أعتبر نفسي تاجرا حرا متطرّفا بحق ولا أتصوّر أمريكا محرّكة للعالم في المستقبل

أعتبر نفسي تاجرا حرا متطرّفا بحق ولا أتصوّر أمريكا محرّكة للعالم في المستقبل

باع في الولايات المتحدة ما يزيد على نحو 1.5 مليون نسخة من المشاهد المستقبلية والمطروحة في كتابه "الأرض مسطحة". واحتلّ هذا الكتاب وعلى مدار عام كامل قمة لائحة الكتب الأكثر مبيعا التي تصدرها صحيفة نيويورك.
"جوردان ميجاس" من صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" الألمانية، أجرى هذا الحوار مع توماس فريدمان الذي أبدى من خلاله أسباب تفاؤله البالغ بالصين والهند، بينما تتبادر إليه الكثير من الشكوك حيال أوروبا.

> كما ورد في كتابك الجديد لماذا تعتقد أن الأرض مسطحة؟
- هذا يعود إلى أربعة أمور مشتركة. والأمر الأول، حيث بدت لنا حادثة سقوط جدار برلين في وضع يُتيح لنا رؤية العالم من جديد كشريحة مسطّحة، بينما هذا كان صعباً قبل عام 1989، لأن الجدار كان يقف في طريقنا. والأمر الثاني، هو ظهور الكمبيوترات الشخصية، والتي تسمح لكل فرد، بتوزيع الكلمات، والصور، والبيانات، أو الأفلام المصوّرة. ومنذ أن رسم الإنسان الحجري على جدران الكهوف، كانوا هم بالفعل كتابا للمحتويات نفسها التي نتحدّث عنها نحن اليوم، ولكنها أصبحت اليوم رقمية منذ عهد الكمبيوتر. والأمر الثالث، يمكن أن نسمّيه الإنترنت، التي سمحت بالنقل العملي المجاني للمحتويات الرقمية. والأمر الرابع هو، ما أشير إليه على أنه "تقدّم البرمجيات". وبالتالي يمكن دمج برمجياتي مع برمجياتك، وبهذا أصبحت قادراً، على إرسال محتوياتي عن طريق الإنترنت حول العالم دون تكلفة. هذه أربعة أمور عملت على جعل العالم مسطحاً مع نهاية فترة التسعينيات.

> ولكنها مرتبطة بعواقب سياسية، واقتصادية، واجتماعية، غير متوقعة.
- لقد حظي الأفراد لاحقاً بالقوة والسلطة، حيث يمكنهم الآن أن يقدّموا المحتويات التي يشاءونها حول العالم بصورة منفردة، لا بل والعمل على العولمة. وبالطبع فإن هذا جلب معه عدم الهدوء بكل أشكاله وهو خاصة تهديد للهرمية القديمة فمثلا المدوّنات الرقمية "البلوج" تهدد الإعلام المؤسس، وحتى رجال الأعمال، والذين يمكنهم أن يضعوا شركات كبرى بعدد قليل من الموظفين في عالم من الصعوبات.

> أرجو أن تسلّط الضوء على ما سُمي في كتابك بـالتحولات الثلاثية؟
- أفهم في إطار هذه النظرة أن العالم قد أصبح مسطّحاً حقاً. وهذا كان عندما استيقظت في أحد الأيام، وفكّرت: أنا على صلة مع الناس، والذين لم أكن في صلة معهم من قبل، ويشعر هؤلاء الناس بالمثل. وما شعرت به في ذلك الحين، كان عبارة عن مرحلة تحوّل، مشابه لتحوّل الألفية في عام 2000. ولتكن الأمور في موضعها السليم على أرض القاعدة الجديدة، عملنا على تحويل أنظمتنا الإدارية من "استشارات وضوابط" إلى "روابط و أعمال مشتركة". وهذه كانت مرحلة التحوّل الثانية. والثالثة أخذت مكانها عندما دخل نحو ثلاثة مليار إنسان من الصين والهند، ومواطني الاتحاد السوفييتي السابق إلى القاعدة الجديدة، بينما لم يكن لهم مدخل إليها في السابق.

> إن هذا يبدو واعداً حقاً، وخاصةً للأفراد الأحرار، ولكن ألا يحوّل هذا القوى السياسية والاقتصادية أيضاً؟
- إن العالم، كما أدركه اليوم، يميزه تأثير التحوّل السياسي والثقافي من ناحية، و كذلك التحوّل التجاري والمالي من ناحية أخرى. وأحياناً تنتصر السياسة والثقافة على التجارة والمالية، وأحياناً يكون بالعكس وأنا لم أؤكد على أية حال، أن التجارة هي الفائزة دوماً، ولكن كذلك، فإن السياسة ليست المنتصرة دوماً.

> بالاشتراك مع العولمة، على ما يبدو أن القوى المناقضة لها في نمو أيضاً. ألا تعمل النزاعات العرقية والدينية في يومنا الحاضر على طرح علامات الاستفهام حول مبادئ العولمة المبتهجة بالمستقبل ؟

- يوجد في كتابي فصل كامل عن "العالم غير المسطّح"، وهناك أذكر الشرق الأوسط على أنه الجزء الأكثر بعداً عن التسطّح في العالم، ولكن الوُجهة المهيمنة في العالم الحالي تعتمد على القوى، والتي تدمج التقنيات الحديثة، وتوزّعها.

> أنت تتوقّع مستقبلاً باهراً للصين والهند.
- عندما يكون العالم مسطحاً، وكل شخص يمتلك المدخل نفسه للوسط نفسه، كيف يمكن حينها أن نفرّق ألمانيا عن فرنسا، أو فرنسا عن أمريكا؟ عندما يكون كل شيء متاحا وفي كل مكان، تلعب هنا ثلاثة أمور للدور المميّز: التعليم، والموهبة، والطموح.

> هل تتوقّع أن تحكم بكين أو نيودلهي العالم في المستقبل؟
- إن الهند والصين مثل قطارين سريعين، ويُعتبر القطار الصيني ضمن مستوى مثالي، حيث يرتاح كل من فيه كل 80 ميلا. ولكن هناك مشكلة صغيرة، حيث تظهر في الأفق البعيد عقبة، والتي تحمل اسم "إعادة الهيكلة السياسية". وعندما يسير نحو 1.3 مليار فرد بسرعة 80 ميلا على تلك العقبة، هنا يمكن أن يحدث أمران مختلفان. إما أن تطير السلع إلى
الجو، وتهوي مصطدمةً بالأرض من جديد، ومن ثم ينظر الركاب إلى أنفسهم بريبة، يلاحظون أن كل شيء على ما يرام، ويتابعون مسيرهم. أو تطير السلع إلى الجو، وتهوي مصطدمة بالأرض من جديد، وتفقد عجلتها. نحن لا نعلم ماذا يمكن أن يحدث في الصين.

> وفي الهند؟
- وهناك يوجد قطار سريع، وعلى أي حال توجد عقبات في الطريق .ولكن في الأفق البعيد، يظهر قطار سريع مثالي. والأسئلة المتبادرة هنا: هل نرى السراب؟ من ناحيتي، فأنا لا أتصوّر أمريكا كمحرّكة للعالم في المستقبل، فحكومتنا بلا عقل، والكونجرس مشلول. ولكن لا يزال يوجد لدينا دوماً اقتصاد السوق الحرة المذهل، والذي يشغّل باستمرار الأفكار الجديدة، وأفضل المواهب من أنحاء العالم كافة.

> هل تعني، أنه حتى يومنا هذا لا يزال المرء يأمل لو أنه وُلد في أوروبا؟
- أنا أحب أن أسافر، وأسافر كثيراً إلى أوروبا. أحبّ المتاحف هناك، بل إن أوروبا نفسها متحف نابض، وآمل أن تبقى كذلك. أنا أتعجّب كثيراً من بعض الحيثيات في أوروبا، على سبيل المثال الإجازة التي تستمر ستة أسابيع، والمواصلات العامة، والوعي البيئي. وأنا أعني جدياً، عندما تُدرك أوروبا الوصفة السحرية، والتي تمكّنها من تحقيق هذه الإنجازات،
دون أن تتحوّل إلى العمليات الطارئة الناتجة عن العالم المسطح، عندها يكون الوضع أفضل.

> ولكن ألا تتوقّع أفكارا جديدة عن أوروبا؟
- لقد كانت فعلاً ساعات جرس البندول ابتكاراً مهماً. إلا أنها لم تعد كذلك بعد ابتكار جوجل. ومن بين الشركات العشرين الرائدة في أمريكا، لم يكن أي منها موجوداً قبل عشرين عاماً، وفي المقابل، فإن الأسماء الرائدة في أوروبا بقيت كما هي تقريباً. وهذه مؤشر سيئ. عندما أكون في عالم السيلكون، ألاقي الكثير من الأوروبيين، لأن هناك يحدث ما لا يجدونه في أوروبا. وكما هو سهل أن تشعل النيران في شخص ما، فإن من السهل أن تعدّل شخصاً ما.

> هل تظهر حماستك أقل بالنسبة للإنجازات الاجتماعية في أوروبا؟
- بالطبع أشعر ببعض الغيظ هنا. فأنا أتعجّب من البنية الاجتماعية في أوروبا بعض الشيء، ولكن في الوقت ذاته، يبدو لي هذا، على أن كل عملية تحديث جديدة تعمل على الحدّ منها.

> ولكن كيف يجدر بالدول الغنية أن تحتفظ بمستواها المعيشي، عندما يعمل معدل الأجور للدول الفقيرة في نزاع المنافسة العالمية على قلب الميزان؟
- هذا يمكن أن يكون صحيحاً، فقط إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تسلّم أن ما يجب أن يتم اكتشافه، قد تم اكتشافه فعليا، ولا يسير العالم على هذا النحو حقيقة. وما قبل عشرة إلى 15عاماً، لم أشرب القهوة قط، واليوم لا يمكنني أن أعيش بدونها . ولم أعلم قبل خمسة أعوام، ما هو محرّك البحث، واليوم لا يمكنني العيش بلا جوجل. واليوم تقوم صناعات جديدة إضافة إلى القديمة، هذا يعني، أن قالب الكعكة سيزداد حجماً دوماً.

> توسعة بلا حدود؟
- إذا أراد الأوروبيون الحفاظ على مستواهم المعيشي، عليهم أن يهتموا بمستوى تعليمي أفضل، ومفتاح كل هذا هو الاقتصاد المتنامي. ومن غير الممكن، ضمان الطريق إلى الانتعاش عن طريق إجراءات الحماية الاقتصادية القومية. واعتبر نفسي تاجرا حرا متطرّفا فعلاً.

> هل تعتقد، أن الغرب سيبقى الرائد التقني، والذي يرتقي على أثره بقية العالم؟
- إذا ما تصرّفنا على نحوٍ سليم، ستتقلّص الفجوة بيننا وبين الهند والصين، وسترتفع الأساسات من تحتهم، ولكن من تحتنا أيضاً. وستصبح ميزتنا مقابل الهند والصين نسبية، ولكن لن تتقلص بالمطلق.

> ما المشهد الذي تعتبره ممكناً؟
- كما قلت سابقاً، أنا لا أراهن ضد أمريكا. ولكن ليس ضد أوروبا أيضاً، فأنا أحد المعجبين بأوروبا. أوروبا تملك بعض المراكز الناشطة، ولكنها تعاني من العقبات، وعليها معالجة هذا، إذا ما أرادت المشاركة في المنافسة.

> أنت عراب العولمة والمتحدث باسمها ...
- هكذا يلقبني نقادي! الشيء الذي أجده مضحكاً. أنا أعتقد أن العولمة تحظى بجوانب سيئة وجيدة على حد سواء. أنا أحاول أن أتوصل إلى كيفية تحقيق أفضل ما يمكن عن طريق الجوانب الجيدة. وبفضل العولمة تجاوز خلال الـ 20 عاماً الماضية الكثير من الناس في الهند والصين حد الفقر، أكثر من أي فترة أخرى في تاريخ العالم فهل يجدر بي أن أكون ضد العولمة؟

الأكثر قراءة