انعدام المغناطيسية للبترو- دولار والتوجه الجديد للمستثمرين الخليجيين
لم يعد البترو - دولار يتدفّق بصورة أوتوماتيكية إلى أمريكا منذ الحادي عشر من سبتمبر. والمستفيد من عملية إعادة النظر في الأمر من قبل العرب هم الآسيويون، والسبب لا يعود على التقلبات السياسية فقط.
وبالرجوع إلى الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، يمكن القول إنها كانت إشارة الانطلاق: فمنذ ذلك الحين لا يوجّه المستثمرون العرب أموالهم نحو السوق الأمريكية فقط، بل بدأت أنظارهم تتجه إلى المزيد من الأسواق الجديدة، وبالأخص إلى الأسواق الموجودة في آسيا. ومباشرةً عقب الهجمات الإرهابية على مبنى التجارة العالمي سحبوا ما يزيد على 200 مليار دولار من الولايات المتحدة الأمريكية خوفاً من تجميد موجوداتهم الاستثمارية، وعملوا على رصدها في أسواق أخرى خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
نسبة بسيطة من المستثمرين العرب الذين انسحبوا لم يتمكنوا من تمويل خسائرهم عقب مراكز فقاعة شركات الإنترنت، حسبما ورد عن طارق فضل الله من مجموعة نومورا للاستثمارات في البحرين. وعقب أعوام من تراجع حجم الشراء، يتبعها اليوم استعداد جديد، على الأقل من قبل حكومات دول الخليج للتقدّم لشراء موجودات الخزانة الأمريكية من جديد. ونظراً للخوف المتزايد من التجميد المحتمل، يظهر هذا التقدّم نحو الشراء غالباً في مناطق ما وراء الساحل عن طريق البنوك الموجودة في آسيا، وأوروبا. والأهم من السؤال عن مواقع الاستثمارات المرشحة، هو السؤال عن المكان الذي تستخدم فيه دول النفط اليوم بترودولارتها الساخنة. وتؤثر المبالغ التي رشحت عام 2001 بصورة متواضعة، مقابل كل بترودولار تدفق منذ ذلك الحين من دول الخليج العربية خلال الأعوام اللاحقة. وتُقدّر مؤسسة المالية الدولية - IIF "Institute International Finance"، بأن الدول الست من مجلس التعاون الخليجي - GCC رصدت وحدها في عام 2005 في الخارج نحو 167 مليار دولار. وتتنبّأ المؤسسة لعامي 2006 و2007 المزيد من الاستثمارات المالية الأجنبية بقيمة 450 مليار دولار. وينصبّ منها في الولايات المتحدة جزء بسيط فقط بالمقارنة مع الماضي. ومن ناحية أخرى، فإن أمريكا مرتبطة أكثر من السابق، بأن تعمل دول الأوبك على تمويل عجز الميزان الإنتاجي. ويتوقع صندوق النقد الدولي، بأن ترتفع حصة دول الأوبك في هذا التمويل خلال عام 2006 الجاري من 41 إلى 46 في المائة، وأن تنخفض حصة آسيا من هذا التمويل من 47 إلى 41 في المائة.
ولكن بالكاد يمكن الحكم بالمطلق أين تنصبّ أموال البترودولار اليوم، وتتراجع هذه القدرة عاماً تلو الآخر. وخصص بنك معادلة المدفوعات الدولية - BIZ منذ عام 1998 حتى عام 2005 نحو 30 في المائة من تدفق البترودولار ضمن أشكال استثمارية مالية منفردة. ويستنتج إيكارت وورتز من مركز أبحاث الخليج في دبي، بأن المستثمرين العرب لا يتصرفون بصورة تختلف عن باقي مستثمري العالم منذ الحادي عشر من سبتمبر، حيث تنصبّ وسيلة نقدية أقل في الاستثمارات المالية في البنوك، وموجودات الخزنة المالية، ولكن المزيد من الوسيلة النقدية في قروض الشركات، والقطاع الخاص، وصناديق التحوّط، والتي لا يتم ضمها إلى إحصائيات "بنك معادلة المدفوعات المالية".
وبالكاد يتميز حجم المستثمرين العرب في مجال الاستثمارات المباشرة أيضاً في الولايات المتحدة عن غيرهم من المشاركين في السوق. فكل المشتركين يتفقون على تراجع اعتباراتهم للأمن الأمريكي القومي. وبعيداً عن المحاولة الفاشلة من قبل مجموعة دبي العالمية للموانئ، في الاستحواذ على الموانئ الأمريكية، فلم تقف الحكومة الأمريكية عائقاً حتى الآن في مواجهة أي مستثمر عربي من الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد استفادت الأسواق الخاصة في الخليج من إعادة النظر في تدفق رأس المال. ويتم إنفاق حصة أعلى بوضوح من الأرباح الخيالية الناتجة عن تصدير النفط في داخل الدول أكثر من الماضي. ويتدفق المال إلى أسواق العقارات والبورصات. وبالإضافة إلى هذا، يتم تمويل المشاريع القائمة في البنية التحتية، التنويع الاقتصادي. وعلى ما يبدو أن قدرة هذه الأسواق على امتصاص البترو - دولار محدودة. والإشارة إلى هذه كانت ازدهار البورصة في عام 2005 والتعديلات الهائلة خلال هذا العام.
وتدفق إلى أوروبا بترو - دولار بأحجام كبيرة لشراء العقارات، وبعض منها في متحف مدام توسو للشمع، وفي القطاع الخاص. وتقدّم مستثمرو الخليج لشراء حزم من الأسهم من مجموعة دايملر- كرايزلر، وفيراري. وحتى عندما لا يتم عرض أي أرقام ومعدلات، فإن آسيا النقطة المحورية الجديدة بالنسبة إلى مستثمري الخليج، حيث فتحت سلطات الاستثمار الكويتية عقب فرعها الأجنبي الأول في لندن، فرعاً آخر في الصين. وتطمح هذه السلطات والشركة الشقيقة من أبوظبي "أديا"، التقدّم أكثر عن طريق البنك التجاري الصيني. وتقدّم المستثمر السعودي، الوليد بن طلال، لشراء نحو 2 في المائة من رأسمال البنك الصيني، وتبني المملكة العربية السعودية مصافي كبيرة في الصين وكوريا.
ودون جدال، فإن التوجه الجديد لمستثمري الخليج يعتمد على الاستثمار الاستراتيجي في آسيا والعالم العربي. وتلعب الاعتبارات السياسية دوراً أقل لدى المستثمرين الخاصين بالمقارنة مع حسبة الأرباح، حسب ما ورد عن فضل الله من نومورا. وما يخوض فيه الجدل لدى المصرفيين الغربيين، هو فيما إذا كانت دول الخليج ستعمل على توديع الدولار بصورة تدريجية. والبعض يُلحق بداية ضعف الدولار في صيف عام 2002 مع الإعلان عن مبدأ "الضربة الاحترازية" من قبل بوش. حتى المستثمرون العرب انسحبوا رغم مميزات الفائدة لدى الدولار من نقد الولايات التي تبدو سياستها مهددة، ومستقبلها الاقتصادي غير آمن. ومن ناحية أخرى فإن العملات النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي مرتبطة بالدولار، ويتم تسجيل النفط الخام في الفواتير بالدولار. وتراجعت حصة الدولار من الاحتياطي النقدي لدول مجلس التعاون منذ الأعوام القليلة الماضية من 80 إلى 70 في المائة، حسب تقديرات وورتز. وسجّل عام 2004 النقطة الأدنى بما يعادل 60 في المائة.