الصين تموّل الاستهلاك الأمريكي بشهادة صندوق النقد

الصين تموّل الاستهلاك الأمريكي بشهادة صندوق النقد

إن الأوزان غير المتعادلة في الموازين الإنتاجية لمختلف الدول تهدد الاقتصاد العالمي، ويحذّر الكثير من الخبراء منذ فترة من الوقت، ومن بينهم الخبراء الاقتصاديون العاملون في صندوق النقد الدولي، بأن هذه الموازين تعمل على المدى البعيد على إضعاف القدرة للحفاظ على العجز المرتفع في ميزان الإنتاج الأمريكي، وحصص الفائض المرتفعة لغيرها من الدول بالشكل السليم. ومن المتوقع أن يزداد خطر التعديل غير المنظّم: حيث إن تدهور سعر الدولار، وقفزة فوائد الأسواق الرأسمالية، والكساد في أمريكا، كلها ستعمل على جذب الاقتصاد العالمي للأسفل.

ونما العجز الأمريكي خلال الأعوام الماضية بصورة ثابتة، وهو يسجّل في الوقت الراهن نحو 6.6 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. ومن الناحية الأخرى، فإن دول فائض الحصص واقعة في آسيا، وبالأخص الصين، واليابان، وسلسلة الدول المصدّرة للنفط. ووحدها الصين حققت في تجارة السلع والخدمات الإنتاجية مع أمريكا في عام 2005 فائضاً من الحصص بلغ ما يزيد على 200 مليار دولار. وهذا من الممكن أن يسجّل قيمة أعلى العام الحالي بصورة ملحوظة. وما أسهم في هذا هو عدم سماح الصين منذ فترة طويلة في رفع قيمة عملتها اليوان حتى تحقق الدولة لنفسها مميزة أسعار في الأسواق العالمية.

ولكن يمكن القول بأن عجز الميزان الإنتاجي الأمريكي هو نتيجة النمو الاقتصادي السريع بالأخص خلال الأعوام الماضية. ولأن أمريكا تستهلك أكثر مما تنتج، عليها أن تغطي حجم الطلب الإضافي عن طريق الاستيراد. وهذا ما ينطبق على الملابس الصينية، وقطع الألعاب، وكذلك استيراد النفط من المملكة العربية السعودية، وفنزويلا. ويعود الجزء الأكبر من هذه الأموال مقابل هذه المشتريات إلى المستثمرين الأجانب فهم يحملون أموالهم إلى أمريكا والآمال تملؤهم بتحقيق عوائد وفيرة عن طريق سعر الفائدة، والتي يتم رصدها إما في البورصة أو على شكل استثمارات مباشرة. وهنا يدور الأمر حول مليارات كثيرة من الدولارات يومياً. وكذلك تحقق بنوك الاحتياط الأجنبية، وخاصة الموجودة في دول فائض الحصص، مساهمةً كبيرة في تمويل العجز منذ أعوام. ويتدخل البنك المركزي الصيني ليعمل على إضعاف سعر اليوان بصورة دورية في أسواق العملات الأجنبية، وهو يقف اليوم على جبل ضخم من الاحتياطي النقدي، الذي يتألف بالأخص من قروض الحكومة الأمريكية. وبالتالي فقد موّلت الصين عجز الخزينة المالية للحكومة الأمريكية خلال الأعوام الماضية إلى حدٍ كبير.
وأطلق صندوق النقد الدولي منذ فترة وجيزة محادثات مع عمالقة الاقتصاد بهدف تقليص خطر التعديل المضطرب للموازين غير المتعادلة. والوصفة هنا معروفة: على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدفع اندماج خزينتها المالية إلى الأمام، وأن تعمل على رفع حجم الادخار الخاص. وعلى الصين أن تعمل على مرونة سعر تبادل الصرف لديها، وتعزيز الاقتصاد الداخلي. وعلى أوروبا واليابان تنفيذ مشاريع إعادة الهيكلة الخاصة بهما، لتتمكنا من رفع القدرة الإنتاجية لاقتصاداتهما، وكذلك حجم الطلب على السلع الأمريكية، حيث شهدت هذه الدول حتى الآن نقصاً في حجم التنفيذ في الإجراءات المتبعة.

ويعتقد كينث روجوف الخبير الاقتصادي في جامعة هارفارد و الخبير السابق في صندوق النقد الدولي، بأن مثل هذا التعديل لا مفرّ منه نظراً للمديونية الأجنبية المتزايدة في أمريكا أخيرا. وعندها يصبح هبوط قيمة الدولار بنحو 20 إلى 40 في المائة محتملاً. بينما يرى زميله من جامعة هارفارد ريتشارد كووبر، الأمر على نحوٍ مختلف: إن أمريكا تتحلى بميزة مقابل بقية العالم في "إنتاج السندات المالية الرائجة، وبالتالي متاجرة سندات القبض بحجم ضئيل من المخاطر ضد قيم الموجودات الخطرة". لهذا فإنه من غير المفاجئ، أن يعمل المدخرون من أنحاء العالم كافة على إحضار جزء صغير، ولكنه متنام، من رساميلهم إلى الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة