كندا تستقبل المهاجرين بالترحاب

كندا تستقبل المهاجرين بالترحاب

"لم يمر يوم واحد منذ توليت منصبي لم أسمع فيها شكوى من نقص القوى العاملة هنا، وهذا يهدد بلا شك تواصل النمو الاقتصادي في البلاد "
كلامات صريحة صدرت عن مونتي زولبيرج وزير الهجرة الكندي وواكب ذلك الإعلان عن الشروع في إقامة مركزين لتمثيل الأيدي العاملة الأجنبية المؤهلة في كندا أحدهما في كلاجاري والآخر في فانكوفر وسيعمل هذان المركزان على معاونة الشركات في البحث عن الأيدي العاملة المتخصصة والمدربة من الخارج، ودراسة الوثائق اللازمة للحصول على ترخيص عمل محدد زمنياً.
ورغم هذا فإن جهود الحكومة ذات التوجه المحافظ في كندا بقيادة ستيفن هاربور رئيس الوزراء سهلة المنال حيث تشهد الأوضاع في سوق العمل الكندي اليوم توتراً ملحوظاً بعد سنوات من النمو الاقتصادي القوي. وفي الحقيقة لا تغيّر أجواء التهدئة من الأسابيع القليلة الماضية شيئاً من هذا، حيث قُدّر حجم البطالة في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) بنحو 6.1 في المائة، وهو أقل معدل لها منذ 32 عاماً. وارتفع معدل أجور الساعة خلال العام الماضي بنحو 3.7 في المائة، بشكل يفوق الأسعار الاستهلاكية بوضوح، والتي ارتفعت نحو 2.5 في المائة.
ويُعتبر تسهيل دخول الأيدي العاملة الوافدة من الخارج وسيلة لتلبية حجم الطلب المرتفع على الأيدي العاملة. وهذا ما يتم بالتحديد في ولاية ألبيرتا، التي يزدهر اقتصادها نظراً لمخزون النفط الموجود فيها، والتي تشير إلى أقل نسبة بطالة في كندا بنحو 3.6 في المائة.
وتعتبر كندا تقليدياً من أكثر الدول المستقبلة للمهاجرين في العالم الذين أثروا بشكل كبير تماما، كما ترك المهاجرون في الولايات المتحدة بصمتهم على مجتمع وثقافة الدولة منذ قرون من الزمان. ورغم معاملة المهاجرين خلال تلك الفترة من القرن الماضي بصورة قاسية جداً، ولم يُسمح للمهاجرين الذين لا تعود أصولهم إلى أوروبا بالقدوم إلى كندا، لكن حركة إعادة هيكلة تشريع الهجرة عام 1976 أدت إلى إزالة القيود العرقية. ومنذ ذلك الحين، تشهد كندا حركة هجرة من جميع أنحاء العالم، أولئك الذين يودون بدء حياة جديدة هناك، وخاصةً من الدول الآسيوية، مثل الصين، والفلبين، والهند، وحتى من باكستان، وإيران، وبريطانيا. وخلال الأعوام العشرة الماضية حصل نحو 20 ألف أجنبي مهاجر على بطاقة إقامة دائمة PRC وترخيص عمل في كندا.
ويتم تقسيم أنواع المهاجرين إلى ثلاثة أصناف حيث يتم منح الامتياز الأكبر من بطاقات الإقامة الدائمة للأجانب الذين يحققون إفادة مباشرة للاقتصاد الكندي وما يدعم هذا من مواصفات معينة مثل المستوى التعليمي وخبرة العمل، والتمكن من اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية. ولأن المهن الإنتاجية في كندا تفقد أهميتها، فإن الأجانب الذين يمتلكون قدرات، والذين يمكن توظيفهم في عدد كبير من المهام، لديهم فرصة أفضل من الأيدي العاملة المتخصصة في نشاطات محددة فقط، تلك الطبقة التي تحظى بنحو نصف عدد بطاقات الإقامة الدائمة المطروحة سنوياً. ويقول دون دي فوريتس الاقتصادي والباحث في شؤون الهجرة في جامعة سيمون فرازر في ولاية بريتش كولومبيا البريطانية: "إن سياسة الهجرة الكندية موجّهة إلى حدٍ كبير نحو تحفيز النمو الاقتصادي عن طريق الهجرة الاقتصادية، وبالتالي معادلة التكاليف، التي يسببها المهاجرون".
وتوافقاً مع هذا المبدأ، فإن الوضع يشير إلى أن كندا تقدّم طريقاً مناسبا لهجرة التجّار، إضافة إلى الأيدي العاملة المؤهلة. "من مصالح كندا أيضاً هجرة الشركات الناجحة أيضاً، التي تحقق عن طريق قدراتها، وبراعة العمل لديها، مساهمة في الانتعاش الاقتصادي والثقافي الكندي، وكذلك في تحقيق فرص عمل جديدة"، حسبما ورد عن وزارة الخارجية الكندية. وطبقاً لهذا، فإن المستثمرين يملكون الفرصة كأصحاب شركات، ورجال أعمال مستقلين، تحت شروط صارمة في الحصول على رخصة إقامة دائمة. ومن هذه الشروط إثبات المستثمر أنه يقتني ثروة حصل عليها بطرق شرعية لا تقل عن 800 ألف دولار كندي أي بما يعادل 556 ألف يورو وليقتصر الأمر عند هذا الحد بل يلزم على المهاجر تقديم مبلغ يعادل نحو 400 ألف دولار كندي للحكومة يسترده منها خلال خمس سنوات من دون فوائد بحيث تقوم الحكومة الكندية بتوزيع هذا المبلغ لأهداف النمو الاقتصادي، وتحقيق فرص العمل، على مقاطعات مختلفة. وعلى أصحاب الشركات في غضون الأعوام الثلاثة الأولى على الأقل أن يحققوا فرصة عمل بدوام كامل لأحد الكنديين، أو الحاصلين على بطاقة الإقامة الدائمة، لمدة عام واحد على الأقل.

وتقدّم كندا للمهاجرين إليها سلسلة من المميزات بدءا من حفاوة الاستقبال ثم توفير دورات للتدرب علي اللغة بعدها تستخرج للمهاجر بطاقات التأمين الاجتماعي والصحي رغم أن هذا الأخير تنظمه الولايات والمقاطعات الكندية بشكل مستقل عن الحكومة المركزية . ويحظى مالكو بطاقات الإقامة الدائمة في بريتيش كولومبيا وأونتاريو وكيبيك ونيوبرونسويك، بالعضوية في التأمين الصحي الحكومي بعد انقضاء ثلاثة أشهر من وصول المهاجر إلي المقاطعة .
ولكن الصورة ليست وردية دائما في كل الأحول بل إن الأمر لا يخلو من بعض القلق ، وتتابع الحكومة المركزية في العاصمة أوتاوا بعض التقارير حول تعثر كثير من المهاجرين منذ فترة التسعينيات ممن عجزوا عن مواصلة ما حققوه في فترة الثمانينيات من تقدم .
وتشير تقديرات مؤسسة التحليل الاقتصادية (كونفيرنس بورد) إلى وجود نحو 340 ألف مهاجر يعملون في نشاطات مختلفة عن مؤهلاتهم الدراسية، وتقول إليزابيث سميك من مجلس العلاقات الأجنبية في نيويورك والتي درست سياسة الهجرة الكندية بصورة دقيقة- تقول : "يبدو أن هناك مشكلات أخرى أكبر من مجرد عدم تناغم المؤهلات في سوق العمل " وتشير سميك إلى بيانات دائرة الإحصائيات الوطنية التي تشير إلى أن الدخل الإجمالي المخصص لأطفال المهاجرين في كندا أعلى نسبياً من ذلك الخاص بوالديهم؛ وهذا يتعلّق بوجه الخصوص بالمهاجرين من أصل أوروبي. بينما في المقابل، يبلغ حجم الدخل للمواطن الكندي من أصول ملونة أو غير أوروبية أقل بنحو مرتين من نظرائهم البيض. لكن سميك تعود لتؤكد أن الجيل الثاني والثالث للمهاجرين يحظون بمستوى تعليمي أعلى وعلى فرص الدخل الإجمالي نفسها مثل بقية الكنديين. وعلى نحوٍ عام، يجد المهاجرون وظائف بصورة أسرع، حيث يجد نحو 70 في المائة منهم فرصة عمل في غضون النصف الأول من العام. وما يزيد على النصف من المهاجرين حصلوا على وظيفة في غضون سنتين أو 80 أسبوعا على الأقل.
وكما هي الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الشركات الكندية منعت توظيف المهاجرين غير الشرعيين، حيث تتهددهم غرامات مالية قاسية وقد يصل الأمر إلى الحبس. وعلى أية حال، لا توجد الضوابط عن طريق السلطات إلا في حالات معيّنة فقط، وهذه مشابهة لما يتم في أمريكا أيضاً. ولكن لا تتقارب مشكلة المهاجرين غير الشرعيين في كندا في حجمها مع تلك الموجودة في أمريكا. وتشير تقديرات إلى أن عدد الجنب غير الحاصلين على تراخيص إقامة رسمية في كندا يصل عددهم إلى 200 ألف شخص من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم رسميا 32.5 مليون نسمة بينما يراوح عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأمريكية المجاورة بين 11 و12 مليون شخص من إجمالي 300 مليون نسمة هم عدد السكان.
أما ما طغى على الساحة السياسية الكندية أخيرا فهو الجدل والنقاش حول سياسة الهجرة تلك بسبب مخاطر الإرهاب خاصة بعد ما تم الكشف عنه في حزيران (يونيو) الماضي، عن خلية محتملة تابعة للقاعدة في مدينة تورونتو. ويقول مارتين كولاكوت من معهد الدراسات الحرة ومقره مدينة فانكوفر : "إن سياستنا للهجرة المكثّفة تسببت في أننا بدأنا نفقد شيئا فشيئا سيطرتنا على الأمور وضاعت الضوابط على المهاجرين. هذا الشيء يهدد الأمن القومي الكندي بشكل مباشر"

الأكثر قراءة