متاعب المصارف الأوروبية تزيد من حدة أزمة الديون

متاعب المصارف الأوروبية تزيد من حدة أزمة الديون

انتقلت الأزمة المالية في أوروبا من الدول الجانبية في منطقة اليورو وهي أيرلندا واليونان والبرتغال وإسبانيا إلى الدول المركزية في هذه المنطقة وهي فرنسا وبلجيكا العضوين المؤسسين للاتحاد الأوروبي واللتين تواجهان أول حالة إفلاس لأحد المصارف كنتيجة مباشرة لتداعيات أزمة الديون السيادية.
ويمثل التوجه الرسمي المعلن لتقسيم وتجزئة وإعادة هيكلة مصرف "داكسيا" الفرنسي البلجيكي أول خطوة من نوعها في منطقة اليورو تطول أحد المصارف المتورطة بشكل كبير وفي شقه الفرنسي تحديدا في إدارة ديون اليونان. ويخيم مناخ من انعدام الارتياح الفعلي والقلق لدى المسؤولين السياسيين والمتعاملين الاقتصاديين بعد هذا التطور خاصة أن اختبارات الضغط والمقاومة التي أجريت على المصارف الأوروبية منذ شهرين فقط لم تكشف عن وجود متاعب تذكر للمصرف الفرنسي البلجيكي. وأعلن مفوض شؤون النقد الأوروبي أولي رين أمس أن الدول الأوروبية تفكر فيما سماه بخطة متكاملة ومتناسقة لضخ السيولة المالية في المصارف الأوروبية التي تعاني تبعات الديون السيادية، وقال رين إنه يوجد شعور بضرورة التحرك العاجل لدى وزراء الخزانة والمال الأوروبيين وبضرورة "فعل شيء ما".
وتجري المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل محادثات في بروكسل مع كبار المسؤولين الاتحاديين لتحديد أكبر توافق أوروبي ممكن حول آفاق الحوكمة الاقتصادية والمالية في منطقة اليورو يتوقع أن تعتمدها قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي يومي 17 و18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري في العاصمة البلجيكية. وتمارس بريطانيا التي لا تنتمي لمنطقة اليورو والمهددة مباشرة من تدبير الحوكمة والانضباط النقدي والمالي ضغوطا على دول الاتحاد الأوروبي لجرها نحو اعتماد منهج أكثر فاعلية في مساعدة المصارف باعتبار ذلك يمثل عامل الطمأنة الفعلي للأسواق، وقال جورج أوسبورن وزير الخزانة البريطاني للصحافيين في لكسمبورج أمس الأول إنه يجب التفكير بشكل واقعي والقبول بضرورة الرفع من رؤوس أموال مصارف منطقة اليورو.
وحذر وزير الخزانة الألماني فولغانغ شوبيلة الذي يدعو إلى تعامل قاس مع الدول المتعثرة، من تداعيات متاعب المصارف على أزمة الديون السيادية للدول. ووضعت أوروبا عام 2008 آلية طارئة لمساعدة المصرف الأوروبية بعد انهيار مصرف (ليمان ـ برذرز) الأمريكي ويسود الاعتقاد أن منطقة اليورو ستكون مجبرة على معادة نفس العملية وتحتاج المصارف الأوروبية إلى مزيد من السيولة لمواجهة متاعبها الناتجة عن تورطها في أصول غير صحية لها علاقة بأزمة الديون ولكن الجهة المخولة بتمكينها من السيولة تضل المصرف المركزي الأوروبي والذي يضل بحاجة إلى موافقة ألمانية صريحة مقابل أي تحرك لنجدة المؤسسات المصرفية الأوروبية.
من جهته، أكد حاكم البنك المركزي الفرنسي كريستيان نواييه أمس أن تدخل فرنسا لصالح مصرف ديكسيا الفرنسي البلجيكي الذي وقع ضحية أزمة منطقة اليورو لا يهدد التصنيف المالي AAA للبلاد وهو الأفضل الذي تمنح لدولة.
وردا على سؤال (إذاعة أورويا 1) اعتبر نواييه أن القول إن الضمانات التي قدمتها فرنسا إلى جانب بلجيكا إلى بنك "ديكسيا" التي بدأت آلية لتفكيكه قد تؤدي إلى فقدان بلاده تصنيفها "مبالغ به وغير دقيق". وأتى حديث نواييه ردا على أقوال رئيس الوزراء السابق الاشتراكي لوران فابيوس عبر الإذاعة نفسها، حيث اعتبر أن ملف ديكسيا "مقلق جدا" محذرا من أنه "إذا أثقلنا كاهلنا بهذا الموضوع فإن تصنيفنا لن يتحمل".
وقال حاكم البنك المركزي "أعتقد أن هذه التصريحات مبالغ بها وغير دقيقة إلى حد كبير. فالدولتان كلتاهما لن تؤمنا ضمانات أكثر مما فعلتا قبل سنوات". وتابع "إن الدولتين البلجيكية والفرنسية ستخصصان لهذه العملية أموالا أقل بكثير مما فعل الإنجليز لرويال بنك أوف سكوتلاند أو باركليز".
وصرح وزير الاقتصاد الفرنسي فرنسوا باروان من جهته لإذاعة (آر.تي.إل.إن) تدخل الدولة الفرنسية لصالح ديكسيا "لن يثقل ديون الدولة بحسب (المؤسسة الأوروبية للإحصاءات) يوروستات لأن الضمانات الممنوحة إلى المؤسسات المالية ليست مدرجة في الدين العام". وأكد من جهة أخرى أن تولي صندوق الودائع (الذراع المالية للدولة الفرنسية) ومؤسسة بنك "بوستال" العامة جزءا من أعمال الإقراض إلى الفروع المحلية الفرنسية لديكسيا "هو السبيل الأكثر جدية". وتابع باروان "الأمر المفروغ منه أن "ديكسيا" لا يمكن أن يبقى على حاله"، مشيرا إلى أن وضع المصرف "استثنائي".
وأوضح أن بنك ديكسيا "يعاني في آن من تراكم سوء الإدارة المفرط والنموذج الاقتصادي الذي استند إلى الحاجة إلى السيولة لتمويل مشاريعه وإدارته قبل 2007". وأعلن رئيس الوزراء البلجيكي إيف لوتيرم مساء أمس الأول أن حكومته أقرت إنشاء بنك لتخليص الديون الفاسدة لفصل "أصول الماضي" التي تثقل نشاطات ديكسيا. وستمنح فرنسا وبلجيكا "عند الحاجة" ضماناتهما إلى الأصول ذات الإشكالية المجمعة في الهيئة الجديدة.

الأكثر قراءة