المسائل القانونية ضرورية في هيكلة التعاملات بالصكوك الإسلامية
قضايا حديثة
نسوق فيما يلي دراستين لحالتين فيهما إيضاح للمسائل القانونية والشرعية المتعلقة بصكوك الإجارة والاستصناع الخاصة بشركة تبريد، وبصكوك المشاركة في شركة الإمارات.
تتبع مسألة الصكوك الخاصة بشركة التبريد الوطنية هيكلية الإجارة/ الاستصناع. وتم إصدار صكوك شركة تبريد من قبل شركة تبريد للتمويل، وهي شركة للمركبات ذات الأغراض الخاصة مسجلة في جزر كيمان. وجرى استخدام الأموال التي تم جمعها من إصدارات تلك الصكوك لتمكين شركة تبريد من تمويل مصانع أجهزة التبريد المستقبلية في الإمارات العربية المتحدة.
وقامت شركة تبريد بتحويل بعض الموجودات (وهي المصانع الموجودة) إلى شركة المركبات التي قامت بتأجيرها لشركة تبريد بموجب عقد إجارة. ويتم دفع أقساط عقد الإجارة الدورية المتأتية من تأجير هذه الموجودات إلى شركة المركبات، ومن ثم يتم توزيعها على حاملي الصكوك.
وعبر هذا الترتيب، تتملك شركة المركبات هذه الموجودات على سبيل الائتمان بالنيابة عن حاملي شهادات الصكوك. وإضافة إلى ذلك، تم استخدام متحصلات الصكوك في استثمارات بمصانع أخرى لأجهزة التبريد المركزية التي سيتم تصنيعها على أساس عقد الاستصناع. وتقضي أحكام الشريعة بألا تقل الموجودات الأساسية في أي وقت من الأوقات عن 51 في المائة من قيمتها.
وقامت شركة تبريد وشركة المركبات بإبرام عقود إيجار مستقبلية خاصة بالأجهزة التي سيتم تصنيعها في المستقبل. ويترتب على شركة تبريد أن تقوم بدفع قيمة الإيجارات المقدمة هذه بموجب تعهد باستئجار أجهزة التبريد المستقبلية، على أساس أنه إذا لم يتم تصنيع هذه الأجهزة أو الحصول عليها طبقاً للمواصفات الواردة في عقد الإيجار بحلول تاريخ معين، فستقوم شركة المركبات بإعادة مبالغ الإيجار هذه إلى شركة تبريد.
وعند حلول موعد استحقاق الصكوك (أو في أي وقت قبله، في حالة صرفها قبل موعد استحقاقها عقب حل أحد الطرفين بموجب التوثيق اللازم)، يتعين على تبريد أن تقوم بشراء الأجهزة الموجودة من شركة المركبات. وزيادة على ذلك، ومن أجل تقديم مزيد من الطمأنينة للمستثمرين، تعهدت شركة تبريد بضمان التزامات السداد المترتبة على شركة المركبات بموجب الصكوك، ووافقت على سداد أي نقص في المبلغ المستلم بخصوص الموجودات الأساسية، وكذلك المبلغ الذي يتوقع حاملو الصكوك أن يتم دفعه بموجب شروط وثائق الصكوك.
مسائل شرعية
تتعلق إحدى القضايا التي تنطوي عليها صكوك شركة تبريد بتركيبة مجموعة الموجودات الأساسية. وتتكون هذه المجموعة التي ستقوم شركة المركبات بشرائها من الوحدة الرئيسية، ومن الوحدات التي لم تصنع، أو لم يتم الحصول عليها بعد، ومن استثمارات في أنشطة بناء أخرى، ومن أي مبالغ نقدية فائضة.
واشترط علماء الشريعة في هذه العملية " أن تتكون الموجودات الأساسية في أي وقت من الأوقات مما لا يقل عن 51 في المائة من هذه الموجودات". وإذا قلت هذه النسبة عن 51 في المائة، فإنه يترتب على تبريد أن تقوم بشراء وحدات التبريد من شركة المركبات.
وفي صكوك المشاركة، تقوم الشركة أو الجهة المنشئة وشركة المركبات بإبرام اتفاقية مشاركة (وهي مشروع مشترك يقوم على المشاركة بالأسهم) لمدة محددة (عادة 5- 7 سنوات). ويتم تحديد نسبة الربح بين شركة المركبات وبين الشركة مسبقاً في بداية المشروع.
ويساهم كل طرف بحصته في المشروع، سواء أكان ذلك نقداً، أم خدمة إدارية أو غير ذلك. وفي هذه الحال، تقدم الشركة (بصفتها شريكاً) الموجودات (كالأرض أو الأجهزة أو الآليات الموجودة) إلى المشروع المشترك موضوع المشاركة، وتقدم شركة المركبات (باعتبارها الشريك الآخر) مساهمتها في هذا الاستثمار من متحصلات الصكوك.
وتتعهد الشركة على نحو غير قابل للنقض بالاستحواذ على حصة شركة المركبات في المشروع المشترك موضوع المشاركة بشكل دوري، بسعر يتم تحديده مسبقاً، في نهاية المدة المحددة، وبحلول ذلك الوقت لن يكون لشركة المركبات أي أسهم تحملها في المشروع المشترك موضوع المشاركة. وكانت هذه الهيكلية هي التي صدرت بموجبها صكوك شركة الإمارات.
إن الصكوك التي أصدرتها شركة الإمارات مبنية على أساس صكوك المشاركة التي تعتبر تحولاً مبتكراً عن هيكلية صكوك الإجارة الشائعة الاستخدام. وبموجب هذه الهيكلية، قامت شركة Wings FZCO، (وهي شركة مسجلة في المنطقة الحرة التابعة لمطار دبي)، بإصدار شهادات صكوك للمستثمرين بفائدة معومة. واستخدمت متحصلات هذه الصكوك في الإسهام بالمشاركة بينها وبين شركة الإمارات (باعتبارهما طرفي المشاركة).
ويتمثل الغرض من هذه المشاركة (المشروع المشترك) في إنشاء مركز هندسي جديد ومبنى للمركز الرئيسي في دبي وتأجيرهما لشركة الإمارات. ويتم استخدام أقساط الإيجار التي يتم دفعها دورياً بموجب المشاركة في سداد الدفعات الدورية المترتبة على شهادات الصكوك المدرجة في بورصة لوكسمبورغ. ومن المتوقع أن يزداد استخدام هذا النوع من الهيكلية في الإصدارات المستقبلية التي ستقوم بها شركات أخرى في المنطقة.
وهناك حاجة إلى أخذ عدد من المسائل القانونية في الاعتبار في هيكلة التعاملات بالصكوك. وتشتمل هذه المسائل على تحويل الضمانات الإضافية، أولوية والزامية فوائد الضمانات المقدمة فيما يتعلق بالموجودات الأساسية، وعلى مسائل ضريبية وتنظيمية، كالملكية الأجنبية لبعض الموجودات، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى المستثمرين أن يسعوا إلى الحصول على الحكم الشرعي الخاص بمشروعية تحويل الموجودات (كضمانة) إلى شركة المركبات، ومن المهم ضمان عدم إمكانية إعادة إضفاء صفة الدين المضمون أو عدم إمكانية تجنبه عند إفلاس الشركة أو الجهة المنشئة. وفي حال إفلاس الشركة (البائع) أو حامل أسهم شركة المركبات، فإن من الضروري التأكد من عدم قدرة الجهة المقرضة أو الجهة المصفية على الادعاء بأن موجودات ومطلوبات شركة المركبات، هي موجودات ومطلوبات الجهة المنشئة، أو حامل أسهم شركة المركبات.
ومن الضروري بالقدر نفسه كذلك، التأكد من أن شركة المركبات بعيدة عن أية دعاوى محتملة تتعلق بالإفلاس أو الإعسار. وإضافة إلى حماية الجهات المقرضة، يتعين الحصول على رأي الشرع في الإيحاءات الضريبية لأي إصدار، وفي أثر التشريعات الأجنبية الخاصة بالخدمات المالية مثل قانون الخدمات والأسواق المالية في المملكة المتحدة لعام 2000، والتشريع الأمريكي رقم 144.
التطور
إن هيكليات الصكوك الآنفة الذكر تشبه إلى حد بعيد الضمان المدعم بالموجودات. وتظل الصكوك خياراً يحظى بالشعبية لجمع الأموال للعديد من المشاريع المتنوعة، كالتمكين من تمويل مشاريع الأجهزة والآليات في مختلف قطاعات الصناعات- كإنشاء المراكز الرئيسية، أو تمويل مصانع أجهزة التبريد المستقبلية.
وحتى يومنا هذا، تعتبر صكوك الإجارة الهيكل المفضل في هذا الشأن، ولكن المؤسسات تستخدم الآن أساليب مختلفة، كصكوك المشاركة، الأمر الذي يعكس التطور الكبير في التمويل الإسلامي. وينحصر تطور الصكوك فيما تسمح به أحكام الشريعة، على أن المصرفيين، ورجال القانون، وعلماء الشريعة المعاصرين يقومون بتطوير حلول مبتكرة لتوفير بديل جذاب عن المنتجات المالية التقليدية. ومن المأمول أن يستمر هذا الابتكار وأن يتواصل الطلب على مخرجاته من جانب المستثمرين العالميين.