تقارب أسعار الأسهم والقروض يستدعي أساليب جديدة في تنويع الثروات

تقارب أسعار الأسهم والقروض يستدعي أساليب جديدة في تنويع الثروات

بدأت الاستراتيجيات التقليدية في تنويع حقائب الاستثمار تفقد فاعليتها. فمن خلال الاندماج المتعاظم ابتدأت الأسواق تتشابه في حركاتها. ولهذا السبب فان الخبراء ينصحون بالاحتفاظ بخليط مما يسمى بأصناف الاستثمارات البديلة مثل أسهم صناديق التحوط وشراكات خارج البورصة أو قروض مجدولة بمعدلات التضخم.

هناك منذ القدم قاعدة أساسية تهتدي بها استراتيجيات الاستثمار مفادها أن " لا تضع جميع بيضاتك في سلة واحدة "، أي العمل على نشر الاستثمارات: أولا في أصناف الاستثمارات كالأسهم، والقروض ، والنقود السائلة والذهب ، وثانيا في البلدان والقطاعات والعملات المختلفة . غير أن الدراسات الحديثة تظهر أن استراتيجيات التنويع التقليدية لم تعد تعطي النتائج السابقة كما في السابق ، وخصوصا في حالات هبوط أسواق الأسهم .

إن جامعات النخبة في الولايات المتحدة ، التي تسعى لاستثمار صناديقها الوقفية التي تقدر بالمليارات بطرق تعود عليها بأفضل العوائد ، قد استخلصت من ذلك بعض العظات . فجامعة ييل مثلا لا تستثمر سوى 38 في المائة من ملياراتها في أوجه الاستثمار التقليدية كالأسهم والقروض ، و 62 في المائة بالمقابل في أدوات استثمارية بديلة ومن بينها على سبيل المثال أيضا صناديق التحوط ، والعقارات ، والمواد الخام. ولعل هذا هو أحد الأسباب التي أدت في الآونة الأخيرة لنمو سريع في صناديق التحوط وصناديق حقوق الملكية الخاصة .

تشير دراسة أجرتها آيريس أولمان من مجلس إدارة اتحاد خبراء التحليل في ألمانيا إلى أن عمليات التنسيق بين أسواق الأسهم والقروض على نطاق عالمي تتزايد بشكل كبير في فترات ضعف الدورات الاقتصادية وفي فترات هبوط البورصات. وأكدت أن مثل هذا التنسيق يحدث بشكل خاص في الفضاء الأوروبي . ولعل هذا يعكس من جديد التلاحم القائم والمتعاظم بين بورصات الاتحاد النقدي الأوروبي . ومن هنا تبرز ، كما تقول أولمان، أهمية تنويع الحقائب الاستثمارية التقليدية عبر بلدان عدة بهدف تقليل المخاطر .

وتقترح السيدة أولمان أيضا حلا آخر هو الاستثمار في أدوات استثمارية بديلة ، كالذهب ، مثلا ، والعقار ورأس المال المجازف لما لهذه الأدوات من ارتباطات واهنة بالأسهم والقروض . وللتنويع في حقائب القروض الاستثمارية ينبغي على المستثمرين أن لا يحصروا استثماراتهم في القروض العامة وإنما أن يتوسعوا في هذه الاستثمارات لتشمل السندات والرهن وكذلك القروض المرتبطة بمعدلات التضخم وذات الفوائد العالية .

وكبديل عن الأسهم تذكر السيدة أولمان من بين أشياء أخرى ، الآثار الفنية والقروض المضمونة . و تعتبر المديرة التنفيذية لشركة كول كابيتال أند فاينانس في برلين أن صناديق التحوط والعقود الآجلة ، و الحقائب الاستثمارية المدارة بحرفية عالية تصلح للقيام بعمليات التنويع ، ومع ذلك فهي تقر بأنه ليس لدى أوروبا ما يكفي من الخبرة في التعامل مع هذه الأدوات الاستثمارية الجديدة .

وتقول السيدة أولمان إن من الضروري الانتباه إلى أن هذه الأدوات الاستثمارية الجديدة تدر عائدا يفوق المتوسط عادة ، ولكنها في الوقت نفسه تتمتع بدرجة من السيولة تقل عن السيولة التي تتمتع بها أدوات الاستثمار التقليدية ، يضاف إلى ذلك أن عرضها للبيع في ظروف الأزمات تعترضه بعض الصعوبات كما يمكن أن تحف به بعض الخسائر . وبالتالي فإن الأدوات الاستثمارية الجديدة تصلح ، أولا وقبل كل شيء ، للمستثمرين الذين يوجهون استثماراتهم للأجل الطويل .

ووفقا لدراسة أعدها بنك جولدمان زاكس فإن التنسيق بين أسواق الأسهم الأمريكية وأسواق الأسهم في القارة الأوروبية هو على مستوى رفيع من القوة خصوصا في فترات هبوط البورصات. ففي المتوسط تسير أسعار الأسهم الأوروبية بنسبة 70 في المائة في نفس الاتجاه الذي تسير فيه أسعار الأسهم الأمريكية، وذلك وفقا لما توصلت إليه الدراسة من خلال متابعة وتقييم البيانات ذات الصلة منذ عام 1973. أما في حالات صعود البورصات الأمريكية فلم يتعد نسبة الارتباط 28 في المائة. وبالمقابل فسوق الأسهم اليابانية لا تسير على نفس هذا المنوال, حيث تبين أن نسبة الربط في حالة هبوط بورصات الأسهم لا تتعدى نسبة 40 في المائة، بينما تهبط إلى 11 في المائة فقط في حالات تراجع البورصات، وهذا يعني عمليا انعدام العلاقات الارتباطية.

ويقول بنك جولدمان زاكس إن الاعتمادية تبلغ أقصى درجاتها عندما تتراجع أسعار الأسهم خلال شهر واحد بنسبة تزيد على 8 في المائة حيث ترتفع العلاقة الارتباطية للأسهم الأوروبية عند ذلك إلى 72 في المائة ، وللأسهم اليابانية في حدود 50 في المائة فقط . وفي حالات تراجع أسعار الأسهم في أميركا بنسبة تتراوح ما بين 1 و3 في المائة تصل العلاقة الارتباطية إلى ما نسبته 69 في المائة بالنسبة لأوروبا و 40 في المائة بالنسبة لليابان. أما فيما يتعلق بتأثير الدورات الاقتصادية على مستوى الاعتمادية فقد توصل بنك جولدمان زاكس إلى استنتاجات تختلف عن تلك التي توصلت اليها السيدة أولمان: حيث تقرر دراسة جولدمان زاكس بأن الأجانب هم الأكثر اعتمادا على الأسواق الأميركية، عندما يتم تجاوز الطاقات الإنتاجية العالمية، واستمرار الطلب في التمدد، أي ليس في ظل ظروف تراجع الأداء وإنما في ظل ظروف الانتعاش.

ولمزيد من الإيضاح يقول بنك جولدمان زاكس الاستثماري بأنه في ظل عمل الاقتصاد بأقل من طاقته فإن تطورات البورصة في البلدان المختلفة تكون محكومة بعوامل قائمة بذاتها. أما إذا كان الاقتصاد العالمي ككل يمر في عنق زجاجة فإن التقديرات العامة للآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي هي التي تلعب الدور الحاسم في حركية الأسعار في البورصات المختلفة.

الأكثر قراءة