تجفيف منابع الهجرة .. جدل أمريكي يقوده الكونجرس
هناك جدال في أمريكا حول سياسة الهجرة، حيث تدّق أجراس الكونجرس والحكومة منذ أشهر حول إمكانية إعادة هيكلة القانون، والذي يحدد الطريق الذي يواجهه الأجانب نحو الإقامة في الولايات المتحدة ، وفي النهاية نحو الجنسية الأمريكية أيضاً.
وتدور كذلك مجادلات عامة حول العواقب الاجتماعية، والثقافية لتدفّق ملايين الناس من كافة أنحاء العالم. ويرى البعض، مثل العالم السياسي من جامعة هارفارد، صاموئيل هونتينجتون، في تدفق المهاجرين من أمريكا اللاتينية، ومن القارة الآسيوية، تهديداً للتقاليد "الأنجلو- بروتستانتية" للدولة. ويطالب البعض الآخر بإقامة حواجز مرورية مشددة على طول الحدود مع المكسيك، مع الإشارة إلى أنها بوابات لمرور الإرهابيين، وتجّار المخدرات.
ويدور الجدل في جوهر المناظرة والنزاع السياسي حول التأثيرات الاقتصادية للهجرة: حيث حظي نحو 1.12 مليون أجنبي العام الماضي بالبطاقة الخضراء المرغوبة بشدة لدى الأجانب من قبل الحكومة الأمريكية، وهي رخصة الإقامة الدائمة والعمل في الولايات المتحدة الأمريكية. ويُقيم نحو 12 مليون فرد في الدولة على نحوٍ غير شرعي. وتتوجّه شوكة الكثير من الأمريكان إلى هؤلاء العمّال غير الشرعيين. وغالباً ما يُشاع الاتهام، بأن هؤلاء العمّال غير الشرعيين، يستولون على فرص عمل المواطنين المثابرين، والشرعيين، أو يعملون على الأقل على الضغط على الأجور لتهبط إلى معدل ضئيل غير مشجّع بتاتاً. ويتبع هذا النوع من الشكاوى غالباً المناشدة باتخاذ إجراءات وقائية مشددة ضد المهاجرين غير الشرعيين، وضوابط حدودية مكثّفة، وترحيل الأجانب غير المرغوب فيهم.
إلا أن الحقائق الاقتصادية ببساطة لا تدعم هذه المجادلة والمطالبات المرافقة لها: حيث نادراً ما يشكّل المهاجرون، وحتى من غير اللاشرعيين، منافسة مباشرة للأمريكان. ولكنهم على الأغلب يسدون الفجوات في سوق العمل، والتي لا يمكن للأمريكان أنفسهم أن يسدوها. وتُعتبر شبكة الرعاية الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطة بشراك كبيرة، أكبر بالمقارنة بألمانيا، وبرغم هذا لا تكفي الحماية دوماً وهنا يتعلّق الأمر بالأخص بهؤلاء الذين يملكون مستوى تعليميا متدنيا، حيث إن أغلب المهاجرين غير الشرعيين، الذين تعود أصولهم إلى المكسيك، وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، يعملون كندلاء، ومساعدي طهاة، ومزارعي حدائق منزلية، وأيد عاملة مساعدة في الإنشاءات، ويستفيد من هؤلاء الكثير من الأمريكان، لأنه على غير هذا النحو، لن يكون بإمكانهم إتمام هذه الخدمات الإنتاجية، أو القيام بها إلا مقابل أسعار باهظة جداً. ولكن حتى الاتهام بالضغط على الأجور يُعد هباءً، حيث إن الدراسات التجريبية الموثوق بها، لم تشر إلى أية دلالة، بأن معدل الأجور للقوى العاملة الأمريكية تراجع بفعل المهاجرين بقيم مذكورة على مدار فترة طويلة من الزمن.
وفي النهاية فإن المستفيدين من هذه الهجرة هم ليسوا المهاجرين أنفسهم: إن الحد الأدنى الشرعي للأجور بقيمة 5.15 دولار في الساعة يُعد ضئيلاً ضمن مجالات العمل الأمريكية. ولكن برغم هذا تعتبر المظاهر في موطنهم الأصل أكثر كآبة. وعلى ما يبدو فإن العمل القاسي في الغربة يُجدي: حيث حوّل المهاجرون المكسيكيون والعمّال الأجانب في أمريكا العام الماضي نحو 20 مليار دولار لعائلاتهم. ويُعتبر هذا المال لبعض المستقبلين له المصدر الأهم لدخلهم المالي. وبالتالي يساهم المهاجرون في تحقيق مساهمة كبرى في تقليص حجم الفقر في دولهم الأصلية.
وإضافة إلى هذا يستفيد المهاجرون في الكثير من المواقع أقل من الحد بالمقارنة بالأمريكان. ومن المحتمل أن يكون الأمر، بأن الأيدي العاملة الأمريكية الأصل، تعاني من المساوئ المتسعة عن طريق هذا الاستيراد من الأيدي العاملة الأجنبية زهيدة الثمن. ولكن يُعد تدفق المهاجرين إلى أمريكا مهمة أساسية في خدمة حجم الطلب المحلي على الأيدي العاملة. ومن الممكن أن يكون العمل على تجفيف هذا المنبع خطأ كبيرا من وجهة نظر اقتصادية. وبهدف الاستفادة من فرص العولمة، فإنه لا يكفي العمل على التبادل المتواصل من السلع، والخدمات الإنتاجية، ورأس المال. بل إضافة إلى هذا، فإنه من الضروري وجود حجم كبير جداً من المرونة في فئات الأيدي العاملة. وكما أن نقل فرص العمل إلى الخارج، هو شكل من التجارة الدولية، ومن الممكن أن يكون منطقياً على المستوى التجاري الإجمالي، وكذلك هي هجرة العمّال.
واليوم يتم الحديث أكثر في الكونجرس الأمريكي حول مبدأين شرعيين منافسين. وشريحة النقاش التي تبدو أكثر قوة من تلك التي عرضها مجلس الشيوخ هو مبدأ الكونجرس حول تحسين تأمين الحدود. وعلى أية حال، فإن برنامج العمّال الأجانب المأخوذ بعين الاعتبار غير فعّال، وهنا ليس المقصود نقص النصائح المنطقية، التي تشير إلى الطرق التي يمكن للمشرّعين بواسطتها أخذ مخاوف الكثير من المنتخبين بعين الاعتبار، دون السماح لتدفق المهاجرين من أن تتحوّل إلى جداول نهرية.
من الممكن أن تصبح المقاومة ضد المهاجرين أخف، لو تمكّن الأمريكان من الاستفادة أكثر ولو بشيء بسيط من الهجرة الوافدة. ومن الممكن العمل على إعادة توزيع هذه الاستفادة من الهجرة على سبيل المثال عن طريق زيادة تدابير فيزا الهجرة والعمّال الأجانب. وأن يعمل كل راغب في الهجرة على دفع أعلى سعر مقابل هجرته، والذي يعِده بأكبر منفعة. ومن الممكن حلّ مشكلة النقص في قدرة الدفع عن طريق تخلّي المهاجرين عن جزء من دخلهم المستقبلي عن طريق حجم إضافي من الضريبة عليه. وعلى هذا النحو، تصبح الولايات المتحدة كدولة للهجرة متمسكة بتقاليدها، وستعمل على منح الفرصة أكثر لمزيد من الناس في تحقيق حلمهم الأمريكي.