تقنيات وراثية تكشف آلية حيوية تحمي من «الشيخوخة»
اكتشفت دراسة ألمانية لباحثين في جامعتي بون وماينز ونشرتها دورية "وقائع أكاديمية العلوم الوطنية"، آلية حيوية لحماية الدماغ من الشيخوخة، بحسب بيان لجامعة بون أوردته خدمة "سينس ديلي" بواسطة ألفاغاليليو.
ففي تجارب أجريت على الفئران، قام الباحثون باعتراض عمل أحد مُستقبلات مركب الكانيبنويد في الدماغ. ونتيجة لذلك، ظهرت علامات التنكس لدى هذه الحيوانات، كما تظهر لدى البشر المصابين بعته الشيخوخة، وبوتيرة أسرع كثيرا.
المعلوم أن البشر معرضون للشيخوخة، ويزداد الذين يعانون منهم من عته الشيخوخة. ولا تزال عوامل تنكس الدماغ مجهولة في معظمها، لكن الباحثين يفترضون أن عوامل كالكروب وتراكم النفايات السامة والالتهابات تعجّل بالشيخوخة.
ومع ذلك فهناك آليات في الدماغ تحميه من التنكس، أو تصلح اختلال البنى والأنسجة.
واكتشف علماء بون وماينز وظيفة كانت مجهولة لمستقبِل القنب الهندي في الدماغ، وهو بروتين يقيد ويوصل مركبات كالكابينويد، مطلقا سلسلة إشارات عصبية.
الكانيبنويد هو المادة الفاعلة في الحشيشة والماريجوانا والبنقو والقات، يتم تقييدها بمستقبل الكابينويد 1 في الدماغ. ويسبب وجود هذا المستقبِل التأثير المخدّر لهذه العقاقير، ولا تقتصر قدرته على الإدمان، بل يؤدي دورا في تنكس الدماغ.
يقول أوندر ألبيرم، المؤلف الأول للدراسة والباحث في معهد الطب النفسي "الجزيئي" التابع لجامعة بون، عندما عطلنا هذا المستقبِل باستخدام التقنيات الوراثية، بدأت تظهر على أدمغة الفئران إمارات الشيخوخة بوتيرة أسرع. وهذا يعني أن لمنظومة الإشارات العصبية لهذا المستقبِل تأثيرا وقائيا للخلايا العصبية.
ودرس الباحثون الفئران بمختلف الأعمار، ستة أسابيع، وخمسة أشهر، و12 شهرا. وكان على الفئران إتقان مهام مختلفة كانت أولاها العثور على منصة غاطسة في الماء. وبمجرد معرفة الفئران مكانها، تُنقَل المنصة، وعلى الفئران العثور عليها ثانية.
بهذه الطريقة اختبر الباحثون قدرة الفئران على التعلم والتذكر. لكن تبين أن الفئران التي تعطلت لديها مستقبِلات الكانيبنويد 1 اختلفت بوضوح عن الفئران الأخرى.
فبحسب قائد فريق البحث الدكتور أندراس بيلكي غورزو أظهرت الأولى تراجعا في قدرات التعلم والتذكر، وكانت أقل نجاحا في بحثها عن المنصة، كما أظهرت فقدانا واضحا لخلايا عصبية في منطقة قرن آمون من الدماغ، وهي المنطقة المركزية لتكوين وتخزين المعلومات.
كذلك، وجد الباحثون عمليات التهاب في أدمغة الفئران المعطلة مستقبلاتها. وبتقدم سنها، اتضحت أكثر مؤشرات تنكسها. أما الفئران المحتفظة بمستقبلات الكانيبنويد 1 فقد استمر تعلمها وذاكرتها جيدا، وكذلك صحة خلاياها العصبية.
يقول ألبيرم إن السبب الجذري للشيخوخة أحد أسرار الحياة. وهذه الدراسة فتحت بابا لحل هذا اللغز. فعمليات أدمغة الفئران تشابه عددا مفاجئا من نظيراتها فيما يخص تغيرات أدمغة البشر المتصلة بالشيخوخة.
لذلك، قد يكون نظام مستقبلات الكانيبنويد آلية وقائية من الشيخوخة في الدماغ البشري.
ويرى ألبيرم أن فهم هذه الآليات يتطلب أبحاثا إضافية، حيث يرغب العلماء في فهم أفضل للآلية التي يحمي بها مستقبل الكانيبنويد 1 الدماغ من الالتهابات. وبناء على سلسلة إشاراتها في الدماغ، ربما يتيسر لاحقا تطوير مركبات كعلاجات جديدة للشيخوخة.
لكن في حديث لـ "الجزيرة نت"، ذكرت استشارية الطب النفسي وخبيرة الوراثة الجزيئية في القاهرة الدكتورة نهلة الإبياري، أن نتائج الدراسة الألمانية تشير إلى تأثير وقائي لأحد مستقبلات الكانيبنويد (الكابينويد 1) بالنسبة للخلايا العصبية وقدرات التعلم.
لكنها كنتيجة كيميائية مخبرية تفارق النتائج السريرية المعروفة لاستخدام الإنسان للكانيبنويد. فالمعلوم سريريا أن استخدامه يضعف التعلم والتذكر، وهناك دراسات وجدت ضمورا لخلايا الدماغ (أهم مظاهر شيخوخة الدماغ)، بسبب استخدامه طويل الأمد.
تؤكد هذه المفارقة الحاجة لأبحاث أخرى للتحقق، فلربما كان ضمور خلايا الدماغ ناجما عن تدخين أجزاء ضارة من القنب، تسبب ضررا يفوق فوائد الكانيبنويد النقي المستخدم مختبريا، أو الذي يفرزه الجسم طبيعيا.