المعرض 19 للفن السعودي المعاصر .. تنوع في الأعمال وتباين في المستويات
المعرض 19 للفن السعودي المعاصر .. تنوع في الأعمال وتباين في المستويات
تسعة عشر عاماً عاشها التشكيليون السعوديون مع الحدث الأكبر, والفاعلية الأهم, مع معرض الفن السعودي المعاصر, فمنذ انطلاقته في دورته الأولى عام 1399هـ, وهو يسعى لتقديم فن سعودي أصيل متجدد, يحمل معه الإحساس, ويعطي انعكاساً إيجابياً لما وصل إليه الفنان السعودي وما يملكه من موهبة ومهارة في التعامل مع المذاهب والمدارس التشكيلية المختلفة, ولديه القدرة على الإبداع وتحقيق الذات من خلال ما يطرحه من أفكار ورؤى بأساليب مختلفة وخامات متنوعة.
ظل الفنانون السعوديون طيلة الأعوام السابقة يتحدثون عن هذه التظاهرة التشكيلية بوصفها مساحة واضحة للمشهد التشكيلي السعودي في فترة من الفترات فكان منهم المؤيد لما يطرح في تلك الدورات وآخرين غير ذلك, ومرت تلك السنوات ما بين مد وجزر, ما بين إحجام من بعض الفنانين الكبار عن المشاركة بسبب تطلعهم ورغبتهم في إعطاء هذا المعرض قيمة أكبر ليكون نخبوياً, وليس مفتوحاً أمام جميع الفنانين من مواهب شابة بجانب قامات تشكيلية تملك رصيدا وسجلا حافلا بالإنجازات والتجارب, فيما كان هناك من يرى أهمية لفتح المجال رغبة في دعم وتشجيع الموهوبين ليأخذوا نصيبهم ومكانتهم على الساحة التشكيلية بين هذا وذاك ضاعت الأهداف وصعب تحقيق المراد.
اليوم يتجدد اللقاء مع العرض الثاني للمعرض التاسع عشر للفن السعودي المعاصر بعد عرضه الأول ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب وتأتي هذه التجربة رغبة من وزارة الثقافة والإعلام لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المتابعين والفنانين للاطلاع على أعمال الفنانين وهي بداية لانتقاله إلى مدن أخرى.
مفهوم الفن وفنية الفن صارا جزءا من التركيبة الأساسية للمجتمع
في خطوة بدأها وكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز السبيل للتقريب بين المنابر الثقافية ولدمج رموز الإبداع مع بعضهم بعضا في وقت نشهد تباعداً بين المجالات الإبداعية افتتح الناقد الأدبي الدكتور عبد الله الغذامي هذا المعرض وتحدث عقب ذلك حول المعرض والمسيرة التشكيلية السعودية بقوله" لو ننظر إلى المفهوم السابق للوحة عندما أقام الدكتور عبد الحليم رضوي, رحمه الله, أول معرض فني في المملكة حينها اشترى أحد الزوار بعض الأعمال الفنية لكنه وبعد مدة رجع المشتري وأعاد اللوحات للرضوي وطلب منه إعادة المبلغ الذي دفعه مقابل الأعمال. من تلك التجربة نجد أن المجتمع كان غير مدرك لقيمة اللوحة الفنية طوال هذا العمر الزمني الممتد من تلك الفترة حتى هذا اليوم، هذه المسيرة الطويلة التي تجد الآن تقديرا واهتماما بالفن التشكيلي سواء على مستوى الإنتاج أو غيره ولو نظرنا إلى عدد الفنانين والفنانات نجد رقما عاليا جدا وهذا مؤشر ثقافي ليس بالهين, فالأرقام رموز، ورمزية الرقم تشير إلى قوة التفاعل وقوة الاهتمام، ومن ناحية أخرى نجد اهتمام الصحافة والإعلام الرسمي والشعبي باللوحة، ويندر جدا أن تدخل بيتا مهما كان مستواه الاجتماعي أو المادي أو التعليمي ولا تجد لوحة معلقة على جدرانه مما يعني أن مفهوم الفن وفنية الفن صارا جزءا من التركيبة الأساسية للمنزل ولعلاقات الناس، ثقافة العين، وثقافة البصر. في السابق كان الناس لا يجدون من عناصر الثقافة إلا الكتاب أما الآن فنجد إضافة للكتاب اللوحة التشكيلية، وهذا جزء يكون ثقافة المنزل، وثقافة الإنسان وحينما نحضر هذا المعرض اليوم بعدد المشاركين والمشاركات واللوحات والمدارس الفنية والطاقة التعبيرية التي نجدها من خلال هذه الأعمال أشعر بأنني في ليلة من ليالي الثقافة، ومن حسن الحظ أنها ليلة من ليالي رمضان، ودائما رمضان فيه حيوية نفسية واجتماعية وتكتمل هذه بوجود هذا العمل الفعال .. أوجه تحيتي للفنانين والفنانات.
ضمت ما يزيد على 150 لوحة فنية قدمها أكثر من 100 فنان وفنانة تنوعت بين المدارس التشكيلية من تأثيرية وواقعية وتعبيرية ورمزية وسيريالة وتجريدية إضافة إلى الاتجاهات الحديثة، عندما تتجول بين تلك الأعمال تشدك مجموعة ترى فيها حسا فنيا مبنيا على ذائقة فنية متمرسة تملك رصيدا من المخزون الإبداعي وتلمح جهدا مبذولا لإضافة الجديد للوحة الفنية بوصفها فنا وعلما وليست مجرد موهبة أو مزاجا شعريا، فيما نجد هناك أعمالا لا ترقى لمستوى العرض وإنما هي بدايات ومحاولات فنية تفتقر لعمق التجربة معتمدة على التقليد والمحاكاة لما يقدم في الساحة التشكيلية، هذا التباين دليل على اختلاف الثقافة أو لقصر فهم أهمية العمل الفني ومعنى تقديمه للمشاهدين.
الجديد في هذا المعرض الجانب الذي قدمت فيه رحاب الغذامي عملين من أعمالها والتي جاءت مشاركتها ضيفة شرف على المعرض، وكذلك الندوات الفنية التي قدمتها الوزارة لرفع المستوى الثقافي التشكيلي.
في هذا اليوم تكرر المعرض, وأعيد العرض وعلى ما يبدو فإن الفن التشكيلي السعودي ما زال بانتظار نقلة نوعية متجددة تعيد له الحياة وتبث مع إبداعهم وهذا لن يتحقق من خلال النظرة السابقة للهدف من المعرض المعاصر الذي لم يعد يعكس المعنى الحقيقي لهذا الاسم الجميل, فهو معرض جماعي بني على إشراك أكبر عدد من الفنانين دون فرز لمستواهم الفني وتجاربهم التشكيلية ومسيرتهم الإبداعية.
فهل نجد في المعرض القادم الذي سيحمل الرقم 20 اختلافاً عن هذا المعرض من حيث نوعية الأعمال ومستوى الفنانين وتوقيت العرض ومدته؟