركتان وطنيتان كانتا تعملان في مجال المشروبات الغازية فور دخول شركتي كوكاكولا وبيبسي كولا، بعدما قامت الشركتان الأمريكيتان بحرق الأسعار ولم تكن لدينا القوانين الكافية وسريعة التطبيق لحماية الشركتين الوطنيتين.

لم تفرض علينا الضغوط
تدخل عبد الله آل صالح وكيل وزارة الاقتصاد الإماراتية لشؤون العلاقات الاقتصادية والتعاون الدولي للرد على ما جاء في طروحات كل من الفريق ضاحي خلفان والشيخ خالد بن زايد. واعترف في البداية بوجود قصور في التواصل مع مجتمع الأعمال لما يقوم به المفاوض الإماراتي في المفاوضات مع الولايات المتحدة، وتوضيح الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وإن قال إن لقاء جمع مسؤولين في وزارة الاقتصاد مع المجلس الاقتصادي في إمارة دبي، تغيرت بعده رؤية رجال الأعمال الذين كانوا يوجهون انتقادات للوزارة بأنها تهرول للمفاوضات.
وحاول آل صالح الإجابة على التساؤلات التي طرحت حول الإصرار الأمريكي على التفاوض مع دول الخليج بشكل منفرد قائلا: إن استراتيجية الولايات المتحدة تستهدف إقامة مناطق تجارة حرة مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بهدف إدخال أسس ومبادئ التجارة الحرة والسوق المفتوحة، والبدء في مفاوضاتها على مراحل مع دول المنطقة، بحيث يتم التفاوض في البداية مع الدول الأكثر انفتاحا في درجة حرية التجارة والتنمية الاقتصادية، ولديها قوانين وتشريعات متقدمة. وبدأت الولايات المتحدة في منطقة الخليج بدولتي البحرين وسلطنة عُمان ثم الإمارات، وإن كانت دول الخليج كافة قد قبلت التفاوض مع الولايات المتحدة، التي يوجد بها معارضة أيضا داخل الكونجرس تجاه إقامة مناطق تجارة حرة مع دول ومناطق معينة. وصوّت الكونجرس بعدد بسيط من الأصوات لصالح المفاوضات مع البحرين وعمان، وأعطيت مهلة زمنية للإدارة للانتهاء من التفاوض منتصف العام المقبل، بحيث يجري سحب الموافقة وإعادة النظر في التفاوض ما لم يتم التوصل إلى اتفاق في هذه الفترة، وهو ما يدل على وجود معارضة أمريكية للاتفاقية.
والحقيقة إن الإمارات عندما قبلت الدخول في التفاوض لم تنطلق من ضغوط عليها، بل اتخذت قرارها من منطلقات ذاتية بحتة ومراعاة لمصالح الدولة، بدليل أننا لا نفاوض الولايات المتحدة فقط لإقامة منطقة تجارة حرة، على الرغم من أنها صاحبة أكبر اقتصاد، لكنها ليست الشريك التجاري الأول ولا الثاني ولا حتى الرابع للإمارات. ولهذا السبب نحن نتفاوض مع مجموعة اقتصادية كبيرة تشكل نحو 80 في المائة من إجمالي مبادلاتها التجارية معها، كما كانت دول مجلس التعاون الخليجي من أوائل الدول التي أقمنا معها اتفاقيات تجارة حرة، كما اتجهنا إلى شركائنا التجاريين الرئيسيين.

.. ولا نخشى غزو الشركات الأمريكية!
ثم هل نخشى من غزو الشركات الأمريكية لأسواقنا؟ لا توجد خشية من ذلك لأن الشركات الأمريكية موجودة في أسواقنا المحلية بالفعل، وقانون الشركات يعطي للشركات الأجنبية حق التملك بنسبة 100 في المائة ولا تحتاج إلى وكيل خدمات وهو ما يدل على أننا لا نخشى من وجود السلع الأمريكية التي يُعاد تصدير معظمها إلى دول أخرى. ومن هنا لن تتأثر حصيلة الجمارك في حال رفعت نسبة الـ 5 في المائة رسوم الجمارك على واردات السلع الأمريكية بموجب الاتفاقية، كما لن تتأثر الموازنة العامة للدولة من جرّاء ذلك.
وحدّد آل صالح منطلقات التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن منطقة التجارة الحرة التي تتمثل في سعي الدولة لأن تكون نقطة انطلاق للمال والأعمال في المنطقة، ولهذا السبب تسعى لأن تكون أكثر انفتاحا في المجال الاقتصادي من دول الجوار، وهذا يستدعي منها أن تدخل تعديلات على تشريعاتها وقوانينها كي تكون أكثر انفتاحا مع التطورات الجارية، كما أن الدولة تسعى أيضا إلى تحقيق المصلحة لجميع القطاعات الاقتصادية وللمستهلك معا وهذا هو ما نستهدفه من المفاوضات مع الولايات المتحدة. ونحن لا نهرول، كما يقول البعض، للتوقيع على الاتفاق، بل على العكس من ذلك مرّ عام ونصف العام على التفاوض ولم تعقد سوى جولتين فقط ولا يعرف متى ستنتهي المفاوضات، وهو ما يؤكد أننا لسنا في عجلة من أمرنا ولا نقبل بفرض الشروط علينا.
أما الفوائد من إقامة منطقة تجارة حرة فهي تختلف من دولة إلى أخرى، وبطبيعة الحال أهدافنا من الاتفاقية مختلفة عن أهداف دولتي عُمان والبحرين اللتين تسعيان أيضا لتوقيع اتفاق مع الولايات المتحدة، فالاقتصاد العُماني وكذلك البحريني لا يعتمد على النفط كثيرا، كما هو حال اقتصادنا، والدولتان تسعيان لاستقطاب الاستثمارات الأمريكية لمعالجة مشاكل البطالة لديها، وهو الهدف الذي لا يعنينا في حالة اقتصادنا مختلف التركيبة تماما.
والحقيقة أن فريق التفاوض الذي يتكوّن من 80 شخصية متخصصة ومحترفة وعلى درجة عالية من الوعي والمهنية يقدر القطاعات الاقتصادية الحساسة التي ستتأثر سواء إيجابا أ وسلبا بالاتفاقية. وجاء ذلك بعد دراسة للتأثيرات الاقتصادية للاتفاقية قامت بها شركة استشارية قانونية معروفة كلفت بإجرائها والتقت عددا كبيرا من المسؤولين في غرف التجارة والصناعة، كما استعين بشركات كبرى لرسم استراتيجيات التفاوض. وجرى تطعيم فريق التفاوض ومعظمهم من خريجي الجامعات الأمريكية بخبراء واستشاريين وهو ما يرد على الآراء التي تقول إن فريق التفاوض يفتقد إلى الخبرة والاحترافية.

فوائد الاتفاقية
أما فيما يتعلق بأن هناك ضغوطا علينا لفرض أو إلغاء نصوص قانونية معيّنة، فهذا غير صحيح، وعلى سبيل المثال، فإننا لم نقدم أية التزامات فيما يتعلق بقانون الوكالات التجارية، سواء تجاه منظمة التجارة العالمية أو خلال مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، ذلك أننا نسعى نحو تعظيم الإيجابيات وتلافي السلبيات من وراء الاتفاقية التي لا تتضمن فقط تجارة السلع كما يتراءى للكثيرين، بل تتضمن أيضا قضايا اقتصادية بالغة الأهمية تتمثل في الاستثمار والمواصفات والمقاييس وقضايا الملكية الفكرية، وقد نخسر على المدى القصير في موضوع تجارة السلع، لكن المؤكد أننا سنربح الكثير في قضايا الاستثمار، خصوصا فيما يتعلق بحماية استثماراتنا في الخارج.
كما نسعى من وراء الاتفاقية أيضا إلى تعزيز القدرات التنافسية للقطاع الصناعي وفتح أسواق جديدة أمام منتجاته، وقد تكون اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة فرصة لجذب استثمارات جديدة للقطاع إذا ما اكتشف المستثمرون أن أسواقا ضخمة مثل الأسواق الأمريكية ستفتح أمامها، وأثبتت الدراسة أن النمو الاقتصادي يزيد في الدول التي توقع عددا كبيرا من الاتفاقيات الاقتصادية، وهو ما تسعى إليه الإمارات.

إشراك رجال الأعمال في التفاوض

رجل الأعمال السعودي سليمان الماجد رئيس شركة تنميات العقارية قال إن الولايات المتحدة تفاوض كل دولة على حدة، بهدف الحصول على أفضل المكاسب والفرص، لكن في المقابل أنا ضد الاستهانة بأنفسنا، ذلك أن لدينا خبرات وكفاءات تدير شركات عالمية، ومن بين 400 شركة من كبرى الشركات الأمريكية يوجد خليجيون يمتلكون حصصا مؤثرة فيها، ما حدث لسلطة موانئ دبي، رغم أنه كان نابعا من موقف سياسي، إلا أنه كشف عن أن المستثمر الإماراتي وكذلك الخليجي لديه القدرة والكفاءة على الإدارة.
ومن هذا المنطلق أدعو إلى عدم استبعاد رجال الأعمال من وفود التفاوض والاستعانة بالخبرات الشابة من رجال الأعمال، فنحن في دول الخليج لدينا خبرات شابة يتراوح أعمارها بين 40 و45 عاما تقود تجمعات ومؤسسات اقتصادية بنجاح لذلك يتعين وضع الثقة في الشباب.
أما فيما يتعلق بتأثيرات الاتفاقية ومدى قدرة القطاع الخاص على المنافسة، فأعتقد أننا نملك القدرة على المنافسة باستثناء مجالين، هما قطاعا الصناعة والتكنولوجيا، وإجمالا فإن الأسواق التي لم تستفد من حماية دامت أكثر من 40 عاما في تقوية منتجاتها وسلعها يصبح القادم أكثر خطورة، لكن عجلة النمو والتطورات التي تمرّ بها المنطقة نجحت في تقوية القطاع الخاص، خصوصا أن المنطقة تعيش بالفعل مرحلة نمو حقيقي، وهناك عملية إصلاح وتعديل للتشريعات والقوانين وضخت استثمارات بالمليارات في جميع دول الخليج، مما يؤكد على أننا نعيش مرحلة نمو حقيقية وليست "بالونا"، كما يقول البعض.
والحقيقة أن المنطقة العربية ومنطقة الخليج بالتحديد أرض خصبة للاستثمار، ولذلك أتساءل عن سبب "الهرولة" الزائدة للدخول في مفاوضات اتفاقية منطقة حرة مع الولايات المتحدة، طالما لدينا القدرة على الاستثمار في الداخل، نحن لسنا في حاجة إلى أسواق جديدة تفرض علينا الشروط لدخولها، خصوصا أننا نفاوض طرفا عنيفا للغاية، في حين أن أمامنا فرصا استثمارية مغرية داخل منطقتنا الخليجية والعربية، وعلى سبيل المثال، عندما دخلنا للاستثمار في مشروع مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، وجدنا تعطشا حقيقيا للاستثمار من قِبل العديد من الشركاء من خارج المملكة عرضوا الدخول معنا في شراكة.

استثناء حالة أمريكا من شرط جماعية المفاوضات
محمد عبيد المزروعي الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، أوضح حسما للجدل حول التفاوض الثنائي من قبل بعض دول الخليج مع الولايات المتحدة، أن المجلس الأعلى للاتحاد قرّر أن يكون التفاوض جماعيا فيما عدا الحالة مع الولايات المتحدة، وأكدت قمة أبو ظبي الأخيرة على جماعية المفاوضات، وأنه لن تكون هناك اتفاقيات بشكل ثنائي بعد ذلك.
في السابق كانت دول المجلس تسعى نحو عقد اتفاقيات تجارية مع الدول الأخرى، خصوصا الكبرى، لكن تغيّر الحال تماما بسبب ظروف أسواق النفط، وأصبحت الدول الأخرى مثل اليابان وأستراليا وغيرها هي التي تسارع إلى دول الخليج لتوقيع اتفاقيات معها.
والمؤكد في حالة المفاوضات مع الولايات المتحدة أن الطرفين يسعيان نحو تحقيق أكبر المكاسب من وراء الاتفاقية، وإن كانت دول الخليج التي دخلت في التفاوض تسعى إلى إقامة منطقة تجارة حرة تستهدف من ورائها الانفتاح على أضخم اقتصاد في العالم والدخول إلى هذه السوق دون قيود, والحصول على التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، وإقامة مشروعات مشتركة بين رجال الأعمال من البلدين, والحصول على الخبرات التجارية والصناعية والإدارية، كما ستكون دول المجلس نقطة جذب للاستثمارات الأجنبية.
وتوحيد الجهود من خلال الاندماج، وبالتالي تكوين تكتلات قادرة على المنافسة، وتوفير فرص النفاذ إلى الأسواق العالمية، وبالتالي القدرة على المنافسة من حيث السعر والجودة.
كل هذا يجعلنا قادرين على التعامل مع المتغيرات العالمية بالشكل المطلوب، الذي يحقق المصلحة العليا ويعود بالنفع على القطاعات الاقتصادية كافة وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تنمية التبادل التجاري وجذب المزيد من الاستثمارات، إضافة إلى أن الاتفاقية ستسهم في دعم اقتصاد المنطقة، وتعزيز مكانتها الاقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي، كما سترفع تنافسية دول المجلس وزيادة المصالح المشتركة، وتعزيز التكامل الاقتصادي مع العالم في المجالات الأخرى، مثل البنوك والتأمين وتطوير الموارد البشرية المحلية من خلال التدريب واستقطاب الخبرات العالمية, وخلق فرص عمل من خلال زيادة الاستثمار وإقامة المشاريع المشتركة.
وسوف ينعكس ذلك على القطاع الخاص بشكل إيجابي من عدة نواح، تشمل تطوير معايير العمل وتعزيز الأداء وزيادة الإنتاجية، وبالتالي زيادة قدرته التنافسية في الساحة الاقتصادية العالمية.
وفي اعتقادي أن القطاع الخاص الخليجي بحكم انفتاح الأسواق الخليجية واحتكاكه وخبراته التي اكتسبها قادر على المنافسة بقوة، إضافة إلى أن دخول منطقة التجارة الحرة تروّج لمفاهيم جديدة تقوم على أهمية الدخول في تكتلات أو اندماجات تمكّن الشركات من المنافسة في الأسواق العالمية، ولهذا نتوقع أن القطاع الخاص سيستفيد كثيرا من منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
ثمة نقطة أخرى ذات أهمية تتمثل في أن الحديث عن الحماية أصبح غير مألوف بعد عصر منظمة التجارة العالمية، وأصبح لزاما علينا مسايرة التطورات الجديدة المتعلقة بتحرير التجارة حتى تكون اقتصادياتنا قوية وقادرة على المنافسة، أما الخوف من عدم قدرة منتجاتنا على المنافسة ومواجهة إغراق السلع الأجنبية فهو أمر ليس في محله، لأنه يتعيّن أن تكون سلعنا وتجارتنا ذات نوعية وجودة عالية وقادرة على المنافسة، أما فيما يتعلق بمواجهة الإغراق فإننا في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي بصدد إنشاء جهاز لمكافحة الإغراق في دول الخليج.

شروط سياسية قاسية
وهو ما أكده الدكتور محمد العسومي خبير اقتصادي خليجي في مداخلته قائلا: "إن العالم يسوده الآن اتجاه قوي لمفاهيم تحرير التجارة وانفتاح الأسواق، ويتم ذلك من خلال محورين، الأول منظمة التجارة العالمية والثاني اتفاقيات التجارة الحرة التي تسير ضمن أشكال عدة منها اتفاقيات لا تتضمن فرض شروط سياسية كتلك التي بين دول مجلس التعاون الخليجي ولبنان، والنوع الثاني اتفاقيات تجارة حرة تتضمن بعض الشروط السياسية كالاتفاقية المطروحة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، وهي شروط غير متشدّدة تتعلق بالحريات العامة، أما النوع الثالث كما في الاتفاقية التي تسعى إليها بعض دول الخليج مع الولايات المتحدة، فتتضمن شروطا سياسية قاسية منها حرية تكوين النقابات العمالية، وحرية النشاط السياسي.
وعلى عكس الاتحاد الأوروبي الذي اشترط في مفاوضاته للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون جماعية ودفع المجلس للتوصل إلى اتحاد جمركي وتعرفة جمركية موحّدة، أصرّت الولايات المتحدة على أن يكون التفاوض ثنائيا وليس جماعيا ذلك أن الأهداف والشروط الأمريكية مختلفة عن الشروط والأهداف الأوروبية من وراء الاتفاقية.
وأياً كانت أشكال التفاوض، فإن هناك إيجابيات أو فوائد يمكن تحقيقها من وراء اتفاقية التجارة الحرّة، تتمثل في دخول أكبر سوق تجارية في العالم، ذلك أن الاقتصاد الأمريكي يشكّل نحو ثلث الاقتصاد العالمي، وبمقدور الاقتصاديات الخليجية الاستفادة كثيرا من الاتفاقية مع الجانب الأمريكي، وكذلك تجارب كل من الأردن والمغرب اللتين توصلتا إلى اتفاقيات مشابهة مع الولايات المتحدة، فقد قفزت قيمة الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة من 100 إلى 500 مليون دولار بعد توقيع الاتفاقية، ولم تسجل حتى الآن سلبيات للاقتصاد الأردني من وراء الاتفاقية، وربما تكون هناك انعكاسات سلبية في المستقبل لكن لن تكون في الجانب الاقتصادي، إنما يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة كورقة ضغط سياسية لتحقيق مكاسب اقتصادية.

صادرات الألمنيوم المستفيد الأكبر
وفيما يتعلق بالسلبيات، فإنها يمكن أن تنحصر في المنافسة مع الشركات والسلع الأمريكية في الأسواق الخليجية، لكن يتعيّن علينا خلال المفاوضات أن ننظر إلى المستقبل، بمعنى أن النفط سينتهي باعتباره من أهم الصادرات الخليجية، وتعتمد دول الخليج في صادراتها على المنتجات المعتمدة على الطاقة مثل الألمنيوم، وهذه المنتجات تحتاج إلى أسواق جديدة وكبيرة، خصوصا أن الكثير من دول الخليج أنفقت استثمارات بمليارات الدولارات لإقامة صناعات للألمنيوم، فإمارة أبو ظبي ضخت ملياري درهم في صناعة الألمنيوم، كما تقدر استثمارات دبي بنحو تسعة مليارات درهم، إضافة إلى استثمارات شركة ألبا البحرينية، وهو ما يعني أن هذه الصناعات بحاجة إلى أسواق بعد عشر سنوات، وبالتأكيد ستكون الأسواق الأمريكية إحدى أهم الأسواق، إضافة إلى أسواق الصين والاتحاد الأوروبي الذي سيفتح أسواقه أمام منتجات الألمنيوم الخليجية في حال جرى التوقيع على اتفاق منطقة التجارة الحرّة مع دول المجلس العام الحالي، ولتنتهي معاناة سنوات طويلة حاولت المنتجات الخليجية الوجود في الأسواق الأوروبية.
وقد يقول كثيرون إن دول الخليج ليست في حاجة إلى رؤوس الأموال والاستثمارات الأمريكية، باعتبارها دولا مصدرة لرؤوس الأموال، لكن هذا غير صحيح، لأن رؤوس الأموال ليست سيولة فقط، بل تكنولوجيا وتقنية متقدمة، وعندما تسعى دول الخليج لاتفاقية مع الجانب الأمريكي فإنها تستهدف في الأساس جلب التقنية، لذلك يتعين على رجال الأعمال والتجار الخليجيين أن ينظروا إلى الاتفاقية من منظور شامل ونابع من المصلحة العامة للدول، لأن موقفهم ليس دوما سليما، خصوصا أنهم لا يعتمدون في اتخاذ الموقف على خبراء متخصصين، وعلى سبيل المثال، فإن موقف وكيل لشركة أمريكية في إحدى الدول الخليجية سيكون مؤيدا للاتفاقية، لأنها ستعفي واردات شركته من السيارات الأمريكية من الرسوم الجمركية بعكس وكيل الشركة البريطانية مثلا، الذي سيكون موقفه معارضا تماما، وهذا يعني أن مصلحة التاجر هي التي تحدد موقفه من الاتفاقية.
وأخيرا: هل نحن جاهزون للتفاوض؟ الإجابة: بلى. ذلك أن فريق المفاوضات الأمريكي عادة ما يضم متخصصين كل في مجاله، وهذه المهنية أو الاحترافية لا تتوافر في فريق التفاوض في كل دولة خليجية تقوم بالمفاوضات، ناهيك عن أن هذه النوعية من الاتفاقيات تتضمن التزامات قانونية، ونحن في دول الخليج نفتقد الخبرات التفاوضية في هذا المجال.

الأكثر قراءة