بنوك العالم تكافح التضخم المالي برفع قيمة الفائدة

بنوك العالم تكافح التضخم المالي برفع قيمة الفائدة

كانت نسب التضخم المالي ولأعوام طويلة متدنية بصورة ملحوظة جدا في معظم الدول الصناعية. ولكن ارتفاع أسعار النفط والمواد الأولية وكذلك النمو القوي الملموس منذ فترة طويلـة للاقتصاد العالمي، كل ذلك أدى إلى تسارع موجة الغلاء في الآونة الأخيرة.
ولهذا السبب عمد العديد من البنوك المركزية في العالم إلى رفع قيم الفائدة الرئيسية لديها، والتي بقيت لفترة طويلة متدنية بصورة غير طبيعية، شيئا فشيئا. ففي الأسبوع الماضي اتخذت أربعة بنوك هذا الإجراء دفعة واحدة، وهن البنك المركزي الأوروبي (إيه زد بي EZB) وبنك إنجلترا Bank of England وكلا بنكي الإصدار في جنوب إفريقيا والدنمارك. هذا وتفيد تصريحات أدلى بها "جون - كلود تريشيه"، رئيس البنك المركزي الأوروبي ، على أن الفائدة الرئيسية للعملة الموحدة "اليورو" سترتفع في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل من القيمة الحالية 3 في المائة إلى 3.25 في المائة.
وقريبا ستعمل بنوك إصدار أخرى على اللحاق بنظيراتها البنوك الأربعة. فرئيس خبراء الاقتصاد الأوروبي في بنك الاستثمار الأمريكي "ولدمان ساكس"، إيريك نيلسن"، يتوقع على سبيل المثال أن تقوم بنوك الإصدار في كل من النرويج، السويد، وسويسرا، ولاحقا في سلوفاكيا والتشيك، برفع قيمة الفائدة الرئيسية في وقت لاحق. من جهة أخرى أعلن البنك المركزي الصيني Bank of China مسبقا عن نواياه برفع الفائدة الرئيسية، وكما يتوقع من البنك المركزي الياباني الذي قام منتصف تموز (يوليو) هذا العام، برفع الفائدة الرئيسية من 0 إلى 0.25، يتوقع منه على الأقل اتخاذ خطوة أخرى على سلم صعود الفائدة الرئيسيـة.
وبكل حماس وتشوق يترقب المتداولون في الأسواق المالية خبر إعلان الاحتياطات الفيدرالية (فيد Fed)، الراعية الأولى لمجموعة بنوك الإصدار في العالم، لقرارها ، إما عن رفعها لقيمة الفائدة الرئيسية بسبب مخاطر التضخم المالي، أو تخليها عن تلك الخطوة وذلك بسبب تزايد المخاطر والأزمات في طريق نمو الاقتصاد العالمي. هذا وكانت الاحتياطات الفيدرالية قد قامت في عام 2003 بخفض الفائدة الرئيسية لديها إلى أدنى مستوى على مدى سنين طويلة، إلا أنها قامت منذ عام 2004 ومن خلال 17 خطوة برفع القيمة إلى القيمة الحالية 5.25 في المائة. وبهذا يمكن القول إن الاحتياطات الفيدرالية هي أولى بنوك الإصدار الكبرى في العالم التي استطاعت تحقيق هذه الذروة خلال دورة الفوائد لديهـا.
وحسب آراء معظم المحللين لا يوجد هناك أي مبرر لبنك إنجلترا من صعود سلم الفائدة الرئيسية. فحسبما يرى "نيلسن" من "غولدمان ساكس" فإن قيمة الفائدة الرئيسية للجنيه الاسترليني 4.75 في المائة تتجاوز حاليا المستوى الطبيعي بصورة أعلى بعض الشيء. وإذا ما واصل النمو الاقتصادي الأخير شدته خلال الربع الثالث، فإن هذه إشارة واضحة لارتقاء خطوة مسبقة على سلم الفوائد إلى أعلى. فبنك إنجلترا يرى أن معدل نمو الاقتصاد في بريطانيا، بغض النظر عن قطاع الطاقة، هو أفضل مؤشر لتضخم مالي قادم. تلك القيمة المعرفة لمعدل النمو الاقتصادي بلغت من الربع الأول إلى الربع الثاني 1.0 في المائة، ووفق ما يقول "نيلسون"، فالخبرة العريقة مع الاقتصاد البريطاني تعلم، أنه إذا بلغت هذه القيمة المميزة 0.8 في المائة فإن البنك المركزي الإنجليزي يرفع قيمة الفائدة الرئيسية كردة فعل.
وبخلاف بنكي الإصدار في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، فمن الظاهر أن البنك المركزي الأوروبي لم يصل بعد إلى آخر سلم تصاعد الفائدة الرئيسية. فعلى سبيل المثال يتوقع "توماس ماير"، رئيس خبراء اقتصاد القارة الأوروبية في البنك الألماني دويتشه بنك Deutsche Bank، بأن تستقر الفائدة الرئيسية لليورو خلال الأشهر الأولى من عام 2007 عند قيمة 3.75 في المائة. وفي المقابل يرى خبراء الاقتصاد في البنك السويسري الكبير "يو بي إس UBS" أن البنك المركزي الأوروبي سيعدل قيمة الفائدة الرئيسية مرة أخرى وذلك بسبب مخاطر نمو الاقتصاد التي يتوقع أن تحل خلال الأشهر المقبلة. فتبعا لتصريحات محللي بنك UBS فإن الفائدة الرئيسية لليورو ستبلغ بنسبة 3.25 في المائة ذروة دورة الفائدة لديهـا.
إلا أنه متفق وبشكل واسع أن الخطوة المقبلة لرفع الفائدة الرئيسية لليورو إلى 3.25 في المائة، ستقدم خلال شهرين، وبالتحديد في اجتماع مجلس هيئة المديرين بتاريخ 5 تشرين الأول (أكتوبر). هذه التوقعات بنيت من جهة على أساس أن الفترة التي فصلت أخيرا بين خطوتي رفع الفائدة كانت شهرين فقط، فيما كان البنك المركزي يرفع في السابق خلال فترة ثلاثة أشهر.
ويرى "ماير" من الـ Deutsche Bank أن هذا التقليل في الفترة يبدو حكيما فقط إذا أراد البنك المركزي التعجيل في سرعة رفع قيمة الفائدة. وهذه الخطوة توكد أن البنك المركزي سيرفع الفائدة الرئيسية في فترة زمنية تبلغ شهرين وذلك إلى أجل غير مسمى.
وفي المؤتمر الصحافي المنعقد الأسبوع الماضي أعطى رئيس البنك المركزي بنفسه دلائل واضحة تشير إلى هذا الاتجاه. فكما هي عادته أكد "تريشيه" أن مجلس مديري البنك المركزي الأوروبي لا يتخذ قراراته بشأن الفائدة الرئيسية بصورة مسبقة، بل على الأغلب يتخذ القرارات في اجتماعاته على أسس النتائج الأخيرة - ومما يستحق الذكر أن المجلس يسمح بتدفق نهر من النتائج والحقائق في تحديد قراراته. ولكن من جهة أخرى أعلن "تريشيه" وبصورة غير مباشرة من خلال كلماته المختارة، أن مجلس المديرين وضع نصب عينيه في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل نية رفع الفائدة الرئيسية بنسبة 0.25 في المائة. هذه الحقيقة انجلت من تحليل الصيغ الكلامية التي استخدمها "تريشيه" في الأشهر الماضية.
ويوضح رئيس خبراء الاقتصاد القومي للبنك الألماني (كوميرتس بنك) Commerz Bank، "يور كريمر"، بأنه من نهاية 2005 وحتى منتصف 2006، عندما توالى ارتفاع الفائدة الرئيسية خلال فترات زمنية من ثلاثة أشهر، وذلك في أشهر كانون الأول (ديسمبر) وآذار (مارس) وحزيران (يونيو)، كان "تريشيه" دائما يؤكد بعد كل رفع للفائدة أن البنك المركزي يراقب مخاطر التضخم المالي we monitor closely. وفي الشهر التالي، أي في كانون الثاني (يناير) ونيسان (أبريل)، كان تريشيه يؤكد أن البنك المركزي "يراقب من كثب" we monitor very closely مخاطر ارتفاع الأسعار. وقبل شهر من خطة الرفع التالية، أي في شباط (فبراير) وآذار (مايو) وتموز (يوليو) كان يستخدم عبارة "اليقظة" vigilance. وفي يوم الخميس الماضي تحدث "تريشيه" قائلا إن البنك المركزي يراقب "بحذر شديد" مخاطر ارتفاع نسبة التضخم المالي. ويقول "كريمر" إنه إذا ما بقي "تريشيه" على نمطه الحالي في العبارات المستخدمة، فإن ذلك يدل على رفع مقبل لقيمة الفائدة الرئيسية في بداية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، أي بعد شهرين.
ويتوقع كل من "ماير" من Deutsche Bank و"كريمر" من الـ Commerz Bank أن هناك خطوة أخرى مقبلة في شهر كانون الأول (ديسمبر) لرفع الفائدة الرئيسية إلى نسبة 3.5 في المائة. ومن جانبه يؤكد "كريمر" تكهناته بأن بعض المؤشرات الربيعية للحالة الاقتصادية تشير إلى هبوط، إلا أنه وحسب الخبرة العريقة، يستغرق الأمر طويلا حتى تتمكن تلك المؤشرات من تجاوز نقاط الانعطاف الكبرى حتى يمكن الحديث حينئذ عن ضعف حقيقي للازدهار الاقتصادي. ولهذا السبب يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن لا يتعجل في الرد على تهاون المؤشرات الربيعية.

الأكثر قراءة