3 انتكاسات متتالية.. تُفقد الدولة هيبتها

أمنية: أن نذهب في الطريق المرسوم إلى النهاية، وألا نخطو خطوة إلى الأمام وعشرا إلى الخلف بسبب ضبابية الصورة والشك بعد صدور القرارات وضغوط أصحاب المصالح، لنبدأ من جديد البحث في مدى سلامة الطريق الذي نسير عليه أو في صحة الهدف، فهي والسير دون هدف وجهان لعملة واحدة.
بقصد أو بغيره وجدت أنه وفي أزمنة متقاربة واجهتنا ثلاث انتكاسات في مسيرة يفترض أنها تعمل على إصلاح بعض جوانب حياتنا المهمة والتي لو قدر لها وحققت النتائج المرجوة لكنا فعلا وضعنا أنفسنا على خريطة منافسة الأمم في كثير من الجوانب التي نحن لا نزال في مقاعد المتفرجين وليس حتى الاحتياطيين. ليس على الحالات الثلاث التي سأذكرها كرمز ونموذج فقط، بل على بقية التحديات.
بداية دعوني أفصح عما أعنيه بالانتكاسات الثلاث التي حدثت في أزمنة متقاربة كما أشرنا، الأولى مشاركة المنتخب في كأس العالم الأخيرة في ألمانيا 2006م والعرض الهزيل للاعبين في الميدان، وكأن أرجلهم من ورق خوص وليست عظمت وعضلت كبقية لاعبي العالم. والثانية تراجع الجميع أمام سطوة صناع سوق الأسهم وتركيع السوق حتى نفُذت مطالبهم بالحرف الواحد. والثالثة تراجع وزارة العمل عن عدة مشاريع سعودة آخرها مشروع تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية أمام الموج الهائج من المعارضين.
أولى تلك الانتكاسات نتائج المنتخب السعودي في كأس العالم. ويمكن اختصار ذلك بقولنا "كل إناء بما فيه ينضح" وأتصور وبعيدا جدا عن التجريح وغيره أنه "لم يكن في الإمكان أحسن مما كان". وكذلك وكما قال أحد رموز الرياضة في المملكة "إن هذا الفريق هو أفضل ما لدينا". إذن نحن نعرف أن الفريق لم يذهب للحصول على كأس العالم! إذاً لماذا كان إعلامنا الرياضي يطبل ولا يزال يطبل؟ حتى في التعاطي مع الرياضة لدينا تطرف واضح، إما تمجيد يوصل إلى عنان السماء وإما نقد جارح يفتقد المهنية التي تسلط الضوء على الصورة الحقيقية وأسباب الخلل، والتي هي دور الإعلام المهني الراقي!؟ مع العلم أن هناك لجنة شكلت بعد انتهاء مونديال 2002 في اليابان وكوريا على أثر هزيمة منتخبنا الوطني من ألمانيا 8/0. وقد انتهي مونديال 2006 في ألمانيا ولم نر التشخيص، فما بالك بالمعالجة، هذا إذا صح التشخيص ووضعت الأصبع على أوجه القصور. وهي انتكاسة توضح بجلاء وجود الخلل في التعاطي مع قطاع الرياضة والشباب بكل تداخلاته وتحدياته خصوصا ونحن شعب شبابي. إذن هناك مشكلة؟
ثانية الانتكاسات من وجهة نظري ليست بالأهمية ولكن بالاهتمام الشعبي والرسمي يأتي تنظيم سوق الأسهم، واضطرار القيادة لإعفاء رئيس والإتيان بآخر مكلف، نتيجة التراجع الحاد الذي بلغته السوق منذ 25 شباط (فبراير) وحتى بداية حزيران (يونيو) الماضي وبنسبة وصلت إلى أكثر من 40 في المائة من قيمة السوق مقارنة ببداية العام وأكثر من 50 في المائة مقارنة بأعلى مستوى وصلته السوق في 24 شباط (فبراير) 2006م. ورغم أن الحديث لا يزال يدور عن الأسباب وراء التراجع ورغم الاتهامات التي قذفت يمنة ويسرة، إلا أننا قررنا وعن سابق إصرار وترصد التعامل مع الحالة بأسلوب النعامة التي تدس رأسها في التراب عند رؤيتها الخطر. كذلك شاهدنا التعامل مع الأزمة بطريقة التجربة والخطأ، فتارة المسؤول البنوك! وتارة أخرى الهيئة! ومرة المؤسسة! ومرة المواطن! وهكذا دواليك. وقد اختفت أسماء وبرزت أسماء جديدة في عالم تحليل وتوزيع الاتهامات. إذن هنالك مشكلة؟
ثالثة تلك الانتكاسات الإصلاحية تراجع وتواضع طموحات وزارة العمل بعد أن كانت في قمتها، حيث حلق بنا معالي الدكتور غازي القصيبي بشاعريته إلى أحلام جميلة ورائعة أكد على تحقيقها. وكان آخر تلك التراجعات في قضية الجنة والنار بالنسبة للبعض وقضية المصالح الكبرى بالنسبة للبعض الآخر، وهي قضية تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية، رغم الجهود الجبارة التي بذلها الوزير والوزارة في سبيل ضمان نجاح المشروع مع الالتزام بالشريعة وبضمان الحقوق، مستندين إلى قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 120 إلا أن المشروع قتل في مهده مستشهدين لتفنيد وإلغاء الفكرة بقطارات اليابان التي تفصل بين النساء والرجال! إذن هناك مشكلة؟
بصراحة ودون لف ودوران المشكلة واضحة وكل الذي حدث راهنت عليه ومستعد للمراهنة على حدوثه في المستقبل، وهذه هي مجرد نماذج لانتكاسات أخرى حدثت وسوف تحدث في المستقبل إذا ما بقينا على النهج نفسه وطريقة التفكير والتعاطي مع الإصلاح بمنهجية تقليدية. وإذا لم نأخذ في الاعتبار الممكن والمتاح والإمكانيات وكذلك الرؤية المراد الوصول إليها. فإذا ما قدر لنا الوصول إلى كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا، فإن النتيجة واحدة إذا لم تكن أسوأ، وكذلك فيما يخص تنظيم سوق المال سوف يكون لدينا 25 شباط (فبراير) أخرى. وكذلك سعودة الوظائف أو تأنيثها سوف نجد أدلة دائما تحرم الإصلاح وسوف نضطر للتراجع في كل مرة.
الأمم الحية لا تساوم على مستقبلها لا داخليا ولا خارجياً إذا كان المستقبل واضحا لها أولا، ولا تتعامل مع مشاكلها الهيكلية بالمعالجات الوقتية وكأنها تعيش يومها فقط. والعامل المشترك من وجهة نظري في تلك الانتكاسات الثلاث أن هناك جهوداً إدارية تنفيذية مخلصة ومضنية للوصول إلى النتائج التي يتمناها الجميع وهذا ليس محل شك في ظني من أحد رغم بعض محاولات التشكيك. ولكن السبب يكمن في عدم معرفتنا على وجه الدقة بتعقيدات المشكلة وضروريات التطوير والأسس التي يقوم عليها، وكذلك طرق تسويق الإصلاح المراد الوصول إليه بشكل سليم ومدروس بحيث لا نبدأ إلا ولدينا الدعم الكامل من مختلف شرائح المجتمع. وأقرب مثال يمكن أن يوضح لنا السبب هو مقارنة بسيطة بين تنظيم دول أوروبا مثلا بطولة الأندية الأوروبية السنوية، وكيفية التعامل مع الكرة إداريا، فنيا، سياسيا، واقتصاديا، وكيف هي حال الكرة لدينا، ويكفينا خللا أن كل رئيس ناد لدينا هو صاحب القول والفصل ويكفي أن نعرف أن هناك كفاءات كروية قتلت في مهدها بسبب دكتاتورية رئيس النادي. وهذا ينطبق بالضبط على باقي الحالات والنماذج، المسألة في أساسها فكر وخطوط متشابكة يجب معرفة إدارتها بحكمة وحنكة وإصرار بُغية الوصول إلى الهدف. وليعلم الجميع أن الإصلاح الذي نبتغيه هو متداخل اجتماعياً، دينياً، اقتصادياً، وسياسياً، وإذا ما كان هناك قصور في أي من تلك الجوانب فإن مشاريعنا كلها ستنتكس كغيرها، وبالتالي تفقد السلطة هيبتها ووضوح توجهها، لأنه ما معنى أن تخرج قرارات ثم تذهب إدراج الرياح ولا تنفذ، لذلك نحن نقطع إشارة المرور لأنه "ما عندك أحد" وبالتالي "خذ راحتك".

محلل مالي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي