طلب قوي على طائرات الركاب يتحدى سعة «بوينج» الإنتاجية
من المقدمة إلى الذيل، تمر سبع طائرات في حالة التطوير عند خط التجميع من خلال محطات مختلفة تتم عندها إضافة قطع مختلفة بشكل تدريجي – لوحات أرضية، وممرات، وأساسيات داخلية، وإلكترونيات، ومحركات نفاثة. ويتحرك الخط الذي تقف عليه الطائرة بمقدار بوصتين كل دقيقة، ثم يأخذها لتمر خلال المصنع – من جسم فارغ إلى طائرة جاهزة للطيران – في غضون 11 يوماً.
يختلف الأمر تماماً عن الوقت الذي كانت فيه الطائرات تحت الإنتاج تقف ثابتة بينما تأتي فرق العمال وتذهب إلى أن يكتمل إنتاجها. ويضم مرفق ''بوينج'' 737 الذي يقع في مصنع واسع في رينتون، جنوب شرق مدينة سياتل الأمريكية، أفضل ما يمكن لمصنع طائرات أن ينجزه. وينتج خط التجميع الأكثر إنتاجية بين الخطين بالنسبة إلى الطائرة ضيقة الجسم، طائرة واحدة منتهية الصنع تقريباً مع نهاية كل يوم عمل.
تبدو المجموعة في غاية الثقة بخط إنتاجها، بحيث أنها تخطط إلى زيادة الإنتاج. ومن أقل من 15 طائرة كان يتم إنتاجها شهرياً قبل عقد مضى، وما معدله 31.5 الآن، تهدف المجموعة إلى إنتاج 35 طائرة شهرياً، ابتداء من شهر كانون الثاني (يناير)، ثم 38 طائرة شهرياً في عام 2013، و42 طائرة في عام 2014. وحتى هذه الكمية من الإنتاج لن تلبي الطلب، الأمر الذي يجعل الشركة تشعر بالإحباط. ويقول جيم ألبوف، الرئيس التنفيذي لقطاع الطائرات التجارية في ''بوينج''، إن سجل الطلبات مليء حتى سبع سنوات. ويضيف: ''إننا نشهد طلباً من جانب السوق ليس بإمكاننا تلبيته''.
بصفتها أكبر مصدر في أمريكا، تعتبر ''بوينج'' من عدة نواح رمزاً للصناعة الأمريكية. كما أن علامتها التجارية أيقونة لمهارة الجودة في شتى أرجاء العالم، وقوة العمل فيها مثال على المهارة والتكنولوجيا العاليتين ، والعمالة عالية الأجور التي ينظر إليها على أنها مهمة للمستقبل الصناعي في الولايات المتحدة. ويشكل إحياء قطاع التصنيع بنداً رئيساً من رؤية باراك أوباما ''للفوز بالمستقبل'' التي لخصها في خطاب حال الاتحاد لهذا العام. وخلال جولة حديثة على منطقة وسط الغرب الصناعية، تحدث الرئيس عن رغبته مجدداً في رؤية ''أفضل وألمع الأشخاص لدينا، وهم ملتزمون بإنجاز الأشياء''.
تعتبر شركة صناعة الطائرات هذه إحدى أكثر شركات الولايات المتحدة أهمية على الصعيد السياسي. ويقع مقر الشركة في شيكاغو – المدينة التي تبناها أوباما لتكون مدينته الأم – كما ان رئيسها التنفيذي، جيم مكنيرني، حليف عمل رئيس للإدارة، ويرأس مجلس الصادرات التابع للرئيس. ومن خلال هذا الدور، تم تكليفه برئاسة جانب الصناعة من حملة هدفها مضاعفة الصادرات في غضون خمس سنوات – وهو جهد يتوقع البيت الأبيض أن يولد مليوني وظيفة في الولايات المتحدة.
يتردد صدى التحسينات التي أجرتها ''بوينج'' على الإنتاجية على نطاق واسع بين المصانع الأمريكية التي انبثقت من الانكماش أكثر مرونة وفعالية على الإطلاق. ومع ذلك، تجسد الشركة كذلك – التي دفعت تصاميمها العديدة، ومعاناتها في إنتاج طائرتها الجديدة 787 دريملاينر، بتلك الطائرة إلى أكثر من ثلاث سنوات من التأخير عن الموعد المحدد – تحديات العمل مع سلسلة إمدادات عالمية، والمنافسة ضد المنافسين الدوليين.
تعتبر المنافسة مع ''ايرباص''، المنافس العالمي الرئيس لـ''بوينج''، بمثابة تفويض للولايات المتحدة ضد القوة الأوروبية. وتخلفت ''بيوينج'' عن ''ايرباص'' في عام 2003 من حيث طلبيات الطائرات التجارية، ولكنها واثقة من استعادة هذا المركز الأعلى مجدداً في العام المقبل. وكان الممثلون التجاريون للمنطقتين يخوضون حرباً منذ سنوات في منظمة التجارة العالمية حول ما يدعيه الطرفان بأن الطرف الآخر يقدم مساعدات غير قانونية إلى شركات صناعة الطائرات لديه.
من المناسب أن ''بوينج'' كانت تبدو في الغالب مرادفاً لقطاع الشركات الأمريكية، حيث تمثل قصتها من عدة نواح قصة قطاع الصناعة الأمريكي بشكل عام. ويعتبر خط تجميع طائرات ''بوينج'' 737 مثالاً جيداً على ذلك: كانت الشركات الصناعية الأمريكية، إلى عدة عقود، تطبق المزيد من الأساليب الفعالة التي تعتمد على تلك التي أدخلها المنافسون اليابانيون. ويقول بيفرلي وايز، المدير العام لبرنامج 737: ''تأتي الزيادات في إنتاجنا من التحسينات المرنة''.
في حين أن مثل تلك التعديلات دفع الإنتاجية الأمريكية إلى أعلى بشكل ثابت، إلا أن العملية تسارعت خلال العامين الماضيين. وحينما رأت، أو توقعت، تقلص الطلبيات الخاصة بها خلال الانكماش العالمي، ألغت شركات الصناعة الأمريكية حوالي 2.3 مليون وظيفة. وعلى أية حال، منذ أن بدأ الطلب بالعودة خلال العام الماضي، فضلت إلى حد كبير تقليص من قوة العمل الحالية لديها، بدلاً من إعادة تعيين جيوش من الموظفين.
يمثل هذا الأمر تحدياً بالنسبة إلى أوباما، على وجه الخصوص في ولايات وسط الغرب التي تميل إلى قطاع الصناعة مثل أوهايو، وأنديانا، والتي عانت بشكل غير متكافئ من خسائر الوظائف التي يعتمد عليها أوباما من أجل إعادة انتخابه العام المقبل.
قامت ''بوينج'' بتخفيض عدد وظائفها بنحو 4,500 وظيفة في قسم طائراتها التجارية في عام 2009، رداً على الهبوط، والمحافظة في الوقت ذاته على مستوى ثابت من الإنتاج. وتتوقع إعادة تعيين عدد مماثل خلال الأعوام القليلة المقبلة، ولكن ذلك يتوافق مع الزيادات الكبيرة في الإنتاج التي خططت لها. وتعكس الأرقام توقعاً بأن يستمر النمو في الإنتاج الذي حصلت ''بوينج'' من عمالها – 4 في المائة سنوياً خلال الأعوام الأربعة الماضية.
يشير هذا النوع من المكاسب إلى معضلة السياسة العامة التي تمثلها شركات الصناعة الأمريكية. فمن الناحية الأولى، تريد الولايات المتحدة تعزيز أفضل الممارسات التنافسية، وتمكين شركاتها من قيادة العالم. ومن الناحية الأخرى، تعني التنافسية المعززة كذلك أن بإمكان الشركات زيادة إنتاجها بعدد أقل من العمال. ويقول سونيل تشوبرا، من كلية كيلوغ للإدارة في جامعة نورثويسترن: ''كانت الفعالية، إلى جانب التكنولوجيا، تعني أن شركات الصناعة الأمريكية أكثر إنتاجية بكثير مما اعتادت أن تكون عليه، وبالتالي، فإن الطلب على الأشخاص – وعلى وجه الخصوص بالنسبة إلى وظائف مثل عمال خط التجميع – أدنى بكثير مما كان عليه في الماضي''.
يواصل نشاط المصانع الأمريكية ارتفاعه وفقاً لتقرير صدر أخيراً عن معهد إدارة العرض، والذي أدهش المحللين، وأعطى دفعة إلى سوق البورصة المضروبة. ومع ذلك، ففي حين أن القطاع قاد التعافي على الأرجح لغاية الآن، إلا أنه أعاد تعيين 240 ألف عامل فقط خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية. وسبب ذلك جزئياً هو أن الاقتصاد ما زال ضعيفاً، مع ارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة المخاوف بشأن تجدد التباطؤ.
لكن في حين أن بعض شركات الصناعة الكبيرة استغل الانكماش كفرصة لتخفيض قوى العمل الأمريكية فيها، وولد وظائف في الأسواق الناشئة، بدلاً من ذلك لكي تكون أقرب إلى أقصى مصادر الطلب نشاطاً خلال العقود المقبلة، إلا أن ''بوينج'' ليست حذرة بشأن المستقبل، ولا تبني مصانع في الخارج. وتبقى مصانع التجميع الخاصة بها في الولايات المتحدة، وتعتقد أن صناعة الطيران على حافة دورة متعددة السنوات من نمو الطلب القوي.
تتوقع ''بيوينج'' أن تنمو حركة النقل الجوي بنحو 5.1 في المائة سنوياً، وأن ينمو الشحن الجوي بنحو 5.6 في المائة، وأعداد المسافرين بنحو 4.1 في المائة حتى عام 2030 – بأسرع من الاقتصاد العالمي، وتترجم في السوق بنحو 33,500 طائرة جديدة بحلول عام 2030، بقيمة تبلغ أكثر من 4,000 مليار دولار. وسوف يأتي الجانب الأكبر من الطلب الجديد من الأسواق الناشئة، الأمر الذي يعني أن الصادرات سوف تشكل حصة كبيرة بشكل متزايد من العوائد – اتجاه آخر يكشف عن قطاع شركات الصناعة الأمريكية الأوسع نطاقاً الذي ازدهر بفضل زيادة المبيعات إلى آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، والشرق الأوسط.
في الوقت ذاته، انتجت العولمة منافسين بمقدورهم، على نحو متزايد، تحدي الشركات الصناعية الأمريكية الكبيرة، ليس على صعيد السعر فحسب، وإنما الجودة كذلك. وأما ''بوينج'' التي طالما تمتعت بثنائية قطبية فعلية في مجال الطائرات التجارية، فإنها تعترف أن عليها أن تعتاد على التنافس، ليس مع ''ايرباص'' فقط، وإنما كذلك مع منافسين ناشئين من الصين، وروسيا، وأماكن أخرى.
بالنسبة إلى الوقت الحالي، وحيث أن سجل الطلبيات متفجر، فإن ''بوينج'' واثقة بشكل كافٍ من مركزها السوقي، بحيث أنها خططت لزيادات إنتاجية كبيرة عبر جميع برامج طائراتها التجارية الرئيسة. وتتصور هذه الخطط إنتاج 770 طائرة مسافرين، وشحن جوي، سنوياً بحلول عام 2014، بزيادة عن عدد العام الماضي البالغ 462 طائرة، وسجلها السنوي السابق من الإنتاج البالغ 561 طائرة في عام 1999.
يمكن أن يبرهن تحقيق هذه الأهداف على أنه أشد اختبار تواجهه ''بوينج'' – اختبار بأن تكون مصانع التجميع الخاصة بها في حالة جيدة لكي تنجح به، ولكنه كذلك اختبار يمكن أن يكشف عن مشكلات في سلسلتها للإمدادات. وحيث إن شركات صناعة الطائرات الرئيسة تشترك إلى حد كبير في قاعدة الإمداد ذاتها، ويتعهد المنافسون بزيادات كذلك عبر القطاع، فإن من الممكن أن تقع على كاهل مزودي القطع ضغوط غير مسبوقة.
تمثل الأهمية المتزايدة لإدارة سلسلة الإمدادات العالمية – سلطت عليها الأضواء حالات التعطل التي سببتها الهزة الأرضية وإعصار سونامي اللتان حدثتا في اليابان هذا العام - طريقة أخرى تعكس خبرة ''بوينج'' بواسطتها خبرة الشركات الصناعية الأمريكية الأخرى بشكل أكثر عمومية. وفي حين أن العديد من شركات الصناعة أسندت المهام إلى مصادر خارجية، وأنتجت، في مصانع في أماكن أخرى منذ فترة طويلة، إلا أن السنوات الأخيرة كشفت عن خطوة لتقصير وتبسيط سلاسل الإمدادات – إبقاء الإنتاج في منطقة قاعدة المورد ذاتها للحد من المشكلات اللوجستية، وتأثير تقلبات العملة.
كانت لشركة صناعة الطائرات حصتها من مشكلات سلسلة الإمدادات. وأكثرها وضوحاً طائرة 787 دريملاينر، وهي طائرة نفاثة اقتصادية الوقود، وواسعة الهيكل، ويستخدم هيكلها مواد مركبة بشكل غير مسبوق، حيث ابتليت بصعوبات تتعلق بقضايا التصميم، والهندسة، والإنتاج التي تم إسناد مهامها إلى مصادر خارجية، وجعلت العمال في الولايات المتحدة يتخبطون لإصلاح قطع تم إرسالها من شتى أرجاء العالم.
سببت هذه المشكلات سبع فترات تأخير منفصلة على برنامج 787. ولم تكن الأخطاء محرجة ومضرة بسمعة الشركة فحسب، وإنما كذلك مكلفة، حيث توجب على ''بوينج'' إعادة التفاوض بشأن عقوبات التأخير في التسليم مع الزبائن من شركات الطيران. ومن المقرر أخيراً أن يتم تسليم أول طائرة 787 في شهر آب (أغسطس) أو شهر أيلول (سبتمبر)، ولكن ''بوينج'' قالت إنها لا تتوقع أن تزيد ''دريملاينر'' هوامشها الربحية إلى عدة أعوام أخرى.
في حين أن مشكلات 787 تتعلق بشكل رئيس بالمبالغة في طموحات إسناد مهام تصميم نموذج جديد كلياً إلى مصادر خارجية، إلا أن تحديات الأعوام القليلة المقبلة يمكن أن تجلب المزيد إلى الذاكرة تجربة ''بوينج'' خلال عامي 1997 و 1998، حينما اعترض محاولتها لزيادة معدلات إنتاج 737 نقص القطع والعمال. واضطر مصنع ''بوينج'' إلى وقف الإنتاج لمدة شهر، وهو توقف استغرق شركة صناعة الطائرات أكثر من عام للتعافي.
أما في هذه المرة، فتأتي الزيادات في الإنتاج في الوقت الذي تحكم فيه ''بوينج'' قبضتها على إنتاج طائرتين جديدتين – 787 و 747-8، نسخة أكثر امتداداً لطائرتها جامبو النفاثة. وحيث أن هناك ضغوطاً على الميزانية في البنتاغون (وزارة الدفاع) تضع بدورها ضغوطاً على وحدتها لإنتاج الطائرات العسكرية – التي تشكل حوالي نصف عوائدها – فليس بإمكانها أن ترتكب الأخطاء في قسم الإنتاج التجاري.
تقول شركة صناعة الطائرات إنها تعلمت الدروس من أخطاء الماضي. ويقول ألبوف ف يهذا الصدد: ''إذا عدت إلى عام 1998، فإن هناك الكثير من الندب في شركة بوينج حينما حاولنا زيادة الإنتاج بمعدل 50 في المائة. وواجهنا المشكلات لأننا لم نتأكد من أن سلسلة الإمدادات كانت جاهزة. وانتهكنا بعضاً من قوانين الهندسة الصناعية الخاصة بنا. وتعلمنا من ذلك''.
تأقلمت الشركة مع عدة مشكلات واجهها برنامج 787، بجلب الإنتاج إلى الداخل. ورسمت خطط الإنتاج الخاصة بها في وقت أبكر من المعتاد، بحيث تتمكن من إعطاء الموردين نظرة طويلة الأجل إلى ما يحتاجونه لزيادة استثماراتهم لتلبية طلب ''بوينج'' على القطع. كما قامت ''بوينج'' بتحسين مراقبتها للموردين – إجراء أعطى ثماره بعد الهزة الأرضية اليابانية، حينما كان بمقدورها أن تدرك جيداً ما أصابه الضرر في غضون يوم أو يومين.
على الرغم من ذلك، فإن الكثيرين في قطاع الصناعة يستعدون لمواجهة المشكلات. ويقول فيل توي، من أليكس بارتنرز، شركة الاستشارات: ''خلال الإثني عشر إلى الثمانية عشر شهراً المقبلة، سوف نبدأ برؤية صدوع في سلسلة الإمدادات. وتضم كل طائرة بمفردها مئات الآلاف من القطع، ويتسبب نقص في قطعة واحدة منها في المزيد من التأخير في تسليم الطلبيات''.