دراسة مواد الاقتصاد في الجامعات ليست جافة أو مملة

دراسة مواد الاقتصاد في الجامعات ليست جافة أو مملة

الجامعات تواجه اندفاع الطلاب، الذي يفوق سعاتها، ولن يتم استثناء العلوم الاقتصادية من هذا التطوّر الملحوظ. وتقليدياً تُعتبر دراسة التخصصات الاقتصادية وكأنها تأمين لإدارة الأعمال، أو كعلم استثماري، ولكنها تعتمد كذلك على علاقات كبيرة بالاقتصاديات الموجّهة. ومن الممكن أن يتزايد هذا التدفق في الأوقات الصعبة. وبحلول منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، عندما يبدأ فصل الشتاء، ستبدأ أعداد لا تحصى من المبتدئين في البحث عن تخصص معين من المسارات الدراسية المتعددة المطروحة.
لا يبدو علم الاقتصاد في البداية سيئاً للغاية، كما هي الحال بالنسبة لتخصصات أكثر جفافا مثل القانون أو الإحصاء، والمعلوماتية، والمحاسبة، أو حتى الرياضيات. وإذا كان علم الاقتصاد، لا يرمز إلى الرياضيات، فإن الرياضيات موجودة في دراسة الاقتصاد. وتقدّم جامعة فرانكفورت اليوم قبل بداية الدراسة، دورات تمهيدية في الرياضيات، "هذا مهم بهدف تحقيق مستوى معرفي مشترك لدى الطلاب في هذه الدراسة". وما تتضمن هذه الدراسة اليوم بالكامل للجدول الدراسي للاقتصاد، هي الفلسفة، والنظريات العلمية. ولكن حتى التاريخ بالكاد يظهر في مقدمة هذا المسار أيضاً، وينطبق هذا على سنوات الدراسة بأكملها.
إن الخبراء الاقتصاديين من الممكن أن يكونوا دقيقين مثل علماء الطبيعة. وهنا تتم الكثير من عمليات القياس والتقدير، في مزيج انتقائي ناتج عن النشاط الاستقرائي، الذي يشتقه المرء من نظريات المراقبة التجريبية، والعمل الاستدلالي، الذي يعرض المرء به نظريات منطقية مهمة، ويختبرها في النهاية عن طريق المعدلات والأرقام.وعلى نحوٍ غير عملي، يُعتبر الاقتصاد علماً اجتماعياً وإنسانياً، كما يُقال، بما أنه يتعلّق بالناس. ولكن تصرفات الناس ليست واحدة، ولأن كل ما هو ممكن، يدخل في قاعدة التنبؤ، ومع أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، فإن انحراف القاعدة هو قاعدة بحد ذاته. وبالتالي تتلاشى فرصة التأكيد على النظريات أو إصدارها بمساعدة المذهب الاستقرائي. ويتزايد البحث حتى درجة معينة عن المبادئ القانونية. ومن يبحث عن المبادئ القانونية، لا يمكنه أن يصل إلى ثغرات الهيكلة الاقتصادية المحيّرة. ولكن فقط على هذا النحو يمكن التوضيح، بأن الاقتصاد بالفعل يملك تصورات تخطيطية، كما يعمل اقتصاد السوق في الشركات الكبيرة، دون ذكر أسماء، حيث لا يمكنها حتى اليوم أن تفسّر، أي دور يلعبه صاحب الشركة أو رجل الأعمال حقيقة. وفي النهاية يظهر إبداع صاحب الشركة أو رجل الأعمال، في الخروج عن تلك المبادئ القانونية، ولكن حتى هذا الخروج يظهر وكأنه مبدأ قانوني، وكأن هذا المفهوم يحتوي على لفظتين متناقضتين.
إلا أن صغار الخبراء الاقتصاديين اليوم لا يلقون بالاً كثيراً إلى ذاك الخروج. فهم يقدّرون و يتنبأون بالنمو الاقتصادي، حتى دون أن يسألوا أنفسهم كيف تسري المجريات التجارية، والتي يرتكز عليها هذا النمو. ويقومون بإجراء مقارنات عملية، ترتكز على قواعد، لقطاعات مختلفة، دون أن يفكّروا مثلاً، بأي صلاحية يمكن للمشرّع أن يحرم أحد المزودين الخاصين من حقوق الملكية الفكرية. إن الاقتصاد أصبح اليوم معتمدا إلى حدٍ كبير على التطبيقات. ولم يعد يوجد نموذج واحد، وينهي النصائح السياسة بطريقةٍ ما، حيث كيف يُفترض أن تلتف السياسة، وعلى أي المرابط، ، والتي يتم فيها تجاهل فائدة أحد أشكال "التدخل الخارجي" أيضاً. وعندما يكرّس اقتصاديو التنمية أنفسهم أكثر وأكثر على أساليب التحليل المتقصّي، حينها من الممكن أن تؤثر بحيث تصبح النتيجة مقصورة على فئة قليلة فقط، ولكن في النهاية ما يخدم هذا الأسلوب هو التطبيقات، التي لا تنجح غالباً.
وما ينقص الاقتصاد الذي تتم دراسته اليوم في الجامعات، هو مرةً أخرى الفجوة ما بين الأساليب العملية والضرورة الواقعية للسياسة. والأسئلة التي تدور حول الفلسفة الاجتماعية الكبرى، التي لابد من إعادة طرحها، عندما يدور الأمر حول العلاقة الحقيقية بالواقع: كيف تتعلم الشركات؟ كيف تنجح الأساليب الإبداعية، التي يجتمع فيها علم محوري متاح، ويتمازج فيها تداخل مشروط لمختلف الناس مع بعضهم البعض، دون أن يكون هذا التداخل مُدركاً في وعي الإنسان؟ كيف تطوّر الأنظمة، والمعايير، الفكرية، التراكمية نفسها؟ كيف تنشأ المؤسسات الرسمية وغير الرسمية؟ ما الأشياء التي من الممكن أن تكون مفيدة للتطوّر الاقتصادي؟
و يملك الخبراء الاقتصاديون إجابات عن كل هذه الأسئلة ولكن لا يجيبون عنها إلا إذا أرادوا أن يجيبوا. والشيء الذي يوفر لهم هذه الخصوصية، هو التركيز على العلاقات المتبادلة، وتداخل الناس، ولهذا بالضبط أوجدوا كلمة (السوق) التي هي بالطبع لا تقتصر على الفواكه والخضار. وفي النهاية فإن الاقتصاد هو علم متضارب مثل الفلسفة، ولكن إذا ما ارتكز علماء الاقتصاد على هذا التضارب فقط يضيع على طالبي دراسة علم الاقتصاد بعضا من جمال و تشويق هذه المادة.

الأكثر قراءة