تأثير التداولات الخطرة يتراجع في سوق الصرف
كل من راقب أسواق الصرف عن كثب خلال الأيام القليلة الماضية لا بد أنه لاحظ حدوث شيء غريب. كان اليورو يعاني متاعب، في حين أن أسعار السلع وعملات بلدان الأسواق الناشئة كانت مزدهرة.
وهذا أمر غير عادي. كانت أسواق العملات العالمية تحت رحمة ما يعرف بـ ''الدخول في المخاطر المترابطة بصورة جماعية، والعزوف عن المخاطر المترابطة بصورة جماعية'' خلال معظم العام. فالمستثمرون الذين كانوا يخشون من الركود الاقتصادي في أوروبا تدافعوا للاحتماء بالملاذ الآمن النسبي للدولار، في حالة العزوف عن المخاطر، وقد باعوا خلال ذلك كل عملة أخرى تقريباً. وحين شعرت الأسواق بمزيد من البهجة حيال الاقتصاد العالمي – مع ميل المستثمرين إلى التصرف وكأنهم على فِكر رجل واحد هذا العام – فإن اليورو والعملات المرتبطة بالسلع ارتفعت جميعاً.
من الممكن أن يكون هذا الاتجاه العام في سبيله إلى التوقف. ففي مطلع كانون الأول (ديسمبر) كان الراند الجنوب إفريقي – الذي يشار إليه في الغالب على أنه ''عملة ذات ارتباط مرتفع''، كونه يقتفي سلوك أسواق الأسهم بصورة وثيقة – مرتبطاً بنسبة 90 في المائة باليورو على أساس فترة طولها 30 يوماً. والآن تراجع هذا الارتباط ليصبح 53 في المائة فقط.
وأظهر البيزو المكسيكي ارتباطاً نسبته 92 في المائة مع اليورو في مطلع الشهر. ومنذ ذلك الحين تراجع هذا الارتباط ليصبح 42 في المائة.
والواقع أن التفكك الأخير في هذه الارتباطات يدفع ببعض المحللين إلى أن يتوقعوا إمكانية أن يفقد اليورو مكانته في التداولات الخطرة المترابطة (التي تأتي معاً وتغيب معاً) في السنة المقبلة. وإذا لم يعد المستثمرون ينظرون إلى اليورو على أنه عملة يمكن الدخول فيها بصورة مرتبطة مع غيره، فمن الممكن لهذا أن يمهد الطريق أمام تداولات العملات كما فعلت من الناحية التاريخية، حيث تصبح المحركات الرئيسة مرة أخرى هي أسعار الفائدة ورصيد الحساب الجاري.
هذا تطور سيكون موضع ترحيب من قبل المستثمرين، الذين أمضوا معظم السنة وهم يَجهَدون للعثور على القيمة في سوق كان يهيمن عليها اليورو.
ويقول بِنْوا آن، رئيس قسم استراتيجية الأسواق الناشئة لدى بنك سوسييتيه جنرال: ''كانت هناك أيام خلال الأسبوعين السابقين لم يفعل اليورو فيها شيئاً يذكر وكانت أسواق عملات الأسواق الناشئة منتعشة، وهي علامة على أن التداولات الخطرة بصورة مترابطة لم تعد تشتمل بالضرورة على متابعة اليورو''.
ويتابع: ''بالنسبة لي تعتبر هذه بشرى سارة مذهلة، على اعتبار أني متعب من أزمة اليورو العالقة فوق رؤوسنا''.
ويعود بعض السبب في هذا التحول إلى أن المستثمرين يبحثون عن أماكن يضعون فيها أموالهم. فصناديق التحوط تتداول في اليورو على المكشوف بمستويات قياسية، وفقاً لمعظم البيانات الصادرة في الفترة الأخيرة. وفي حين يُعتقَد أن هذا أحد الأسباب وراء عدم هبوط اليورو إلى مستويات أدنى – على اعتبار أن المضاربين هم أصلاً على المكشوف – فإن المستثمرين الذين ينسحبون في الوقت الحاضر من منطقة اليورو بحاجة إلى العثور على مكان آخر لاستثماراتهم. ومن الخيارات الموجودة أمامهم هناك عملات الأسواق الناشئة المقومة بأدنى من قيمتها الحقيقية، خصوصاً في الأسواق التي لا ترتبط بصورة قوية بمخاطر انتقال العدوى في أوروبا.
لكن هذا التغير يشير كذلك إلى مستوى من التفاؤل بخصوص منطقة اليورو. أحد الأسباب في الدخول في التداولات الخطرة والخروج منها على نحو مترابط والذي كان مهيمناً بصورة كبيرة هو أن المستثمرين كانوا يشعرون بكثير من اللبس حول المستقبل. فإما أن تعثر منطقة اليورو على حل معقول له موثوقية، أو تتصاعد الأزمة وتتعقد لتخرج عن السيطرة وتدخل في معركة فاصلة ''هرمجدون مالية''، كما يحب المحللون أن يقولوا.
هناك دلائل تشير إلى أن السوق تتحرك باتجاه وجهة النظر الأولى. وفي التعاملات الآن عدد من المراهنات التي تراهن على تراجع اليورو في سوق الخيارات، يقل عن عدد المراهنات التي كانت سائدة في أوج ذعر السوق في تشرين الثاني (نوفمبر). ومن الممكن ببساطة اعتبار التراجع الأخير في اليورو مقابل الدولار وهبوطه إلى مستوى دون 1.30 دولار خلال الأسبوع الماضي علامة على قبول الحقيقة التي تقول إنه حتى في حالة تجنب الكارثة، فإن آفاق النمو في منطقة اليورو تظل متدنية بصورة قوية.
ويقول بلال حفيظ، الرئيس العالمي لأبحاث العملات الأجنبية لدى دويتشه بانك: ''أعتقد أن هناك تغيراً في القوى المحركة التي تدفع اليورو. فالقضايا المالية العامة في أوروبا تجعل الناس يميلون إلى الحرص على نحو يفوق كثيراً ما كان عليه الحال – وهذا يفصل الارتباط بين اليورو والدولار من جهة والمخاطر من جهة أخرى. وفي السنة المقبلة، من الممكن أن يرقص اليورو على أنغامه هو وحده''.
كذلك من الممكن أن تشهد البلدان التي تتمتع بأساسيات اقتصادية قوية ارتفاع قيمة عملاتها إذا تراجعت التداولات الخطرة المترابطة في العام المقبل. مثلا، عومل الكرون النرويجي على أنه عملة يحسن التداول بها هذا العام بصورة مترابطة، وبالتالي لم يبتعد مسافة تذكر عن الدولار الأسترالي، على الرغم من فائض الحساب الجاري في النرويج والعجز في ميزانية أستراليا. وهذا الأمر يمكن أن يتغير في السنة المقبلة.
إذا تخلى اليورو عن الهيمنة على الأسواق، فإن ذلك يمكن أن يعني وجود فرص للمستثمرين في عملات الأسواق الناشئة، مثل الليرة التركية أو البيزو المكسيكي، الذي تعرض للبيع المكثف في العام الحالي.
لكن مع أن الخوف ربما يكون قد تراجع مؤقتا، لا يزال من غير الواضح إن كان بمقدور السياسيين الأوروبيين حل أزمة السندات السيادية. وما زالت الأسواق تهضم قرار البنك المركزي الأسبوع الماضي بإقراض مبلغ غير مسبوق مقداره 489 مليار يورو إلى بنوك أوروبا. ويتساءل محللون عن مقدار الأموال التي ستُستخدَم من هذا المبلغ لشراء السندات السيادية، وهو أمر من شأنه إضعاف الأثر القوي الذي يرجو السياسيون تحقيقه.
ويعتقد ستيسي وليامز، رئيس الاستراتيجية الكمية للعملات لدى بنك إتش إس بي سي، أن التداولات الخطرة المترابطة ستهيمن على الأسواق خلال السنوات القليلة المقبلة. لكنه يرى أنه حتى في حالة حدوث انفراج في أزمة السندات السيادية الأوروبية في الأجل القصير، فإن هذا لن يكون من شأنه التصدي للقضايا الأكبر التي تواجه النمو الاقتصادي العالمي.
ويضيف: ''الواقع أن الأمر يدور حول عوامل اللبس في الاقتصاد العالمي. والخيارات هي إما الانتعاش الاقتصادي وإما الكارثة، وطالما بقي هذا الإطار العام صحيحاً، فإننا نعتقد أن هذه التداولات ستظل موجودة''.