محاذير اقتصادية وسياسية تحرم "السيولة السعودية" من فرص تمويل بنوك أوروبا
وقفت بعض المحاذير الاقتصادية والسياسية حاجزا أمام السيولة السعودية، سواء تلك التي تمتلكها البنوك أو الصناديق السيادية، أمام الاستفادة من الفرص المتعاظمة في القطاع المالي الأوروبي، على غرار ما تفعله البنوك الخليجية والصناديق السيادية في الكويت وقطر والإمارات.
وقال لـ "الاقتصادية" مصرفيون سعوديون إن بحث البنوك الأوروبية، خصوصا القوية منها والمدعومة حكوميا كبنوك فرنسا وبريطانيا وسويسرا ولكسمبورج عن السيولة بضغط من إجراءات بازل 3 والاشتراطات الحكومية لإعادة رسملتها، تشكل فرصا استثمارية جيدة، ويمكن أن تحقق عوائد مالية ممتازة على المدى المتوسط والبعيد.
وقال المصرفيون "إن بعض المحاذير الاقتصادية والنقدية التي تتبناها البنوك السعودية أو مؤسسة النقد، والمتمثلة في عدم التشجيع على استثمار ودائع البنوك خارجيا أو رفع الاحتياطيات الإلزامية أو تلك المتعلقة بارتفاع سقف الإنفاق الحكومي، تمنع ملاك السيولة الضخمة في المملكة من المشاركة في تلك الفرص الاستثمارية".
يقول جمال الكشي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لدوتشيه بنك في السعودية إن الأوضاع التي يمر بها القطاع المالي الأوروبي يعد فرصة استثمارية لأي مستثمر يبحث عن تعظيم استثماراته، خصوصا أن المخاطر في البنوك الكبيرة في أوروبا ليست كبيرة للغاية، مشيرا إلى أن تلك البنوك مقبلة على مرحلة تصحيح في أوضاعها من خلال إعادة تسعير الإقراض والمخصصات، كما هو الحال في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا.
وأضاف "المخاطر في البنوك الأوروبية محدودة وهي أقل من المخاطر في السندات الحكومية، خصوصا في البنوك القوية والمدعومة حكوميا".
وبين الكشي أن هناك عمليات تسويق واسعة تتم في منطقة الخليج لتلك الفرص إلا أن السيولة السعودية ورغم أنها ضمن أهداف البنوك الأوروبية، ولكن الاهتمام بها أقل منه في الأسواق الخليجية الأخرى.
وزاد "في الكويت وقطر والإمارات هناك توجه سياسي لدعم تحركات البنوك أو الصناديق السيادية وهو ما لا يحدث عندنا".
من ناحيته، يقلل مطشر المرشد، عضو جمعية الاقتصاد السعودية من جاذبية الفرص الاستثمارية في بنوك أوروبا رغم أنها أفضل من السندات، مشيرا إلى أن الأزمة في منطقة اليورو لا تزال مرشحة لمزيد من السوء خلال الشهور المقبلة، وأنه لا يمكن الاعتماد على حجم البنوك للقول إنها في وضع أمن وخير دليل على ذلك انهيار بنك ليمان براذرز.
وقال المرشد إن هناك جوانب سياسة أيضا تمنع السيولة السعودية من التوجه نحو منطقة اليورو التي تشهد اضطرابات اقتصادية واسعة، موضحا أن ذلك توجه محمود في المرحلة الراهنة، خصوصا إذا ما علمنا أن الاستثمار في القطاع المالي الأوروبي يتسم بالضبابية، ويحتاج إلى عمليات تدقيق وتمحيص احترافية، كما أن المخاطر عالية مقارنة بالسندات.
وأضاف "نحن نشهد عمليات هروب للودائع من القطاع الأوروبي نحو الأسواق الناشئة.. قطر والكويت والإمارات يخاطرون في الاستثمار في البنوك الأوروبية ويتركون الفرص الأكبر وهي الاستثمار في الأصول الثابتة كالعقارات والشركات العملاقة كشركات الأدوية والغذاء الأوروبية".
وبين المصرفي السعودي أن السعودية تتجه للسندات لأنها أقل مخاطرة من البنوك التجارية، ولكن الأفضل من كليهما هو الاستثمار المباشر في مصانع إيطاليا والبرتغال وفرنسا، وفي قطاعات تحتاج إليها المملكة كقطاعي الغذاء والدواء.
وتابع "رغم ذلك، فإنني متفاءل بالحلول التي تنتهجها أوروبا لمعالجة أزمتها، فهناك إجراءات سليمة متبعة لتصويب مسار الاقتصاد أكثر جدوى مما تعمل أمريكا، التي تمنعها الانتخابات المقبلة من اتخاذ خطوات فعالة.. لذا أراهن على الحصان الأوروبي أكثر من الأمريكي.
وانتهى المرشد بالتوقع أن يبرز قوى اقتصادية ودول صناعية جديدة جراء الأزمة العالمية الراهنة أو الكساد المنتظر، وذلك خلال السنوات الخمس المقبلة، مبينا أن الفرص تكمن هناك في روسيا والصين والهند والبرازيل. وزاد "قد يبرز حتى عملات عالمية جديدة كاليوان.. لذلك فإن أفضل الخيارات اليوم هو الذهاب إلى تلك الأسواق.
ويأتي التردد السعودي في وقت أعلن فيه أمس وزير مالية لوكسمبورغ لوك فرايدن الإثنين أن مجموعة مستثمرين من الأسرة الحاكمة في قطر ستشتري مصرف "ديكسيا بيل" للتجزئة وإدارة الأصول، وهو فرع بنك ديكسيا في لوكسمبورغ، الذي يمر بأزمة حادة. وقال الوزير للصحافيين إن "عائلة من مجموعة مالية في قطر مستعدة لشراء المصرف"، مشيرا إلى أنهم أفراد من الأسرة الحاكمة في دولة قطر التي أعلنت في وقت سابق من اليوم الإثنين شراء مصرف "كي بي ال" لوكسمبورغ الخاص التابع لمجموعة "كي بي سي" البلجيكية بقيمة 1,050 مليار يورو.
فيما أعلنت مجموعة كا. بي. سي البلجيكية في بيان أمس أن الشركة المساهمة برسيزيون كابيتال المملوكة من دولة قطر ستشتري البنك الخاص كا. بي. ال المتفرع عن المجموعة في لوكسمبورغ. وقال البيان إن "مجموعة كا. بي. سي أبرمت اتفاقا مع بريسيزيون كابيتال للتنازل عن فرعها المصرفي الخاص كا. بي. ال يوروبيان برايفت بانكرز لقاء مبلغ إجمالي قدره 1,050 مليار يورو بينها خمسون مليون يورو تتوقف على نتائج كا. بي. ال".
من جهته، قال مصطفى الشمالي وزير المالية الكويتي أمس إن الهيئة العامة للاستثمار التي تمثل الصندوق السيادي لدولة الكويت قادرة على تحمل أزمة ديون منطقة اليورو. وقال الشمالي إن الهيئة العامة للاستثمار قادرة على تحمل تقلبات كبيرة في الأسواق بسبب طبيعة الأفق الاستثماري للصندوق. وفي رده على سؤال حول احتمال شراء سندات حكومية في منطقة اليورو المضطربة مثل السندات الإيطالية قال الشمالي للوكالة "نحن منفتحون على أية فرص استثمارية في جميع أنحاء أوروبا ما دامت هذه الاستثمارات تتوافق مع ضوابط المخاطر وفي حال كانت تدخل ضمن معايير الاستثمار لدينا".
إلى ذلك ذكر بنك نومورا في تقرير له صدر في أيلول (سبتمبر) الماضي أن صناديق الثروة السيادية في منطقة الخليج تبدو مرشحة محتملة للرساميل للمؤسسات المالية الأوروبية، فيما كانت تقارير صحافية أفادت الأسبوع الماضي بقيام إدارة بنك «بي إن بي باريبا»، بزيارة إلى المنطقة للتحدث مع مستثمرين محتملين. وثمة أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن استثمارات مختارة قد تمضي قدما. وأضاف التقرير: إن المزايا المالية والاستراتيجية المحتملة، قد تكون بالغة الأهمية، فيما لو أجريت الاستثمارات في وقتها وسعرها المناسبين، وإعادة التأمين المناسب، ولا سيما فيما يخص المخاطر المحتملة الخاصة بعمليات الإنقاذ الحكومية للقطاع المالي.
وأوضح البنك أن اعتبارات مهمة قد تضع عراقيل أمام استثمارات صناديق الثروة الشرق أوسطية في البنوك الأوروبية، ومنها: التجارب السابقة مع استثمارات في المؤسسات المالية خلال الأزمة المالية السابقة كانت مختلطة، وخاصة تلك الصناديق التي اختارت الاستثمار في بداية الأزمة مثل جهاز أبوظبي للاستثمار (أديا) بقيمة 7.5 مليارات دولار في سيتي. وأضاف التقرير أن المزايا المالية والاستراتيجية المحتملة، قد تكون بالغة الأهمية، فيما لو أجريت الاستثمارات في وقتها وسعرها المناسبين، وإعادة التأمين المناسب، ولا سيما فيما يخص المخاطر المحتملة الخاصة بعمليات الإنقاذ الحكومية للقطاع المالي. وأشار إلى أن هناك ضغوطا سياسية المحلية، فهناك برامج تحفيزية مالية في معظم الدول الخليجية، قد تجعلها تتجنب إنقاذ البنوك الأوروبية.