كيف يستعيد الأمريكيون الثقة بمصانع سياراتهم ؟
حتى الآن مولالي رئيس شركة فورد الجديد لا يقود سيارة أمريكية ..
وقال مولالي في المؤتمر الصحافي الذي عقده عند توليه الإدارة التنفيذية لثاني كبرى شركات السيارات الأمريكية إنه لم يقد سيارة فورد حتى هذه اللحظة . ولم يكتف مولالي بهذا بل ضغط بكل قوة على موضع الجرح، مضيفا أن سيارته وهي من طراز ليكزس ماركة تويوتا اليابانية هي أفضل سيارة في العالم.وحاول مولالي بعدها إعادة الدفة وقال إنه لم يأت لشكة فورد إلا من أجل أن يرقى بمستوى الشركة الأمريكية العريقة إلى نفس المستوى الذي وصله اليابانيون اليوم بسياراتهم .
في نظر الكثيرين هذه أمنيـة صعبـة ، إذ تعتبر فورد بعيدة كل البعد عن ذلك المستوى الراقي المنشود، فالشركة تغوص من شهر إلى آخر أكثر وأكثر في وحل أزمات كان آخرها استقالة بل فورد من الإدارة التنفيذية للشركة ليحل محله الان مولالي الذي دخل شركة فورد وهو يقود يقود سيارته تويوتا اليابانية. ومن العجب أن شركة تويوتا هي نفسها التي ألحقت بشركة فورد هزائم نكراء، واحدة تلو الأخرى، بدأت في عام 2003، حيث فاقت مبيعات السيارة اليابانية مبيعات فورد الأمريكية، واحتلت تويوتا المرتبة الثانية كأكبر مصنع سيارات في العالم بعد شركة جنرال موتورز. وفي الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت تويوتا لأول مرة في تموز (يوليو) 2006 من زحزحة فورد من المرتبة الثانية.
غيمة التعاسـة هذه ليست محيطة فقط بفورد وحسب، بل تمتد أذيالها لتطال شركات السيارات بأجمعها في أمريكا. ففي العام الماضي انزلق المنافس الضخم جنرال موتورز في أزمة أطلق على أثرها رئيس الشركة ريك واجنر خطة إصلاح وإعادة بناء . وعلى الصعيد ذاته احتد الوضع أيضا في ثالث أكبر مصنع في أمريكا شركة كرايسلر والتي تنتمي إلى مجموعة دايملر- كرايسلر الضخمة التي يرأسها ديتر تسيتشي فقد منيت الشركة في تموز (يوليو) الماضي بضربة قاضية قدمت من اليابان على نهج نظيرتها فورد، فقد فاقت مبيعات شركة هوندا في الولايات المتحدة مبيعات كرايسلر.
وتتوسع سلسلة التدهور في حلقاتها في نطاقات متعددة. ففي آب (أغسطس) الماضي، حققت الشركات اليابانية في أمريكا ولأول مرة نسبة في سوق السيارات تزيد على 40 في المئة، مصعدين بذلك النسبة بأربع نقاط خلال عام واحد فقط. فيما احتلت الشركات الأمريكية الثلاثة سوية نحو 53 في المائة من السوق المحلية (في عام 2000 كانت النسبة 68 في المائة). وأما نسبة 7 في المائة المتبقية فكانت من نصيب الشركات الأوروبية وعلى رأسها السيارات الألمانية.
لقد أضحت الأيام المتألقة للسيارات الأمريكية سابقاً حديث الأمس المنسي. تاريخ السيارة الأمريكية الحافل بالشهرة بدأ في العشرينيات مع سيارة فورد التي باعت في ذلك الوقت نصف السيارات الموجودة في أمريكا بموديلها الأسطوري (T-model). وفيما بعد، في الخمسينيات، استلمت جنرال موتورز راية القيادة، حيث كان ما يزيد على نصف السيارات في أمريكا يحمل اسم الشركة، وفي الخمسينيات والستينيات كانت السيارات الأمريكية مثل الموديل كاديلاك وشفروليه أيقونة السيارات في العالم، تحدت جميع الموديلات في العالم أن تبلغ مبلغها في الشكل بالخلفية الشهيرة ودقة الصناعة بالهيكل المطلي بالكروم. وكانت السيارات الأمريكية في ذلك الحين مرادفا لرفاهية العيش الأمريكي .
لقد استغرق الأمر طويلا حتى استطاعت الشركات الأجنبية أن تجد موضع قدم ثابت لها في الولايات المتحدة. أولى المحاولات المتخوفـة جاءت من شركة السيارات الألمانية فولكس فاجن التي صدرت في عام 1949 بعض السيارات إلى أمريكـا، لحقتها تويوتا في عام 1958 بالموديل الصغير المسمى تويوبت الذي لم ينظر إليه في البداية بجدية . وفي نهاية الستينيات لحقتهم هوندا. نقطة انطلاق توسع المصنعين الأرجنتين في أمريكا جاءت على أثر أزمة البترول في السبعينيات، حيث كانت الشركات الأجنبية في ذلك الوقت مركزة على صناعة السيارات الصغيرة الأمر الذي ألقى بالسيارات الأمريكة الشرهة للبنزين خارج دائرة المنافسـة.
من هذا المنطلق استطاعت الشركات الأجنبية خلال عقد واحد توسعة حصتها في السوق الأمريكية من 15 إلى 27 في المئة. ومن جانب آخر مر الأمريكيون بأزمات كثيرة، مثل كرايسلر التي شارفت في نهاية السبعينيات على الإفلاس، ولكن رئيس المجموعة في ذلك الحين أقنع الحكومة الأمريكية بحركة أسطورية ذكية على التدخل بدعم مالي أنقذ الشركة.
وكذلك جنرال موتورز كانت قاب قوسين من الإفلاس في عام 1992. ولكن ما أنقذ الشركة هو التعديل الإداري الذي أطلق عليه اسم ثورة القصر والتي أسقط على أثرها روبرت ستيمبل رئيس مجلس الإدارة ليحل محله الرئيس الحالي ريك فاجنر.
ولكن الشركات الأمريكية كافحت واستردت ثقة اسمها بموديلات جديدة. فقد اخترعت كرايسلر في عام 1983 طراز السيارة الفان الصغير (ميني فان) الذي حظي بشعبية عالية بين العائلات الأمريكيـة. وفي التسعينيات ازدادت أرباح الشركات من السيارات الرياضية وسيارات النقل الصغيرة واستردت الشركات الأمريكية عافيتها واستعادت اسمها في بلد العمالقـة.
والسؤال الآن هو بأي شيء يستطيع الأمريكان استرداد الثقـة من جديد بمنتجاتهم ؟ منذ أزمة ارتفاع أسعار البنزين حففّ الأمريكان الإقبال على السيارات المستهلكة بشراسة للوقود مثل السيارات الرياضية والشاحنات الصغيرة وأقبلوا بدلا من ذلك على شراء السيارات الصغيرة، على سبيل المثال الموديل (كروس أوفر ) وهي سيارات جيب رياضية صغيرة مصممة وفق نموذج السيارات الصالون المعتاد ة ويتربع اليابانيون في هذا المجال أيضاً على قمة الشركات المصنعة. الشغل الشاغل للشركات الأمريكية الذي يحد من ثورة التطور في هذا القطاع لديهم من بين أمور عدة هو تكاليف العناية الصحية العالية للموظفين العاملين والمتقاعدين. أما المشكلة الرئيسية فتنحصر في فقدانهم لحس الجاذبية في صناعة السيارات.
الطريق للخروج من تلك المحنـة يجب أن يأتي من قلب دوائر الإنتاج. كرايسلر برهنت على مدى نجاح هذا الطريق باتباعه قبل بضعـة أعوام بالموديل الشهير "ليموزين 300 - Limousine"، والذي استطاعت تقريبا من خلاله أن تحل أزمتها لوحدهـا. ولكن بسبب المبيعات المتدنية جدا لموديلات ناقلات الشحن الصغيرة (trucks) يحب على كرايسلر الآن أن تفكر بأفكار جديدة تنقذها تماما. وكذلك الحال أيضا مع فورد التي حققت نجاحا فرديا بالسيارة الرياضية (موستانج) ولكنه مقارنـة بالمجموعة أكملها لا يشكل ذلك وزنا ذا قيمـة.
وعلى هذا عمل رئيس فورد الجديد مولالي أن يبذل مجهودا كبيرا حيث إن المنافسة في الوقت الحالي ليست بسيطة. بل بالعكس: ففي هذه الأثناء أعلنت الشركات الصينية أنها تعتزم غزو السوق الأمريكية خلال أعوام قليلـة. وفي أي حال من الأحوال يحق للمرء أن يتوقع مشاهدة مولالي في المستقبل يقود سيارة فورد بدلا من سيارته تويوتا . ولكن الأمر سيبقى معلقـا ما إذا كان الشعب الأمريكي سيتبعه ويخلف وراءه الموديلات الأجنبية مفضلا السيارات ذات العلامة المحليـة. هذا هو السؤال ؟