زوربا .. فلسفة الرواية والأسطورة
شخصية بطل الرواية والأسطورة التي قابلها الكاتب اليوناني يوماً ما وكتب عنها هي شخصية جدلية تستحق دراسة متعمقة بل ربما دراسات نقدية ونفسية على غرار تلك التي حظيت بها شخصية أوديب عند المسرحي اليوناني سوفوكليس المتوفى عام 406 ق.م, أو شخصية هاملت في مسرحية هاملت للكاتب الإنجليزي وليم شكسبير المتوفى عام 1616م .
فهم زوربا للحياة, وتعاطيه معها, فهم معقد ويبدو في اللحظة ذاتها بسيطا حد السذاجة. زوربا هو الملحد الحقيقي كامل الإلحاد الذي حاول الفيلسوف الألماني نيتشه أن يكونه ولم يستطع.
شخصية زوربا هي شخصية الملحد الطبيعي "غير الموجود" الذي ينطلق في إلحاده من فهم الحياة بصورة مغايرة لا من إشكاليات وجود الله أو معرفته أو كردة فعل على القدر أو اضطرابات نفسية أو اجتماعية.
زوربا المغامر, السندباد البحري, الذي لا يفكر إلا في متعة لحظته, الحديث عن النساء والشراب, هو نفسه زوربا الملحد, الفيلسوف, الذي يتحدث عن إشكاليات الوجود والحياة, وهو نفسه مدير أعمال الراوي في منجم الينيت, وهو ذاته العازف على آله السانتوري والراقص لرقصته الشهيرة, وهو ذاك الذي توفي وهو يصرخ ويتشبث بالنافذة ليطل منها على الحياة التي عاشها بكل ما فيها.
فزوربا عبارة عن آدمي قابله أحد المثقفين على المرفأ ثم طلب مرافقته ووافق هذا الأخير, أصبحا أصدقاء وعاشا حياة مغايرة, وحدثا عن النساء وعن الله وعن القضاء والقدر, أحبا أرملة, وعاشا معها إلى أن ماتت, تسببا في حريق كنيسة, واستهزآ بزكريا أحد القساوسة, واستثمرا في أحد المناجم, وفشلا ومن ثم افترقا.
رواية رغم بساطتها الظاهرة إلا أنها مملوءى بالفلسفة حد التخمة, ربما هي جديرة بأن تصنف ككتاب فلسفي لا كرواية.
يجب ألا تصدم حين تواجه عبارات كهذه " الطريقة الوحيدة لإنقاذ نفسك هي أن تناضل لإنقاذ الآخرين" أو عبارة " إن المرأة الحقيقية .. تتمتع باللذة التي تمنحها أكثر من تمتعها باللذة التي تأخذها من الرجل" فإن عبارات كهذه منثورة على امتداد الرواية, وتأتي دائماً في وقتها المناسب لتختزل جزءا من الحياة.
لا يستغرب أن تكون هذه الرواية من ترجمة المفكر العربي جورج طرابيشي, هذه الترجمة التي كانت محكمة حد نسيانها لولا أن الروائيين العرب لا يكتبون أعمالاً بهذا العمق.
نيكوس كازنتازاكيس كاتب يوناني ولد عام 1885م في جزيرة كريت, درس الحقوق في آثينا ودخل الحياة السياسية اليونانية في عام 1947م, من أهم أعماله رواية " الإغواء الأخير للمسيح" وسيرته الذاتية التي كتبها في "تقرير إلى غريكو", توفي عام 1957.
الرواية من إصدارات دار الآداب اللبنانية وتقع في 316 صفحة من القطاع الكبير.